بسبب جِدّة التغريبة السوريّة، فإنَّ تقنيات وأساليب تعامل السوريين مع المؤسسات الثقافيّة الغربيّة (في أوروبا عموماً، وفي ألمانيا خصوصاً) ليست احترافية أو ناضجة. بل إن معرفتها، واكتشاف عمق أجنداتها، وخلفيّاتها السياسية، ما زالت غائبة فعلياً عنهم.
ألمانيا، حيث تتواجد الكتلة السوريّة الأكبر في أوروبا، وبسبب تاريخ النازيّة، والضمير الاعتذاري، لها علاقة خاصّة مع "إسرائيل". وبالتالي، ثمّة وجود إسرائيلي ثقافي فيها -خفيّ وعلني- مهجوسٌ بشيء واحد فقط؛ غسل الاحتلال، وتلميع صورته، والتركيز على مفاهيم فضفاضة ومائعة عن "الحب والسلام والعيش المشترك".
يتمّ ذلك بإحياء مشاريع مشتركة مع العرب، وجرّ مثقفيهم وفنانيهم إلى ميدان منزوع من السياسة تحت راية "النقاء الفني" و"الفن لأجل الفن".
وهذا الجرّ موقفٌ سياسي واعٍ. من يقومون به، يعرفون جيّداً ما يفعلون. هل يقوم موسيقي ألماني مُعادٍ للنازيَّة بإحياء حفلة موسيقيَّة مع موسيقى ألماني نازي؟
فلماذا يقع بعض الفنانين والمثقفين السوريين، وهم قلّة قليلة فعلاً، بإحياء فعاليات ثقافيّة مع فنانين إسرائيليين وصهاينة؟
المسألة، باعتقادي، بحاجة إلى نقاش جدّي، خصوصاً وأننا نعلم أنّ هذه المؤسسات تسعى إلى الهيمنة على الفضاء العام، لتصبح فرص الترقي الفنّي تمرّ عن طريقها فقط، لكن لا يجب أن تمرّ الأمور بدون مقاومة وتدقيق.