نهاية الصراع العربي الإسرائيلي رسمياً
أعلنت رموز النظام العربي الرسمي، تصريحاً أو تلميحاً، قولاً أو فعلاً، عن نهاية الصراع مع إسرائيل والمشروع الصهيوني برمته. سقط هذا الموضوع بالذات من أجندة القوم، ولم يعد له مكان فيها، ولا في حواشيها. ولهذا، ويا لغرابة ما يحصل، تشعر إسرائيل بقلق عميق، وهي لم تُسقط هذا البند من أجندتها، بل تزايدت مشاعر قلقها أكثر، ولا أجد تعبيراً عن هذا القلق، أكثر صدقاً مما كتبته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: باتت الاستخبارات الإسرائيلية عاجزة عن متابعة التحولات في العالم العربي ورصدها وتوقعها، بسبب كثافتها. يعني، هناك إحساس من فزع من شيء مفاجئ، يمكن أن يحدث بدون توقع!
كانت جماهير غفيرة من المخدوعين العرب تنتظر "فرجاً" ما من النظام العربي الرسمي، وكانت تنظر إلى العبارة الدائمة، باعتبار "قضية فلسطين، قضية العرب الأولى" بعين الأمل، لعل وعسى أن تفضي يوماً إلى نهاية النفق. اليوم، لا أحد يصدق من بسطاء العرب، أو ممن هم أعلى وعياً، أن أياً من رموز النظام الرسمي العربي تعنيه فلسطين أو أهلها، أو ما ستؤول إليه قضيتهم. ليس هذا فحسب، بل هناك إجراءات عملية على الأرض، تلاحق كل من يفكر خارج "الصندوق الرسمي"، فالمحاكم في انتظار كل من يهجس بالمقاومة، أو يحدث نفسه أو غيره بها، والحصار الحديدي، المضروب حول القلعة الصهيونية محروس بأهداب عيون النظام العربي، وأصبح "تجفيف منابع المقاومة" في أعلى سلم قضايا الأمن القومي والوطني العربي، وكل من يشذ عن هذه القاعدة الذهبية، القتل والسجن والملاحقة في انتظاره.
أخيراً، خرجت فلسطين من دائرة الكذب العربي الرسمي، فهي لم تكن قضيتهم الأولى، وكل ما قيل في هذا الباب لم يكن إلا خديعة، فمن أعان إسرائيل على إكمال مشروعها، ناهيك عن تأسيسها أصلاً، كان النظام العربي الرسمي، سراً وعلانية، ولم يكن لهذا المسخ أن يكتمل نموه، من دون مساعدة ورعاية رسمية عربية، مباشرة وغير مباشرة، لكن الفرق بين ما كان وما هو كائن الآن أن آلة الإعلام العربي خلعت قناع الخجل، وباتت غير معنية بإخفاء الرعاية الرسمية العربية لإسرائيل، مرة بحجة الالتزام بمعاهدات "السلام"، وأخرى بحجة محاربة ما يسمونه "الإرهاب"، وثالثة للحفاظ على الأمن القومي، أو الوطني، وكلها محض ادعاءات فارغة، لا شأن لها بالإستراتيجية العربية الرسمية القائمة على ثابت لم يتزعزع، وهو أن "إسرائيل وجدت لتبقى".
بين يدي الآن عينة تمثيلية لحقيقة موقف النظام العربي الرسمي من إسرائيل، وهو ما تسميه المحافل العسكرية في إسرائيل باسمه الحقيقي: "تجفيف منابع المقاومة"، وفق ما نشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الأحد الماضي، نقلاً عن مصدر عسكري إسرائيلي، تجفيف منابع الكرامة، لا المقاومة فقط، يجري بمنتهى الخشونة و"الجرأة"، ووسط صمت يكاد يكون تاماً، حتى من لدن النخب العربية التي تنام غالبيتها الساحقة في غرف نوم الأنظمة، فلا تكاد تسمع لها صوتاً، والمبرر: الأمن القومي العربي!
يكشف المصدر العسكري الإسرائيلي "النقاب" عمّا لم يعد سراً، بل تجاهر فيه آلة الإعلام العربية بكل "أريحية"، حيث يقول، إنه منذ تولى قائد الانقلاب المصري "الرئيس"، عبد الفتاح السيسي، مقاليد الأمور في القاهرة، لم تتمكن حركتا حماس والجهاد الإسلامي من إدخال صاروخ واحد إلى قطاع غزة عبر سيناء. وقد تحقق هذا "الإنجاز" بعد تبني الجيش المصري سياسة تدمير الأنفاق، أما "الانجاز الأكبر" الذي حققه الجيش المصري فهو القضاء على مسار حركة تهريب السلاح والوسائل القتالية التي تُهرَّب من السودان إلى غزة عبر سيناء. ولم يكن هذا المُنجَز ليتم هكذا اعتباطاً، فهو ثمرة "تفاهمات" رسمية بين إسرائيل ومصر، لضمان عدم تعاظم قوة "حماس" العسكرية، وفق المصدر الصهيوني. وبناء على هذه التفاهمات، أوقفت القاهرة إدخال الأسمنت المخصص للمشاريع الخيرية في القطاع، والذي كان يصل عبر الحدود المصرية، حتى لا تستخدمه حماس في بناء الأنفاق والتحصينات تحت الأرضية، إضافة إلى منع إدخال أنابيب معدنية للقطاع، خشية أن تستخدمها حماس في تصنيع الصواريخ، ومنع وصول أسمدة كيماوية مخصصة للزراعة، خشية أن توظف في تصنيع المواد المتفجرة، علاوة على منع إدخال آلات الخراطة التي تدعي إسرائيل أنها تستخدم في تصنيع الصواريخ، أو أي آلات قد تسهم في إعادة تأهيل قطع غيار، لاستخدامها في تصنيع الصواريخ من جديد.
والملاحظ، هنا، مما كان يعتبر في مرحلة "الخديعة القومية" خيانة عظمى، أن مستوى الثقة بين الأجهزة الأمنية المصرية والإسرائيلية، الآن، كبير وعميق وتام، وفق وصف الخبير العسكري الذي قال، أيضاً، إن التعاون والتنسيق بين الجانبين، الهادف إلى منع تعاظم قوة حماس غير مسبوق، ولا ينسى الخبير، في النهاية، أن يمتدح مصر، ونجاح "رئيسها" في تسجيل نجاحات أكبر بكثير من التي حققها الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في كل ما يتعلق بالجهود الهادفة إلى منع تعاظم قوة حماس، بل إنه يتهم مبارك بالتغاضي عن عمليات تهريب السلاح للقطاع!
خرجت قضية فلسطين، بشكل عملي وعلني، والحالة هذه، من تحت مظلة "الرعاية" الرسمية العربية الكاذبة، جهاراً نهاراً، وبمنتهى الوضوح، ولم يعد أحد، سواء من العوام أو الخواص، ينتظر دبساً من ذاك النمس، بل بدأ التماسه من مصدر آخر، وربما هنا تحديداً، منبع القلق الصهيوني الذي كتبت عنه "هآرتس".