نظام الأسد يبدأ بالردّ على الهجوم الإيراني بذراع إعلامية

16 يوليو 2018
ردت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام على كلام ولايتي(Getty)
+ الخط -
خرج النزاع بين الحليفين؛ إيران ونظام بشار الأسد، من الغمز واللمز إلى التراشق العلني. إذ بعد الانتقاد الإيراني، سواء على المستوى السياسي أو الإعلامي، بدأت أذرع النظام السوري بالردّ على "الحليف، بحيث انتقدت صحيفة موالية للنظام السوري، بشكل واضح، مسؤولاً إيرانياً بارزاً تحدث عن دور بلاده في منع سقوط نظام بشار الأسد، وهو ما يعد تحولاً كبيراً في علاقة هذا النظام مع الجانب الإيراني، الذي تؤكد الوقائع أنه كان سبباً رئيسياً في صمود النظام أمام الضربات المتلاحقة للمعارضة السورية من عام 2011، وحتى سبتمبر/أيلول من عام 2015، تاريخ بدء التدخل العسكري الروسي المباشر.

وفي ردّ غير مسبوق، شنّت صحيفة "الوطن" المملوكة لرامي مخلوف، وهو ابن خال بشار الأسد، هجوماً على المسؤولين الإيرانيين الذين دأبوا في الآونة الأخيرة على تذكير بشار الأسد بأنه كان على وشك السقوط المدوي، لولا التدخل الإيراني.

واعتبرت الصحيفة، في مقال نُشر أمس الأحد، تصريحات علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الدولية لـ"الولي الفقيه" في إيران علي الخامنئي في موسكو، والتي قال فيها إن "حكومة بشار الأسد كانت ستسقُط خلالَ أسابيع لولا مساعدة إيران"، بأنها "تحمل الكثير من التناقضات والمبالغات". وقالت إن نظام الأسد ظل يواجه ما سمّته بـ"الإرهاب" عامين "إلى أن جاء تدخل حزب الله إلى جانب الجيش العربي السوري لحسمِ معركةِ القصير 2013"، وفق تعبير الصحيفة التي لم يكن يجرؤ رئيس تحريرها على نشر الرد على تصريحات المسؤول الإيراني، من دون أوامر مباشرة من "القصر".

واعترض كاتب المقال على توصيف ولايتي النظام في سورية بـ"حكومة الأسد"، مضيفاً أن "هذا المصطلح ليس موجوداً في العرف الدبلوماسي بين الحلفاء"، ومستهزئاً في الوقت ذاته بقول ولايتي إن وجود المستشارين العسكريين في سورية منع سقوط النظام، حيث أشار الى أنه "من الغريب أن نتحدث عن قيام مستشارين عسكريين بمنع سقوط دولتين (سورية والعراق)، فالمستشار العسكري يملك أدواراً نظرية عن المعلومات، والخطط والخياراتِ المتاحة لا أكثر".

واستبد الحماس بالكاتب في سياق دفاعه عن نظام الأسد، حتى وصل الى حدّ القول: "عذراً علي أكبر ولايتي، سورية آخرَ معاقِل الحق، ما كانت لتسقُط حتى يرثَ الله الأرض ومن عليها".

ودأب المسؤولون الإيرانيون في الآونة الأخيرة على الادلاء بتصريحات يعتبرها موالون "مهينة" لبشار الأسد، خصوصًا لجهة تحويله الى مجرد دمية بيد طهران، وواجهة ليس أكثر لنفوذهم في سورية. وربما يأتي الرد على تصريحات ولايتي بمثابة تنبيه واضح لطهران للكف عن "المنّ" عبر وسائل الإعلام. كما يُعدّ هذا "الردّ" بمثابة "تكويعة" من قبل النظام عن إيران، التي تحولت منذ عام 1979 تاريخ استيلاء الخميني على السلطة في إيران، الى أبرز حليف لنظام الأسدين لأسباب طائفية بحتة، خاصةً أن الأسد فتح أبواب سورية للإيرانيين، إلى أن باتت سورية مجرد "محافظة" إيرانية في عهد الأسد الابن، كما صرّح ذات يوم مسؤول إيراني.

ولم يرد الأسد طيلة سنوات على سيل من التصريحات الإيرانية التي تؤكد أنه لولا الدعم الإيراني لما استمر في السلطة، ولكن من الواضح أن نظام بشار الأسد قرأ التحول الكبير في الاستراتيجية الأميركية حيال إيران، حيث تبدو إدارة دونالد ترامب جادة في "تقليم" الأظافر الإيرانية في الشرق الأوسط، وتنسج خيوط تفاهم مع الجانب الروسي حيال هذا الأمر في سورية.

ويبدو أن اتساع نطاق الانتفاضة في الجنوب العراقي تدخل في سياق المحاولات الأميركية. ويدخل الهجوم على إيران في هذا التوقيت من قبل نظام الأسد ضمن سياق "الغزل" مع الجانب الأميركي الذي أعلن أنه ليس في وارد إسقاط بشار الأسد في الوقت الراهن، حيث تسعى واشنطن الى كسب رضى موسكو حول ما يُسمّى بـ"صفقة القرن" الخاصة بالقضية الفلسطينية.

ويبدو أن بشار الأسد يشعر أنه لم يعد بحاجة كبرى للإيرانيين، بعدما فرضت قواته سيطرتها على القسم الأكبر من الجغرافيا السورية، بمساعدة الطيران الروسي، وبعدما بات من غير المسموح للمعارضة السورية مهاجمة قوات النظام على الإطلاق، ومن ثم أطمأن الأسد بعد سنوات خوف، و"عدم يقين"، بعدما وضع بيضه كله في السلّة الروسية.

يدرك الأسد ان إيران باتت عبئاً ثقيلاً عليه، وعلى نظامه، خاصة أن تل أبيب كانت واضحة بالقول إنه لا مشكلة لها معه، طالما لا توجد مليشيات إيرانية على حدودها الشمالية. ويبدو أن الأسد تلقى الرسالة الإسرائيلية، ودخل طور التخلص من "الهمّ" الإيراني الذي ربما يفتح له أبواب محور: الرياض، أبو ظبي، القاهرة القادر على إعادة تعويمه عربيا على الأقل في الوقت الراهن.

ومن السابق لأوانه الحديث عن ردّ فعل إيراني على "نكران الجميل" من قبل بشار الأسد، ولكن طهران تناور سياسياً للحصول ولو على فتات "الكعكة السورية" بعدما أدركت أن الروس يفضلون علاقة مميزة مع الغرب على حلف مع إيران، المثقلة بالمشاكل الداخلية والاقتصادية، فضلاً عن علاقات متوترة مع الجوار العربي، الذي ضاق ذرعاً بمحاولات نظام "الولي الفقيه" الهيمنة بالمطلق على المشرق العربي برمته.

وكان القائد في "الحرس الثوري الإيراني" حسين همداني، الذي قتل في سورية أواخر عام 2015، أكد في مذكرات نشرت عقب مقتله، أنه اتصل ببشار الأسد في عام 2013، وقال له "بما أن كل شيء انتهى والقصر الجمهوري على وشك السقوط"، مشيراً الى أن بشار الأسد وافق بعدها على مقترحات إيرانية منعت سقوطه.

وكشفت مذكرات همداني أن الأسد بدأ بالبحث عن بلد ليلجأ إليه، قبل أن يصدر المرشد الإيراني علي خامنئي أمراً لــ"الحرس الثوري" بالبقاء في سورية وعدم العودة منها، ثم أخبر همداني بأن سورية "مريضة، وهي لا تعرف أنها مريضة ويجب أن نرغمها على تناول الدواء".

كما كشفت المذكرات الكثير من جوانب الاستراتيجية التي اتبعتها إيران في سورية للحفاظ على الأسد، أبرزها تشكيل مليشيات طائفية محلية، وأخرى من شيعة العراق ولبنان وإيران وأفغانستان، والتي لعبت دوراً في الحيلولة دون سقوط النظام.

وقتل العشرات من أبرز قادة "الحرس الثوري الإيراني"، في سورية على مدى سنوات. كما استنزف الاقتصاد الإيراني جراء مساعدات تدفقت لإنقاذ النظام، وهو ما يجعل خيبة الأمل الإيرانية من تبدل موقف نظام الأسد تجاه الحلف مع طهران، بحجم تلك المساعدات، وربما أكبر.

المساهمون