صادفت هذا العام الذكرى 67 لنكبة 48 في 14 مايو/ أيار 2015. وفي الخامس من يونيو/ حزيران المقبل ستصادف الذكرى 48 لنكسة حزيران 67.
استقلالهم كان نكبتنا، وتوسعهم كان نكستنا. أما احتلال بغداد عام 2003 فذهب بما تبقى من البلاغة اللفظية لبروباغندا "النكبة"، و"النكسة"، وكشف عار الأنظمة العربية، التقدمية الممانِعة بخاصة، التي لم يعد يسترها لا ورق توت، ولا ورق تين.
تناظر رقمي المناسبتين هذا العام، والعلاقة التبادلية بينهما، وإن كان مصادفة يحفل عالم الأرقام بما هو أكثر إبهاراً منها، يغري بالبحث في الأرقام المطلقة، وفي النسب المئوية. لكن الأكثر إغراء هو البحث في خلفيات فكرة ووقائع تأسيس كل من الولايات المتحدة الأميركية، وإسرائيل، وفي وقائع ما بين النكبة والنكسة، بل وفي ما بعد النكسة مروراً باحتلال بغداد عام 2003، وصولاً إلى أيام الربيع العربي الذي ستزهر بذوره في يوم غير بعيد.
خلفيات تأسيس إسرائيل لا تقود فقط إلى الحديث عن التواطؤ المثبت من قبل أنظمة عربية آنذاك، أو التواطؤ المشكوك فيه من قبلها، أو التهاون في إنقاذ فلسطين، أو التقصير في الضغط للحصول على شروط سياسية جيدة للفلسطينيين من التقسيم.
هنا، نرغب في البحث في التشابه بين تأسيس كل من أميركا، وإسرائيل، من خلال خلفية "العهد القديم"، المبجل من قبل الأصوليين البروتستانت، والمقدس عند اليهود.
في الحالتين، كانت هنالك "أرض ميعاد" لشعبين مختلفين في مكانين مختلفين وزمانين مختلفين.
تتشارك مناسبتا (48 و67) في الأصل تفاصيل المأساة الفلسطينية التي لا تزال تعيش كقضية في وجدان معظم الفلسطينيين، وكثير من العرب، مع شواذ لا يمكن نكرانها هنا وهناك في فلسطين والعالم العربي.
وللتذكير، نصَّ القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة في الأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 على تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة يهودية على 55% من الأراضي الفلسطينية يسكن فيها 498 ألف مستوطن يهودي، و497 ألف عربي فلسطيني، ودولة عربية تقوم على نحو 45% من الأراضي، ويسكن فيها 725 ألف فلسطيني، و10 آلاف مستوطن يهودي. فوق ذلك، لم يستفد الفلسطينيون من قرارات المؤسسة الأممية نفسها باعتبار ما حصل في عام 1967 احتلالاً لـ"أراض فلسطينية".
تفاصيل ما حصل خلال الشهور التالية لقرار التقسيم، وصولاً إلى إعلان دولة "إسرائيل"، في 14 مايو/ أيار عام 1948، معروفة، ومقدمات "يوم استقلال إسرائيل" تشبه، حقيقة، مقدمات تأسيس الولايات المتحدة الأميركية. وعيد الشكر الأميركي، نفسه، هو "عيد: قتلنا شعبكم واغتصبنا أرضكم"، وهي الترجمة الحرفية لمبررات ذلك العيد، حين قضى "الحجاج البروتستانت"، في "أرض الميعاد" الأميركية، وعلى مراحل متتالية، وصولاً إلى العقد الأول من القرن العشرين، على أكثر من 112 مليوناً من السكان الأصليين، أو ما يسمى "الهنود الحمر".
مبررات احتفال الأميركيين الأوائل، والأميركيين الحاليين، لا تخدع من أراد تتبع التاريخ الدموي لتأسيس أميركا. حتى الشكل الجميل لديك الحبش المشوي يثير السؤال لماذا لا يكتمل طقس عيد إلا بهذا الديك. تقول الرواية الرسمية إن عيد الشكر (Thanksgiving) بدأ الاحتفال به عام 1621، وإن الاحتفال كان يمزج بين شكر الرب بالصلوات، وبين شكر الهنود الحمر الذين علموا الحجاج الزراعة والصيد.
لكن الصورة لا تكتمل إلا إذا علمنا أن كل بروتستاني مهاجر (WASP: White Anglo-Saxon Protestant) كان يكافأ بعشرة دولارات عن كل فروة رأسٍ لهندي أحمر يأتي بها لقادة الحجاج، وأن صيدهم السهل من الهنود "الطيبين" الذين تحالفوا معهم كان أكثر من أولئك الذين حاربوا المهاجرين الحجاج.
بالطبع، لم يقف القتل عند جز الرؤوس واقتلاع فروة الرأس التي تتم يدوياً، وبطريقة بطيئة نوعاً ما. هنالك طرق قتل جماعي اتبعتها الشركات، ورؤساء الجماعات، ودعا إليها رجال دين مسيحيون، عن طريق نشر أوبئة الجدري والطاعون والحصبة والأنفلونزا والسل والديفتريا والتيفوس والكوليرا، بنشر أغطية ملوثة مجلوبة من أماكن الحجر الصحي. هنا، حصد الموت 950 هندياً من بين كل ألف خلال فترات قصيرة، فشكر الحجاج ربهم على هذه النعمة، أيضاً.
في المأساة الفلسطينية، حلت "التغريبة" محل الإبادة الجماعية، أو تساوقت معها. مع ذلك، يقترب عدد الفلسطينيين في العالم الآن من 11 مليون نسمة، منهم 7.5 ملايين نسمة يعيشون خارج فلسطين، أي أن من تبقى منهم في فلسطين التاريخية 3.5 ملايين نسمة (في أراضي 1948 حوالي 1.25 مليون نسمة، وفي قطاع غزة 1.5 مليون، وفي الضفة الغربية 750 ألف نسمة). بالطبع، يمكن الشك في دقة الأرقام، كونها مجرد تقديرات، وحتى لو كانت إحصاءات سيظل الشك فيها لكونها إحصاءات عربية!
شكر اليهود ذهب في السياسة، عند المتدينين، والعلمانيين، على السواء. ففي السياسة والحرب لا بد من خاسر ورابح. ربحت إسرائيل، وجمعت فعلاً مجد القوتين كي تحتفل بنكبة الفلسطينيين والعرب على أنه عيد استقلالها.
تعالوا نعبث بالأرقام: مجموع 48 و67 هو 115. ونحن الآن في عام 2015. هل يعني شيئاً طرح الرقم 115 من 2015، عندما نحصل على الجواب 1900؟ ماذا يعني أن مجموع العددين 4 و8 في الرقم 48 هو 12 (عدد الأئمة عند الشيعة الاثني عشرية، وعدد أسباط إسرائيل، وعدد حواريي المسيح... إلخ)، وأن مجموع العددين 7 و6 في الرقم 67 هو 13 (عدد حواريي المسيح مضافاً إليهم يهوذا الأسخريوطي)، وهل لذلك علاقة بأنني من مواليد 1967؟
لا يخطر في بالي شيء، الآن على الأقل، سوى أن الحروب الصليبية استمرت قرنين وعادت فلسطين عربية بعد ذلك؛ عربية فقط، ولا أريد دولة دينية كي لا أتشبه بنتنياهو ومتطرفي الدولة العبرية.
(سورية)
استقلالهم كان نكبتنا، وتوسعهم كان نكستنا. أما احتلال بغداد عام 2003 فذهب بما تبقى من البلاغة اللفظية لبروباغندا "النكبة"، و"النكسة"، وكشف عار الأنظمة العربية، التقدمية الممانِعة بخاصة، التي لم يعد يسترها لا ورق توت، ولا ورق تين.
تناظر رقمي المناسبتين هذا العام، والعلاقة التبادلية بينهما، وإن كان مصادفة يحفل عالم الأرقام بما هو أكثر إبهاراً منها، يغري بالبحث في الأرقام المطلقة، وفي النسب المئوية. لكن الأكثر إغراء هو البحث في خلفيات فكرة ووقائع تأسيس كل من الولايات المتحدة الأميركية، وإسرائيل، وفي وقائع ما بين النكبة والنكسة، بل وفي ما بعد النكسة مروراً باحتلال بغداد عام 2003، وصولاً إلى أيام الربيع العربي الذي ستزهر بذوره في يوم غير بعيد.
خلفيات تأسيس إسرائيل لا تقود فقط إلى الحديث عن التواطؤ المثبت من قبل أنظمة عربية آنذاك، أو التواطؤ المشكوك فيه من قبلها، أو التهاون في إنقاذ فلسطين، أو التقصير في الضغط للحصول على شروط سياسية جيدة للفلسطينيين من التقسيم.
هنا، نرغب في البحث في التشابه بين تأسيس كل من أميركا، وإسرائيل، من خلال خلفية "العهد القديم"، المبجل من قبل الأصوليين البروتستانت، والمقدس عند اليهود.
في الحالتين، كانت هنالك "أرض ميعاد" لشعبين مختلفين في مكانين مختلفين وزمانين مختلفين.
تتشارك مناسبتا (48 و67) في الأصل تفاصيل المأساة الفلسطينية التي لا تزال تعيش كقضية في وجدان معظم الفلسطينيين، وكثير من العرب، مع شواذ لا يمكن نكرانها هنا وهناك في فلسطين والعالم العربي.
وللتذكير، نصَّ القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة في الأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 على تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة يهودية على 55% من الأراضي الفلسطينية يسكن فيها 498 ألف مستوطن يهودي، و497 ألف عربي فلسطيني، ودولة عربية تقوم على نحو 45% من الأراضي، ويسكن فيها 725 ألف فلسطيني، و10 آلاف مستوطن يهودي. فوق ذلك، لم يستفد الفلسطينيون من قرارات المؤسسة الأممية نفسها باعتبار ما حصل في عام 1967 احتلالاً لـ"أراض فلسطينية".
تفاصيل ما حصل خلال الشهور التالية لقرار التقسيم، وصولاً إلى إعلان دولة "إسرائيل"، في 14 مايو/ أيار عام 1948، معروفة، ومقدمات "يوم استقلال إسرائيل" تشبه، حقيقة، مقدمات تأسيس الولايات المتحدة الأميركية. وعيد الشكر الأميركي، نفسه، هو "عيد: قتلنا شعبكم واغتصبنا أرضكم"، وهي الترجمة الحرفية لمبررات ذلك العيد، حين قضى "الحجاج البروتستانت"، في "أرض الميعاد" الأميركية، وعلى مراحل متتالية، وصولاً إلى العقد الأول من القرن العشرين، على أكثر من 112 مليوناً من السكان الأصليين، أو ما يسمى "الهنود الحمر".
مبررات احتفال الأميركيين الأوائل، والأميركيين الحاليين، لا تخدع من أراد تتبع التاريخ الدموي لتأسيس أميركا. حتى الشكل الجميل لديك الحبش المشوي يثير السؤال لماذا لا يكتمل طقس عيد إلا بهذا الديك. تقول الرواية الرسمية إن عيد الشكر (Thanksgiving) بدأ الاحتفال به عام 1621، وإن الاحتفال كان يمزج بين شكر الرب بالصلوات، وبين شكر الهنود الحمر الذين علموا الحجاج الزراعة والصيد.
لكن الصورة لا تكتمل إلا إذا علمنا أن كل بروتستاني مهاجر (WASP: White Anglo-Saxon Protestant) كان يكافأ بعشرة دولارات عن كل فروة رأسٍ لهندي أحمر يأتي بها لقادة الحجاج، وأن صيدهم السهل من الهنود "الطيبين" الذين تحالفوا معهم كان أكثر من أولئك الذين حاربوا المهاجرين الحجاج.
بالطبع، لم يقف القتل عند جز الرؤوس واقتلاع فروة الرأس التي تتم يدوياً، وبطريقة بطيئة نوعاً ما. هنالك طرق قتل جماعي اتبعتها الشركات، ورؤساء الجماعات، ودعا إليها رجال دين مسيحيون، عن طريق نشر أوبئة الجدري والطاعون والحصبة والأنفلونزا والسل والديفتريا والتيفوس والكوليرا، بنشر أغطية ملوثة مجلوبة من أماكن الحجر الصحي. هنا، حصد الموت 950 هندياً من بين كل ألف خلال فترات قصيرة، فشكر الحجاج ربهم على هذه النعمة، أيضاً.
في المأساة الفلسطينية، حلت "التغريبة" محل الإبادة الجماعية، أو تساوقت معها. مع ذلك، يقترب عدد الفلسطينيين في العالم الآن من 11 مليون نسمة، منهم 7.5 ملايين نسمة يعيشون خارج فلسطين، أي أن من تبقى منهم في فلسطين التاريخية 3.5 ملايين نسمة (في أراضي 1948 حوالي 1.25 مليون نسمة، وفي قطاع غزة 1.5 مليون، وفي الضفة الغربية 750 ألف نسمة). بالطبع، يمكن الشك في دقة الأرقام، كونها مجرد تقديرات، وحتى لو كانت إحصاءات سيظل الشك فيها لكونها إحصاءات عربية!
شكر اليهود ذهب في السياسة، عند المتدينين، والعلمانيين، على السواء. ففي السياسة والحرب لا بد من خاسر ورابح. ربحت إسرائيل، وجمعت فعلاً مجد القوتين كي تحتفل بنكبة الفلسطينيين والعرب على أنه عيد استقلالها.
تعالوا نعبث بالأرقام: مجموع 48 و67 هو 115. ونحن الآن في عام 2015. هل يعني شيئاً طرح الرقم 115 من 2015، عندما نحصل على الجواب 1900؟ ماذا يعني أن مجموع العددين 4 و8 في الرقم 48 هو 12 (عدد الأئمة عند الشيعة الاثني عشرية، وعدد أسباط إسرائيل، وعدد حواريي المسيح... إلخ)، وأن مجموع العددين 7 و6 في الرقم 67 هو 13 (عدد حواريي المسيح مضافاً إليهم يهوذا الأسخريوطي)، وهل لذلك علاقة بأنني من مواليد 1967؟
لا يخطر في بالي شيء، الآن على الأقل، سوى أن الحروب الصليبية استمرت قرنين وعادت فلسطين عربية بعد ذلك؛ عربية فقط، ولا أريد دولة دينية كي لا أتشبه بنتنياهو ومتطرفي الدولة العبرية.
(سورية)