نيوهامبشير تقترع اليوم: لحظة مفصلية لحملة بايدن

11 فبراير 2020
بايدن خلال تجمع انتخابي في نيوهامبشير الأحد(جستن سوليفان/Getty)
+ الخط -
يحلو لسكان ولاية نيوهامبشير القول "الناس في أيوا يقطفون الذرة، والناس في نيوهامبشاير يختارون الرؤساء"، في دلالة على التنافس بين أول ولايتين في الانتخابات التمهيدية على لقب صانعة الرؤساء الأميركيين. يتطلع الديمقراطيون إلى وضوح انتخابي في نيوهامبشير التي تقترع اليوم الثلاثاء، بالتصويت التقليدي بعد نظام التجمّع الانتخابي الذي تعثّر في أيوا. نيوهامبشير قد تعزز قوة قاعدة المرشح اليساري بيرني ساندرز أو تكرّس صعود نجومية المرشح الوسطي بيت بوتيدجيج، لكن الأهم من ذلك قد تقرع جرس الإنذار لحملة نائب الرئيس السابق جو بايدن.

نيوهامبشير هي واحدة من ولايات "نيو إنغلاند" الست، شمال شرق الولايات المتحدة على الحدود الكندية. هذه الولاية الصغيرة شعارها "عش حراً أو مت"، وتستمدّ نزعتها الاستقلالية في الانتخابات التمهيدية من تاريخها، إذ كانت أول ولاية أميركية عام 1776 تنتفض على المستعمر البريطاني وتعلن دستورا جديدا أصبح حينها نموذجاً لدستور النظام الفيدرالي الأميركي. وعلى هذا الأساس، قانون الولاية يفوّض مسؤوليها المحليين بتعديل موعد الانتخابات إذا دعت الحاجة، لتبقى نيوهامبشير أول ولاية تقترع في السباق الرئاسي، ولهذا السبب، تعتبر نيوهامبشير وبنوع من "الفوقية" أنّ نظام التجمع الانتخابي الذي يسبقها في أيوا ليس انتخابات فعلية.

يختزن تاريخ نيوهامبشير الانتخابي الكثير من اللحظات الرمزية التي طبعت السباق الرئاسي الأميركي. حين دخل جيمي كارتر عام 1975 إلى مقهى في الولاية وقام بالتعريف عن نفسه، كان الجواب الشهير لصاحب المقهى "جيمي من؟". كارتر كان اسما غير معروف حينها قبل أن تصعد نجوميته في الولايات الأولى للانتخابات التمهيدية، وبالتالي استغلّ هذه الحادثة الشهيرة في حملته، وقرّر أن يكون اسمه على اللوائح الانتخابية في نيوهامبشير جيمي بدون اسم عائلته. في فبراير/شباط عام 1992، أنقذت نيوهامبشير حملة بيل كلينتون المتهاوية، إذ كان الأخير يواجه في الفترة ذاتها اتهامات بعلاقة خارج الزواج مع جينيفر فلاورز حين كان حاكماً لولاية أركنساس. وفي مناظرة شهيرة في نيوهامبشير في فبراير/شباط عام 1980، حين حاول مدير المناظرة محرر صحيفة "تلغراف" المحلية جون براين، إيقاف رونالد ريغان عن الكلام، ردّ عليه الأخير "أنا أدفع ثمن هذا الميكروفون"، في إشارة إلى أنّ حملة ريغان تدفع تكاليف المناظرة، وكانت هذه اللحظة بداية فوزه على الرئيس حينها جورج بوش الأب.

 
إذا كانت هناك رمزية قد تكون تاريخية لانتخابات نيوهامبشير هذا العام، فهي تكرار احتمال صعود شخصية مغمورة مثل بيت بوتيدجيج، كما حصل مع جيمي كارتر عام 1975، أو إنهاء حظوظ مرشح بوزن بايدن كما حصل مع جورج بوش الأب عام 1980، لا سيما بعد أداء بايدن الضعيف في آخر مناظرة رئاسية شهدتها نيوهامبشير الأسبوع الماضي.

معدل آخر استطلاعات الرأي يعطي الصدارة في نيوهامبشير لساندرز (26.6 في المائة) وهو فاز في هذه الولاية عام 2016 أيضاً، لا سيما أنها تجاور فيرمونت الولاية التي يمثلها المرشح اليساري في مجلس الشيوخ. في المركز الثاني يأتي بوتيدجيج (21.3 في المائة) الذي تعرّض لهجمات خلال آخر مناظرة لوقف صعوده السريع. ويشكل بوتيدجيج كمرشح وسطي، أكبر خطر على بايدن. فيما تأتي في المرتبة الثالثة إليزابيت وارن، إذ إنّ ولاية ماساشوستس التي تمثلها في مجلس الشيوخ تجاور أيضاً نيوهامبشير. وبدأت وارن تحاول أخيراً التموضع قليلاً في الوسط في خطابها السياسي، بعدما أدركت أنّ إسقاط ساندرز عن عرش قيادة اليسار الأميركي غير ممكن، وإذا لم تحصل على المرتبة الثالثة في نتائج هذه الانتخابات فقد تواجه حملتها صعوبات إضافية في جمع التبرعات الانتخابية.

وارن بدأت تركز في الأيام الأخيرة هجومها على بوتيدجيج لحصوله على تبرعات من شركات أميركية كبيرة. ووقفت في مهرجان انتخابي في نيوهامبشير أمام لافتة كبيرة تقول: "أفضل رئيس لا يمكن شراؤه بالمال"، فيما يبرر بوتيدجيج موقفه بالقول إن أي مرشح ديمقراطي يحتاج إلى قدرات مالية في مواجهة حملة الرئيس دونالد ترامب التي تمكنت من جمع 25 مليون دولار أخيراً. تركيز المرشحين على بوتيدجيج يأتي كمحاولة لقطع الطريق على صعوده، والافتراض أن قاعدته الانتخابية، على عكس ساندرز، ليست ثابتة معه بعد، وأنها قد تغير رأيها في حال تم تسليط الضوء على نقاط ضعفه، لا سيما أن أرقامه بين الأفارقة الأميركيين لا تزال منخفضة.

أما بايدن، فيحتلّ المرتبة الرابعة في معدل استطلاعات الرأي في ولاية لم يكن متوقعاً أن ينافس فيها بشكل جدي، لكن الانطباع عنه أصبح سلبياً خلال الأسابيع الأخيرة، وأداء ضعيف في نتائج نيوهامبشير قد يقنع كبار المتمولين في الحزب الديمقراطي بالتخلي عن نائب الرئيس السابق لصالح دعم مرشح وسطي آخر مثل بوتيدجيج قادر على هزيمة ساندرز. الأخبار السيئة تتوالى على حملة بايدن لأنه يتضرر من ترشّح عمدة مدينة نيويورك الأسبق، مايكل بلومبيرغ، كما من الصعود المتواضع لحملة المرشحة الوسطية السيناتور إيمي كلوبوشار.

حملة بايدن تراهن منذ البداية على "جدار حماية" من خلال التجمعات الانتخابية في نيفادا في 22 فبراير/شباط الحالي، وانتخابات كارولاينا الجنوبية في الـ29 من الشهر نفسه، حيث يتصدر بايدن إلى الآن، لكن ليس واضحاً بعد إلى أي مدى يستطيع الحفاظ على رصيده الانتخابي حتى يصل إلى انتخابات نيفادا. حملة بايدن ليست لديها حالياً التبرعات المالية الكافية للمنافسة الشهر المقبل في الولايات الكبيرة، لا سيما أنّ الملياردير بلومبيرغ يرمي بكل ثقله المالي لمحاولة تغيير معادلة السباق الرئاسي في مارس/آذار المقبل. ولايات مثل أيوا ونيوهامبشير فيها أكثر من 90 في المائة من الأميركيين البيض ويغلب عليها طابع الأرياف، وبالتالي هي لا تمثل ديمغرافية الحزب الديمقراطي، على عكس ولايات مثل نيفادا وكارولاينا الجنوبية التي قد تتغيّر فيها في أي لحظة صدارة بايدن إذا اقتنعت القاعدة الديمقراطية بأنه غير قادر على الفوز. وفي وقت يبدو فيه أنّ ساندرز حسم المعركة داخل المعسكر اليساري، فإنّ انتخابات نيوهامبشير هي محطة مفصلية للتيار الوسطي، في ظلّ صعود بوتيدجيج وتعثّر بايدن.

المساهمون