02 يونيو 2024
نظرة في المساعدات الدولية للفلسطينيين
مع تصاعد حدة تهديد الإدارة الأميركية بقطع مساعدات الولايات المتحدة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وفي ظل الإعلانين، الدنماركي والنرويجي، أخيرا، عن إجراءات تقييدية واشتراطية جديدة بخصوص منحها المالية، صار لزاماً على ساسة السلطة وصنّاع قرارها اتخاذ الإجراءات اللازمة لدفن نموذج معونة أوسلو، وإطارها لتقديم المساعدات الدولية المسيّسة المشروطة. فلا نموذج هذه المعونة، ولا المليارات التي قدّمت في إطاره، جعلا الفلسطينيين أقرب إلى حريتهم أو تقرير مصيرهم، أو دولتهم، أو حتى تنميتهم المستدامة، بل على العكس. أدى استمرار تدفق المساعدات الدولية إلى تجذّر حالة الاعتمادية، وعزّز التشوهات والاختلالات البنيوية في الاقتصاد الفلسطيني، وسلبه من مقوماته الأساسية لدعم صمود الفلسطينيين، ومقاومتهم سياسات الاستعمار والفصل العنصري والاضطهاد.
وعلى الرغم من إقرار فاعلين وصناع للقرار كثيرين بفشل منظومة المساعدات الدولية للفلسطينيين، لم يجرؤ أحد بعد على خلخلة بنى هذه المنظومة، ولم يستطع أحد أن يغير في قاعدتها الرئيسية؛ إذ ما زالت الولايات المتحدة تقرّر، والبنك الدولي يقود، والاتحاد الأوروبي يدفع، والأمم المتحدة تُطعِم، وإسرائيل تدمر. ويتطلب دفن نموذج معونة أوسلو أيضاً دفن هذه المعادلة، والإتيان بقاعدةٍ جديدةٍ، يكون فيها الفلسطينيون في دفّة القيادة، وتكون ديناميات المحاسبة والمساءلة والفعالية في صُلبها، وإلا ستستمر المليارات المتدفقة في إحداث الضرر، وإدامة الوضع القائم المثبط للحقوق الفلسطينية ولحقوق الإنسان.
وعليه، وبعد مرور ربع قرن من الاعتمادية المفرطة على المساعدات المالية، لا ضير في
جردة حساب، لتسليط الضوء على بعض الإحصاءات المتعلقة بهذه المساعدات، لتبيان حجمها وتوزيعها واتجاهاتها العامة، والتي قلّما تتوفر للاطلاع العام.
وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية، صرف أكثر من 35 مليار دولار في الضفة الغربية وقطاع غزة بين العامين 1993 و2016، منها حوالي 24 مليار دولار (حوالي 70% من إجمالي المساعدات) قدمت بين 2006 و2016، بمعدل سنوي يقدر بحوالي 2.2 مليار دولار، وبمعدل 560 دولار للشخص سنويا. وتضع هذه الأرقام الفلسطينيين في مقدمة المتلقين للمساعدات الدولية غير العسكرية على مستوى العالم.
ووفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أيضاً، قدّم أكبر 12 مانحا لفلسطين، في السنوات الخمس الماضية، حوالي 89% من مجموع المساعدات، وأكبر ستة مانحين، هم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والنرويج وألمانيا وبريطانيا، حوالي 70% من مجموع المساعدات. ووفقا لوزارة المالية الفلسطينية، تلقت السلطة الفلسطينية بين 2012 و2016 ما يقارب 4.481 مليارات دولار من المساعدات، حوالي 40% منها من مانحين عرب و60% من مانحين أجانب. والمانحون الأربعة الأوائل وفق بيانات الوزارة هم الاتحاد الأوروبي (981 مليون دولار)، السعودية (908 ملايين دولار)، الأموال المقدمة من خلال البنك الدولي (872 مليون دولار)، والولايات المتحدة (477 مليون دولار).
كذلك فقد وصلت المساعدات الأوروبية، باستثناء المساعدات الثنائية التي تتعهد بها الدول الأعضاء، إلى 5.964 مليارات يورو من العام 2000 إلى 2015، وقد تم توفير 43% من المساعدات المقدّمة من الاتحاد الأوروبي دعما مباشرا لميزانية السلطة الفلسطينية، و31% لصالح "أونروا" و10% معونات إنسانية. وفقاً للاتحاد الأوروبي، أكبر الدول الأوروبية المانحة للسلطة الفلسطينية والفلسطينيين هم ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والسويد والنرويج والدنمارك.
وبالرجوع إلى الدول الثلاث (الولايات المتحدة، الدنمارك، والنرويج)، والتي تهدد بورقة المساعدات الدولية، فإن مساعدات النرويج السنوية للأراضي الفلسطينية المحتلة وصلت إلى حوالي 77 مليون دولار سنوياً في المتوسط بين 2011 و2016، توزع منها على الأقل حوالي 50% دعما للميزانية العامة للسلطة الفلسطينية، وحوالي 21% على "الحكم الرشيد"، وقد تمت إدارة حوالي 63% من هذه المساعدات من خلال منظمات متعدّدة الأطراف (البنك الدولي بشكل رئيسي)، و22% منها من منظمات نرويجية غير حكومية. أما
الدنمارك، فمعدل مساعداتها السنوية للأراضي الفلسطينية المحتلة يبلغ حوالي 25 مليون دولار ما بين 2012 و2017، والمبلغ الإجمالي في انحدار متواصل منذ العام 2013. ويحظى البنك الدولي ومفوضية الاتحاد الأوروبي، وأخيرا، شركات استشارية عالمية بالحصة الأكبر من الدعم الدنماركي، لتطبيق المشاريع في الأراضي الفلسطينية. أما الولايات المتحدة، فدعمها إشكالي بكل المقاييس، ووكالتها "للتنمية الدولية" ذراع مكمل لسياسات الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر وغير مباشر. وكما حاجج نقّاد، فإن الدعم الأميركي "للفلسطينيين" هو، في نهاية المطاف، دعم أميركي لإسرائيل وأمنها. وبالاستناد إلى قاعدة البيانات "المساعدات الخارجية" الأميركية، يتضح أن حجم المساعدات المالية الأميركية للفلسطينيين ما بين 2012 و2017 بلغ حوالي 1.8 مليار دولار (وإن كان حجم التعهد قد بلغ 2.3 مليار دولار)، بمعدل صرفٍ يقارب 300 مليون دولار سنويا (معدل التعهد 385 مليون دولار سنويا).
وبغض النظر عن "لغة الأرقام"، فإن الحقيقة الواضحة تفيد بأن منظومة المساعدات الدولية، في مجملها، أفلست، وحان موعد البدء بإجراءات دفنها، وإطاريها السياسي والاقتصادي. فربع قرن كفيل وكاف لتعلم دروس عديدة، ربما أهمها أن المساعدات الدولية، مهما كبر حجمها، لن تجدي نفعا إن استمرت في التدفق في إطار وأنموذج معونة أوسلو المهترئ المثقوب، فقد حان الوقت لتغيير نموذج التنمية حالًا، من نموذجٍ يعتبر التنمية نهجًا تكنوقراطيًا غير سياسي و"محايدا" إلى نموذجٍ يعترف بهياكل (وديناميات) القوة والعلاقات القائمة على الهيمنة الاستعمارية، ويعيد صياغة عمليات التنمية في سياق النضال من أجل الحقوق والمقاومة والتحرّر.
وعلى الرغم من إقرار فاعلين وصناع للقرار كثيرين بفشل منظومة المساعدات الدولية للفلسطينيين، لم يجرؤ أحد بعد على خلخلة بنى هذه المنظومة، ولم يستطع أحد أن يغير في قاعدتها الرئيسية؛ إذ ما زالت الولايات المتحدة تقرّر، والبنك الدولي يقود، والاتحاد الأوروبي يدفع، والأمم المتحدة تُطعِم، وإسرائيل تدمر. ويتطلب دفن نموذج معونة أوسلو أيضاً دفن هذه المعادلة، والإتيان بقاعدةٍ جديدةٍ، يكون فيها الفلسطينيون في دفّة القيادة، وتكون ديناميات المحاسبة والمساءلة والفعالية في صُلبها، وإلا ستستمر المليارات المتدفقة في إحداث الضرر، وإدامة الوضع القائم المثبط للحقوق الفلسطينية ولحقوق الإنسان.
وعليه، وبعد مرور ربع قرن من الاعتمادية المفرطة على المساعدات المالية، لا ضير في
وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية، صرف أكثر من 35 مليار دولار في الضفة الغربية وقطاع غزة بين العامين 1993 و2016، منها حوالي 24 مليار دولار (حوالي 70% من إجمالي المساعدات) قدمت بين 2006 و2016، بمعدل سنوي يقدر بحوالي 2.2 مليار دولار، وبمعدل 560 دولار للشخص سنويا. وتضع هذه الأرقام الفلسطينيين في مقدمة المتلقين للمساعدات الدولية غير العسكرية على مستوى العالم.
ووفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أيضاً، قدّم أكبر 12 مانحا لفلسطين، في السنوات الخمس الماضية، حوالي 89% من مجموع المساعدات، وأكبر ستة مانحين، هم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والنرويج وألمانيا وبريطانيا، حوالي 70% من مجموع المساعدات. ووفقا لوزارة المالية الفلسطينية، تلقت السلطة الفلسطينية بين 2012 و2016 ما يقارب 4.481 مليارات دولار من المساعدات، حوالي 40% منها من مانحين عرب و60% من مانحين أجانب. والمانحون الأربعة الأوائل وفق بيانات الوزارة هم الاتحاد الأوروبي (981 مليون دولار)، السعودية (908 ملايين دولار)، الأموال المقدمة من خلال البنك الدولي (872 مليون دولار)، والولايات المتحدة (477 مليون دولار).
كذلك فقد وصلت المساعدات الأوروبية، باستثناء المساعدات الثنائية التي تتعهد بها الدول الأعضاء، إلى 5.964 مليارات يورو من العام 2000 إلى 2015، وقد تم توفير 43% من المساعدات المقدّمة من الاتحاد الأوروبي دعما مباشرا لميزانية السلطة الفلسطينية، و31% لصالح "أونروا" و10% معونات إنسانية. وفقاً للاتحاد الأوروبي، أكبر الدول الأوروبية المانحة للسلطة الفلسطينية والفلسطينيين هم ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والسويد والنرويج والدنمارك.
وبالرجوع إلى الدول الثلاث (الولايات المتحدة، الدنمارك، والنرويج)، والتي تهدد بورقة المساعدات الدولية، فإن مساعدات النرويج السنوية للأراضي الفلسطينية المحتلة وصلت إلى حوالي 77 مليون دولار سنوياً في المتوسط بين 2011 و2016، توزع منها على الأقل حوالي 50% دعما للميزانية العامة للسلطة الفلسطينية، وحوالي 21% على "الحكم الرشيد"، وقد تمت إدارة حوالي 63% من هذه المساعدات من خلال منظمات متعدّدة الأطراف (البنك الدولي بشكل رئيسي)، و22% منها من منظمات نرويجية غير حكومية. أما
وبغض النظر عن "لغة الأرقام"، فإن الحقيقة الواضحة تفيد بأن منظومة المساعدات الدولية، في مجملها، أفلست، وحان موعد البدء بإجراءات دفنها، وإطاريها السياسي والاقتصادي. فربع قرن كفيل وكاف لتعلم دروس عديدة، ربما أهمها أن المساعدات الدولية، مهما كبر حجمها، لن تجدي نفعا إن استمرت في التدفق في إطار وأنموذج معونة أوسلو المهترئ المثقوب، فقد حان الوقت لتغيير نموذج التنمية حالًا، من نموذجٍ يعتبر التنمية نهجًا تكنوقراطيًا غير سياسي و"محايدا" إلى نموذجٍ يعترف بهياكل (وديناميات) القوة والعلاقات القائمة على الهيمنة الاستعمارية، ويعيد صياغة عمليات التنمية في سياق النضال من أجل الحقوق والمقاومة والتحرّر.