نويت أن أكون روائياً

21 أكتوبر 2015
"القوس الأسود"، شادية ورجاء عالم (السعودية)
+ الخط -

إذا كانت الرواية العربية، ومنذ خمسينيات القرن الماضي، خصوصاً في مصر من خلال تجربة نجيب محفوظ، قد أرست تقاليد يمكن أن نسمّيها بـ "سوية عادية" تحفظ علاقات واضحة بين السارد والقارئ، قائمة على نسق تراكم معيّن وتطوّر متواصل؛ فإن ما يُمكن تسميته بـ "طوفان الرواية" في السعودية، سيرُدّنا إلى تساؤل يتّصل بتلك السوية التي تُمسك هوية الفن الروائي في علاقته الطبيعية مع القارئ.

ويردّنا أيضاً إلى التأمل في ما وراء اهتزاز "السوية العادية" وانكسار نمطها بفعل فوضى تحدث داخل ذلك الطوفان، أحالت السوية إلى تشويش في ذائقة القارئ، والكتابة الروائية إلى تجريب مجّاني ضار بالعلاقات بين السارد والقارئ.

وإذ ما جاز لنا القول إنّ طوفان الرواية السعودية مثّل تعطيلاً للتطوّر الطبيعي للسياق الروائي الذي يقوم على تلك السوية بين القارئ والسارد؛ فإن ذلك يعني، بشكلٍ ما، تحوّلاً مجانياً في وظيفة العلاقة بين القارئ والسارد، بما يجعلها عرضة لتجريب فج، يبدو أحياناً مجرّد انعكاس لأماني قرّاء في أن يصبحوا يوماً ما كُتّاباً، وفقط من خلال القول: "نويت أن أكون روائياً"؛ حيث لم تعترضهم حواجز نقدية أو تحريرية أو مادية للمرور إلى مرحلة نشر أعمالهم.

لا تخلو الحالة السعودية من كونها صدى لظاهرة انفجار الرواية في العالم، أو حتى لتلك المقولة التي أطلقها أحد النقاد العرب، بأن الرواية أصبحت "ديوان العرب الجديد"، كما لا تخلو من بصمات دعاية إعلامية؛ لكنها، بكل تأكيد، تحيلنا بصورة أعمق إلى تساؤلات جوهرية حيال تحقق الشرط التاريخي لتطور هذا الفن، وعلاقته البنيوية بهوية المدينة، وتفاصيل الحياة فيها، وسيولة العلاقات المركّبة والمتعددة الوجهة والمكان للمجتمع الحديث.

بطبيعة الحال، لا نعني بهذه الرؤية انسداداً في أفق الكتابة السردية في التجارب الروائية داخل السعودية، بقدر ما نعني التشكيك في مصداقية تلك الوفرة والطفرة الروائية، وإذا ما كانت تعبيراً عن حقيقة أدبية في واقع السرد الروائي.

ربما كانت روايتا "ساق الغراب" لـ يحيى امقاسم و"شارع العطايف" لـ عبد الله بن بخيت، تشكّلان، إلى جانب روايات أخرى قليلة، في تقديرنا، استثناء سعودياً بديعاً داخل الطوفان. المفارقة هنا؛ أن الروايتين كانتا العمل الأول لكل منهما، وكذلك كانت فرادتهما متّصلة بالمعرفة والذاكرة والشجاعة من خلال سرد حيوات تم تهميشها والنظر إليها ضمن تاريخ مسكوت عنه.

لا نشك بأن ثمة مختبراً لكتابة سردية في الظل، يشتغل عليها مبدعون حقيقيون من السعودية، لكنهم ضمن قلة ممن لهم أسئلة وعوالم سردية مختلفة عن تلك "الخواطر" التي تم تعويمها في وهم أطلقت عليه تسمية "طوفان الرواية السعودية".


اقرأ أيضاً: الأنساب في السعودية: متاهات من رمل وطين

دلالات
المساهمون