بحلول عام 2014، يكمل الشاعر التشيلي نيكانور بارا أعوامه المئة، ستون منها قضاها في السير ضد التيار، وذلك منذ أن أصدر مجموعته الشعرية "قصائد وقصائد مضادة" في العام 1954.
تشيلي، البلد القابع في أقاصي الأرض، سيحتفل هذا العام به كأحد أبرز شعرائه وآخر مَن تبقى من جيل بابلو نيرودا.
يحلو للبعض القول إن بارا، المنعزل حالياً في لاس كروسس، قد عقد صفقة مع الشيطان تجنّبه الشيخوخة؛ فالقلة القليلة التي التقته تؤكد أن عظامه ما زالت تتحمل صعود السلالم وزيارة المنازل المهجورة.
ورغم سنواته المئة، فهو يعتقد أن الإنسان، وخصوصاً في الغرب، عليه أن يعيش ثلاثة وثلاثين عاماً كالمسيح، لا أكثر ولا أقل. وهكذا يموت مبتسماً بكامل أسنانه وليس بسن واحدة معلقة كجرس.
قد يكون بارا من القلائل الذين برعوا في الاتجاهين العلمي والأدبي، فقد حصل على درجة دكتوراه في الفيزياء وعلى عدد من أهم جوائز الشعر في العالم الإسباني.
بيد أن الشاعر المنحدر من عائلة فنية مبدعة منحتنا مغنية الفلوكلور فيوليت بارا صاحبة أغنية "شكراً للحياة" الشهيرة، والتي انتحرت بعد سنة من كتابتها وغنائها، لا يختلف عن أخته بمزاجه الغريب والحساس.
فالفيزيائي يرفض تشغيل مكيفات الحرارة في بيته عند البرد ويفضّل ارتداء الألبسة الثقيلة، كما يرفض الأكل في المطاعم المكلفة التي يرتدي النادلون داخلها لباساً رسمياً يبدون فيه كالعبيد الذين يقدمون أكلاً لأسيادهم، ويفضل الأماكن الشعبية التي يتساوى فيها النادل مع الزبون.
ولبارا أيضاً حساسية ضد الأشخاص البدينين أو ربما كان يتذرع بذلك، فيصف الشخص الذي لا يحبه بالبدين، متجنباً بهذه الطريقة تبرير موقفه ضده ومستخدماً أسلوب السخرية والتهكّم الذي عُرف به. لقد كان يسمي تشافيز بـ"تشافيز البدين". وفي فترة ما، تحمّس للوزير اليساري السابق فرناندو فلورس الذي ترشح للرئاسة وأصبح حليفاً لليمين، لكنه سرعان ما غيّر رأيه قائلاً: "إنه ليس جيداً، فهو شخص بدين".
على المستوى السياسي، استخدم بارا عبارة فيزيائية لوصف ذاته هي "النسبية". فعملياً لم ينتم إلى اتجاه معيّن، وإن أعلن أن ما فعله بينوشيه كان مهمّاً كي لا تتحول تشيلي إلى كوبا ثانية، إلا أنه تصدّى للديكتاتورية التي جاء بها العسكر وانتقد المجازر التي ارتكبوها خلال حكمهم (1973 ـ 1990).
عام 1966، سُئل بارا عمَّن يظن أنه العدو الأول للشعب، فأجاب:"الغباء المهيب، يسارياً كان أم يمينياً".
وقبل ذلك التاريخ بست سنوات، خلال الثورة الكوبية، صرح بارا أن كل شيء لديه خاضع للنسبية، حتى الثورة، الأمر الذي حمل اليسار على مهاجمته ومطالبته بتحديد موقفه. وذهب بابلو روخا وغونسالو روخاس إلى حد اتهامه بالانتهازية.
وعلى أثر قبوله دعوة زوجة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى حفل شاي في البيت الأبيض عام 1970، تصاعد الهجوم ضده. فالصورة التي التقطت له في ذلك اللقاء انتشرت في أميركا اللاتينية، واعتُبر بارا خائناً للثورة. وردّ على منتقديه بأن الأعداء ليسوا الماركسيين أو الرأسماليين، بل "الأغبياء" دوماً.
أما آخر الإشكاليات التي أثارت جدلاً حول الشاعر بارا فقد كانت عام 2006 حينما عرض صوراً لرؤساء تشيلي معلّقين على أعواد المشانق، قبل أن يبتعد بشكل شبه كامل عن الحياة الاجتماعية.