مع تطور حرب السايبر في السنوات الأخيرة لدرجة يمكنها أن تشكل خطراً استراتيجياً وداهماً على منشآت مدنية، وأخرى عسكرية أمنية، ذات أهمية استراتيجية، قررت الحكومة الإسرائيلية في فبراير/شباط 2015، تأسيس السلطة الوطنية للدفاع في مجال السايبر مع تحديد دور هذه الهيئة التي تشكلت رسمياً في أبريل/نيسان 2016 بالمهام التالية: "إدارة وتفعيل وتنسيق مجمل النشاطات الدفاعية المعلوماتية، على المستوى الوطني في مجال السايبر، بهدف تأمين رد شامل وقومي يشمل أيضاً ردّ التهديدات من خطر هجمات سايبر على إسرائيل، ومعالجتها فور وقوعها، وبلورة صورة شاملة للوضع وتركيز المعلومات الاستخباراتية والتعاون مع الجهات الخاصة". وتم إخضاع رئيس هذه الهيئة لرئيس هيئة السايبر القومية.
وجاء القرار المذكور انطلاقاً من الضرورة لتشكيل هيئة تتعاون بشكل وثيق مع مختلف قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي، ومنشآته الاستراتيجية، على أن تقوم لاحقاً بعمليات ومهام كان يقوم بها جهاز الشاباك (الاستخبارات العامة). إلا أن ذلك لم يمنع نشوء توتر شديد بين الهيئة الجديدة وبين جهاز الشاباك، كما مع ذراع السايبر العسكرية التي أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي أيزنكوط، إقامتها ضمن الجيش. وفي محاولة لوضع حد لصراع الأجهزة هذا، تمت بلورة وثيقة، في 9 يونيو/حزيران الماضي، تحدد مهام كل طرف، بحسب دراسة نشرها أخيراً مركز أبحاث الأمن القومي، وصاغها ثلاثة من الباحثين، وهم شموئيل إيفن، ودافيد سيمان طوف، وغابي سيبوني.
ورأت لجنة الخارجية والأمن أنه لا مجال لتحويل سلطة السايبر إلى وكالة جديدة لجمع المعلومات، وأن عليها أن تعتمد على ما تجمعه أذرع الاستخبارات المختلفة من معلومات، وكذلك على المعلومات المكشوفة والمعلنة. واعتبرت في توصياتها أن قانون السايبر الذي تجري بلورة نصوصه ومواده حالياً، يجب أن يسن بتنسيق وتعاون مع كافة الجهات ذات الصلة في الجهازين الأمني والمدني، وأن يكفل كما في قانون الشاباك، حقوق الفرد. ورصدت اللجنة في تقريرها ضعف جهاز الشرطة الإسرائيلية في مجال السايبر. كما دعت إلى أهمية نقل المسؤولية العامة، في حالات الحرب والطوارئ، من إدارة حرب السايبر إلى الطرف الذي يقود المعركة، ألا وهو الجيش، وذلك طبقاً لشدة ودرجات المواجهة، مع إتاحة المجال أمام "منظومة السايبر" للتأثير بشكل مباشر ومن خلال ممثليها على مجمل النشاطات الحربية التي يقودها الجيش.
ولفت التقدير المذكور في مركز أبحاث الأمن القومي إلى مدى اتساع المجال، الذي يمكن أن يطلق عليه "حرب السايبر"، مع توضيح المصطلحات الأساسية بدءاً بـ"أمن السايبر" و"حماية السايبر" باعتبار أن الفضاء الإلكتروني يضم اليوم في طياته مجمل النشاط والإنتاج الناجم عن المنظومات المحوسبة، وشبكات الحواسيب والاتصالات. وبالتالي فإن شركات "السايبر" التي يمكن أن تكون مستهدفة هي كل شركات الهواتف، والحاسوب، وشركات خدمات الإنترنت، والأقمار الصناعية للاتصالات وأيضاً الشركات الفاعلة في حماية وتأمين السايبر. وبالتالي فإن أمن الفضاء الإلكتروني يختص بضمان استقرار وانتظام عمل "فضاء السايبر القومي"، مثل مدى تعلق واعتماد إسرائيل على أقمار الاتصالات. أما مجال حماية الفضاء الإلكتروني المخول لهيئة السايبر القومية، فهو جزء من مجمل الأمن بهذا الصدد، ولا يشمل حماية الجهات الأمنية التي تخضع مباشرة للجهات المسؤولة عن أمن الدولة (مجلس الأمن القومي)، وجهات أخرى تم إخراجها من مجال صلاحيات سلطة السايبر.
ورأى واضعو الدراسة أن هذا يدل على عدم وجود رؤيا واضحة في إسرائيل، مما يعني حاجتها إلى استراتيجية سايبر قومية شاملة لكافة الأبعاد والجوانب، بهدف تحسين أمن السايبر ككل، وتحديد نطاق وصلاحيات مجال "حماية السايبر". وهذا يعني أن بلورة استراتيجية خاصة بالفضاء الإلكتروني، واستراتيجية لأمنه، تحت مسؤولية هيئة السايبر القومية، يجب أن تحظى بمصادقة من "الكابينيت" والحكومة في إسرائيل، ونشر مبادئها الأساسية علناً.
واقترحت الدراسة النقدية، على ضوء تشكيل هيئة السايبر، أن تركز الهيئة، في هذه الحالة جل نشاطها، تدريجياً، على المواضيع المتعلقة بمجال الفضاء الإلكتروني القومي عموماً (تطوير صناعات السايبر، تشجيع الأبحاث، وبناء الطاقات البشرية)، مع التركيز على نحو خاص على المواضيع المتعلقة بأمن السايبر القومي، مثل بقائه قيد الاستخدام وحمايته من أي تعطيل في ساعات الطوارئ كما في الحالات العادية. ودعت الدراسة إلى نقل سلطة السايبر لاحقاً، من مكتب رئيس الحكومة إلى وزارة أخرى. في هذا السياق، أشارت الدراسة إلى ضرورة إدخال تغييرات تنظيمية، داخل مجمل منظومة هيئات وسلطات السايبر في إسرائيل، مع تحديد وتعريف مهام ومسؤوليات كل منها بشكل واضح وتوزيعها بين سلطة السايبر وبين الجيش وأجهزة الاستخبارات.
وإذا كان المشهد الإسرائيلي يشير إلى تعدد الجهات، التي تمت إقامتها لإدارة مجال السايبر، فإن القرار الذي اتخذه رئيس أركان الجيش، بتشكيل ذراع سايبر مستقلة في الجيش، من شأنه أن يضاعف من الحاجة لتكريس عملية تقاسم مسؤوليات وصلاحيات، بين مختلف الأذرع العاملة في حرب السايبر، والآلية للربط والتنسيق بين الجيش وذراع السايبر التابعة له وبين باقي الأذرع "المدنية". وفي هذا السياق، رأى الباحثون الثلاثة أن توصية لجنة الخارجية والأمن بتفويض الجيش بقيادة معركة السايبر لا تتناسب مع الواقع القائم، لا سيما أن الجيش الذي لا ينشط بشكل عميق ودائم في مجال السايبر الدولي في الأيام الروتينية، لا يمكنه أن يتحمل مسؤولية فعلية لمهام حرب السايبر في حالات الطوارئ.
وخلصت الدراسة إلى القول إن كثرة وتعدد "المنظمات" والجهات العاملة والمخصصة لحروب السايبر، لا تدل بالضرورة، مهما كان تشكيلها التنظيمي شائكاً، على قدرة عالية أو نجاعة في الدفاع ومواجهة تهديدات السايبر، بل يتعين تحديد مقاييس واختبارات عملية لتحديد قدرة الصمود والمواجهة بشكل يمكّن من تقييم حالة الوضع القائم حالياً وما يمكن تحسينه مستقبلاً.