نورة الجزائرية.. رحيل في بلاد الروم

03 يونيو 2014
السيدة نورة (1942-2014)
+ الخط -

لم تكن السيدة نورة تعلم، حين غنت أغنيتها التي رددها الجزائريون "يا ربي سيدي/ إيش عملت أنا لوليدي/ ربيتو بيدي، ودّاتو بنت الرومية"، أنها ستلفظ في فرنسا مطلع هذا الأسبوع، آخر ما أتيح لها من أنفاس في بلاد هذه "الرومية" التي أخذت منها "ولدها"، تماماً كما أخذ منها الفن 57 عاماً من عمرها، مخلفة رصيداً فنياً بلغ 600 أغنية.

لم تتميّز أغنيات "نورة" بالتنوع على مستوى المواضيع التي تناولتها فقط، من عاطفي إلى وطني فاجتماعي، بل أيضاً تميزت بتنوع لغاتها: العربية والفرنسية، ثم الأمازيغية التي تعلمتها نورة على يد زوجها الملحن كمال حمادي، بعد ارتباطهما عام 1960.

البيئة المحافظة التي ولدت الفنانة فيها عام 1942 دفعتها إلى النضال من أجل تحقيق طموحها في أن تكون مغنية، لأن هذه البيئة كانت ترفض مثل هذه الطموحات، وتنبذ حاملاتها من النساء. وقد قادها ذلك إلى التخلي عن اسمها الحقيقي (فاطمة الزهراء باجي)، واعتناق اسم مستعار عرفت به هو "نورة".

بداياتها كانت في الإذاعة الجزائرية عام 1957، بعد أن نجحت في مسابقة لتوظيف مذيعات. وبتسجيلها أول أغنية لها "بعد ما شافت عيني"، فرضت نفسها صوتاً متميزاً لا يسع من يسمعه إلا أن يحبّه. وهذا ما حصل للمغني والملحن الأمازيغي كمال حمادي الذي لحن لها ثلثي أغانيها، وأحالها على شعراء غنائيين صنعوا مجد الأغنية الجزائرية، مثل محبوب باتي وحبيب حشلاف.

فترة السبعينيات كانت أزهى مراحل صاحبة رائعة "يا بن سيدي يا خويا"، حيث حصدت العديد من الأوسمة والتكريمات، منها "الأسطوانة الذهبية" في الجزائر عام 1974، و"النخلة الذهبية" في المغرب عام 1971، و"الوسام الثقافي" في تونس عام 1974، ولقب نجمة الأغنية الشعبية العربية في ليبيا عام 1975.

ولم تستثنَ صانعة أحلام الشباب الجزائري في العقدين اللذين تليا الاستقلال الوطني، من الاختفاء القسري الذي فرضه على جيلها ظهور أغنية "الراي" مطلع الثمانينيات، حيث أصبحت هي الأغنية المهيمنة في الشارع الجزائري، ثم على المنابر السمعية البصرية، بعد أن تمّ تبنّيها رسمياً من طرف نظام الرئيس الشاذلي بن جديد.

ولم تظهر نورة ـ منذ تلك الفترة ـ إلا في مناسبات محدودة، مثل حفل تكريمها من قبل وزارة الثقافة عام 2003، حيث فاجأت محبّيها بأنها مصابة بالقصور الكلوي، ثم عادت عام 2012 من ديوان "رياض الفتح"، حيث غنّت أشهر أغانيها، "توحشناك"، وصرّحت للصحافة بأنها خُدعت بزرع كلية تعود لشيخ في العقد الثامن من عمره.

وبرحيل السيدة نورة، يجد الشارع الفني في الجزائر نفسه مطالباً بفتح نقاش حقيقي حول القطائع السلبية في الذوق الفني العام التي دفعت بأصوات صنعت مجد الغناء الجزائري على مدار عقود إلى الاختفاء النهائي، ثم الرحيل في صمت، في ظل انتشار أصوات شبابية أقصى ما تملك من رصيد أنها غنت في الملاهي الليلية.

المساهمون