نيكانور بارّا.. كأنما لا شيء يحدث في تشيلي

13 يوليو 2014
الشاعر في صورة عائلية
+ الخط -

"كل ما يُقال شعر/ كل ما يُكتب نثر"، هكذا يعرّف الشاعر التشيلي نيكانور بارّا الشعر، في المختارات الصادرة عن سلسلة "آفاق عالمية" من "الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية"، بعنوان "كأنما لا شيء يحدث في تشيلي"، وترجمة أحمد حسان. يؤسس بارّا فلسفته ورؤيته للشعر عبر قصائد قلقة وغير مكتملة عن عمد، لاذعة وتنبؤية.

قصائد تدين لها الشعرية الإسبانية لما تشيعه من حرية إبداعية ووعي متجدد بأن كل شيء يمكن أن يقال شعراً. فقد أخذ هذا الشاعر على عاتقه منذ الخمسينيات، وتحديدًا حين صدر ديوانه الأول والأهم "قصائد وقصائد مضادة" (1954)، مهمة أن يصوغ، في ظل الألم والدعابة السوداء، قصيدة حافلة بالتجريب:

"أقول الأشياء كما هي
إما أننا نعرف كل شيء سلفاً
وإما أننا لن نعرف أبداً أي شيء على الإطلاق.
الشيء الوحيد المسموح لنا به
هو تعلم التحدث بطريقة صحيحة".

ولد نيكانور بارّا في 1914، وفي أيلول/ سبتمبر القادم يكملُ قرناً من الزمن. ومع ذلك، لا يزال قادراً على أن يخوض الحياة لكن في عزلة من جرّب الكثير وآن له أن يستريح. أستاذ الفيزياء المتمرّد، لم يفز بجائزة "خوان رولفو" إلا عام 1991، وفاز بجائزة سيرفانتس عام 2012، بعد أن تجاوز السابعة والتسعين من عمره، رغم ذلك يعتبره الناقد هارولد بلوم "أهم شاعر عرفته الأرض الجديدة إلى جانب والت ويتمان".

"أنا لست يمينياً ولا يسارياً
أنا ببساطة أكسر القوالب".

ما يميز "القصائد المضادة" هو التهكم والمفارقة الممزوجة باللامبالاة اللاذعة، من دون أن تغفل تفاصيل الواقع السوداوية. لكن هذه الواقعية تحمل في طياتها روافد وتأثيرات السوريالية الفرنسية، بعد تجريدها من مذهبيتها الجامدة. سوريالية نقّحتها الدعابة واللغة الدارجة العفوية لمواطني التشيلي. كل هذه العناصر تمتزج في "الشعر المضاد" من خلال الشخصية الفريدة غير المكتملة والواقعية لنيكانور بارّا.

"ما هو الشاعر المضاد:
تاجر جرار وتوابيت؟
كاهن لا يؤمن بشيء؟
جنرال يشك في نفسه؟
صعلوك يسخر من كل شيء
حتى من الشيخوخة والموت؟".

الشعر المضاد شعرٌ تمرّد على الأنواع والأشكال، من خلال طرح الموضوعات السابقة وإعادة تحطيمها، ومحو الحدود بين الأنواع الأدبية. إن الشعر- بل الأدب- المضاد بالنسبة لبارا، دفاع ضد تزييف الفن، ومحاولة لجعله سبباً للعيش والبقاء. وقد وصف بارا القصيدة المضادة بأنها "في النهاية، ليست سوى القصيدة التقليدية وقد أثْرتها السوريالية"، ويضيف: "يجب أن تحلّ انطلاقاً من وجهة النظر النفسية والاجتماعية للبلد والقارة التي ننتمي إليها، لكي يمكن اعتبارها بمثابة مثل أعلى شعري حقيقي".

تخبرنا قصيدة بارا بأنه وضع السوريالية في البيئة اللاتينية، من خلال ربطها بلغة يومية وتجربة واقعية، وتضخيم الصوت الشعري المفرد وتحويله إلى مسرح حافل بالأصوات:

"ما هو الشعر المضاد:
زوبعة في فنجان شاي؟
بقعة جليد فوق صخرة؟
حوض غسيل مليء بالفضلات الآدمية".

عرف تاريخ الشعر على الدوام قصائد مضادة كالتي كثّ بارّا بتجربته، بل إن مجمل الحياة الداخلية للشعر هي سجل لتلك التعارضات المتتابعة. فكل اتجاه شعري جديد ينشأ كردّ فعل ضد الرتابة والروتين اللفظي وتنميط المشاعر والقوالب الجاهزة التي تسود حقبة معينة.

المختارات التي يقدمها حسان، تغطي كل تجربة الشاعر، بمختلف تحولاتها وانتقالاتها، إذ أنها اختيرت من: "قصائد وقصائد مضادة" 1954، "رقصة الكويكا الطويلة" 1957، "أشعار الصالون" 1962، "أغنيات روسية" 1967، "قميص المجانين" 1969، "أعمال فنية" 1973، "خطب ومواعظ مسيح إلكي" 1977، "خطب ومواعظ مسيح إلكي الجديدة" 1979، "نكات بارا لتضليل الشرطة" 1983، "أوراق بارا" 1985، "قصائد غير منشورة" 1988.

المساهمون