أن تكتظ شوارع سورية بالألبسة المستعملة "البالة" على الرغم من منع استيرادها حتى الآن، مسألة فيها نظر، بل أن يتم بيع وتأجير ثروات سورية الباطنية لروسيا وإيران، وتلزيمهما مشاريع إعادة الإعمار، فهذا يمكن تصنيفه ضمن "الاقتصاد السياسي" الذي يصعب على أمثالي فهمه ومعرفة أبعاده.
أما أن يُدخل مواطن سوري من لبنان 10 دجاجات وهو عائد إلى بلده، فهذه جريمة لا تغتفر، ولا بد من ملاحقة أطراف الجريمة، منذ كانت الدجاجات بيضاً.
المثال ليس تهكماً ولا تجنّياً على نظام دمشق الممانع، بل حقيقة تناقلتها وسائل الأسد الإعلامية، أمس الإثنين، بكل فخر واعتزاز، ليعرف القاصي والداني صرامة الرقابة على الحدود.
ويقول الخبر حرفياً: "كشف مصدر مسؤول في مديرية الجمارك العامة ضبط تهريب 10 دجاجات قادمة عن طريق لبنان، حيث تم ضبط الدجاجات في تاكسي عمومي لنقل الركاب قادمة من بيروت".
ويضيف الخبر: "بيّن المسؤول، أنه تمت المصالحة على واقعة التهريب، إذ كانت التقديرات الأولية لقيمة المصالحة تقترب من مليوني ليرة، ثم تم تخفيض القيمة إلى نحو مليون ليرة".
ولتكتمل مسرحية الدجاج اللبناني، ومن منطلق أن نظام الأسد لا يفتقر إلى الحكمة والحنكة والتبرير، تابع المسؤول الأسدي أن "الدجاجات أوروبيات، وحاول المهرب إدخالها إلى سورية ليستفيد من عملية التفقيس وزيادة عددها، وهي دجاجات غالية الثمن".
قصارى القول: على ذكر الدجاج ولمن لا يعلم، تُدخل دمشق كل أنواعه المجمدة المجهولة المصدر ومنها الفاسد المائل لونه إلى الزرقة، بل وبعضه دون أطراف، وكأن عملية استئصال أعضاء خضع لها على الحدود.
أما غير الدجاج، فحدّث ولا حرج، فكميات المخدرات التي تدخل سورية، وباعتراف السلطات الأسدية طبعاً، تنافس ما يهربه الحليف الإيراني إلى مجاهديه وأنصاره، أو الذي تم ضبطه للحليف الروسي في سفارة بوينس آيرس قبل أيام.
بل وللتهريب في سورية الأسد مستويات وطرائق تقف مافيات إيطاليا إزاءها حائرة.
فمن تهريب المحاصيل والنفط من "داعش" إلى النظام، إلى تهريب الخبز من دمشق العاصمة إلى غوطة دمشق المحاصرة منذ 5 سنوات، مشوار ووجهات تحقق لآل الأسد عائدات وأرباحا تزيد، ربما، عمّا يجنيه المكسيكيون من التهريب إلى الولايات المتحدة.
نهاية القول إنه لو فكرنا بهذه الجريمة الكبرى، "تهريب الدجاج" من لبنان إلى سورية، بشيء من المنطق وبعيداً من التهكم وسألنا أولاً: لو توفر الدجاج بعرض كاف وسعر مناسب، أو لو أن النظام الذي يستورد أسلحة بمليارات الدولارات ليقتل بها شعبه، استورد له الدجاج، فهل كان سوري قادم من لبنان مضطراً إلى جلبه من هناك؟
وأيضاً، ما هو الضرر الذي ستشكله 10 دجاجات أوروبيات على الاقتصاد السوري، ما دام ضابط الجمارك أقر بأن هذا الصنف غير متوافر وغرض "المهرب" التفقيس وزيادة العدد ونشر هذه السلالة الأوروبية المحسّنة؟
من العبثية والجنون ربما، مناقشة أي أمر بالمنطق في دولة الأسد، وإلا لكان من المنطق أن يذهب الوريث بشار إلى درعا في فبراير/ شباط 2011 ويبلسم جراح أهليها الذين أساء إليهم ابن خالته، فكان ربما جنّب سورية خسائر فاقت مليون قتيل ومعوّق و13 مليوناً بين نازح ومهاجر و300 مليار دولار خسائر.. بل وجنّبها أيضاً جرائم تهريب الدجاج من لبنان!