عام 2015، أطلقت الحكومة الجزائرية مشروع استغلال الغاز الصخري في منطقة الجنوب، لكنها تفاجأت بمقاومة شعبية وسلمية ضد المشروع، بلغ مستوى تنظيمها وتأطيرها من قبل مجموعة من الناشطين في منطقتي عين صالح وورقلة جنوب البلاد مستوى مفاجئاً. وللمرة الأولى اكتشف الجزائريون حالة متميزة من النضال والمقاومة السلمية لدى شباب الجنوب والناشطين الذين أنجزوا أكبر وأهم اعتصام شعبي في وسط مدينة عين صالح جنوب البلاد دام أسابيع، وتحوّلت ساحتها إلى ما يشبه ميدان التحرير، وكان إيذاناً بولادة جيل جديد من الناشطين.
وكان أبرز اكتشاف للحكومة حينها أن عهد سلطة الأعيان وسلطة مؤسسة المشايخ وعقلاء الأعراش (القبائل) قد انتهى في منطقة الجنوب ومدن الصحراء، إذ أخفقت محاولاتها في الاستعانة بما يُعرف بأعيان المنطقة لإنهاء الحراك الشبابي ضد الغاز الصخري عام 2015. كما أخفقت محاولات السلطات لتشويه صورة الناشطين واتهماهم بالعمالة الأجنبية بهدف تفكيك حراكهم، لكنها اكتشفت أيضاً وجود حراك شبابي ومدني لافت، وتنامٍ كبير في مستوى الوعي السياسي لشباب المنطقة، مع بروز كوادر شبابية وقيادية منظمة ومؤثرة في المجتمع المحلي.
لم يدرس محاد قاسمي في الجامعة، لكن نشاطه المدني ومشاركته في عدة أنشطة دولية تهتم بالبيئة، وضعاه في الصف الأول لإحباط مشروع استغلال الغاز الصخري، الذي اضطرت الحكومة إلى تأجيله على الأقل، بتدخّل من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لتفادي الصدام مع سكان المنطقة. يقول قاسمي لـ"العربي الجديد": "لم أدخل الجامعة ولم أنخرط في حزب سياسي ولم يكن لدي نشاط في إطار جمعية في الأساس، لكن مع النشاط المكثف والموزع للشركات البترولية أصبحت كل مضخة أو موقع بترولي مدرسة نضال بحد ذاتها، وأنا كناشط أعتمد على محيطي وعلى وعي الشباب الذين اتفق معهم في قضايا المنطقة"، مضيفاً: "بحكم عملي الخاص وتواصلي بشكل جيد مع الناس والشباب صُنع الفارق، لذلك أخذت دور ناقل المطالب والمعبّر عن مجتمعي، وكذلك ناقل الأفكار إلى الشباب المحلي بحكم وجودي بينهم، وعالمياً في فرنسا والمغرب في منتديات وقمتي مناخ في فرنسا".
يعتقد قاسمي أن الحراك الشبابي وبروز الناشطين "سببهما الفراغ الذي تركه الممثلون التقليديون للمنطقة، واستخدامهم بشكل فظيع من قِبل السلطة، مما جعلهم يفقدون مصداقيتهم وسلطتهم المعنوية لدى سكان الجنوب، خصوصاً بسبب استفادتهم من مزايا السلطة من دون أن يكون لهم أي تأثير واضح لمصلحة التنمية محلياً"، مضيفاً أن "هناك شعوراً لدى عامة الشباب في منطقة الجنوب بأنهم خُدعوا من قِبل النظام بسبب الشعارات التي استخدمتها السلطة، والصورة النمطية التي تتعاطى بها مع منطقة الصحراء، من أنهم سكان صبورين وليست لهم القدرة على المطالبة، بينما كان كل هدفها إسكاتهم، على الرغم من الثروات النفطية التي تزخر بها منطقة الجنوب والتي لا تعود عليها بأي تنمية".
لا يمثّل محاد قاسمي حالة منفردة في صف من القيادات الشبابية في منطقة الجنوب. ايباك عبد المالك، واحد من الناشطين الذين برزوا في مجال الدفاع عن حق العمل لشباب منطقة الجنوب في الشركات النفطية التي تعمل في الصحراء. يقول عبد المالك لـ"العربي الجديد" إن "البداية كانت من مكاتب التشغيل حيث كنا نلتقي كشباب عاطلين عن العمل، وأكثر ما كان يؤلمنا هو محاكمة العاطلين عن العمل الذين يحتجون أو يعتصمون أمام مقرات الشركات، وكنا نبحث عن طريقة لمساندتهم ووجدنا أن الوقوف أمام المحكمة ومساندتهم بالشعارات كانا أحسن طريقة، إضافة إلى اقتناعنا من أحداث 2004 التي شهدتها منطقة ورقلة بأن العنف ليس بحل، إذ خلّفت العشرات من المعتقلين، وهناك من تطرف في فكره، إضافة إلى انتحار العديد من رفاقنا بسبب اليأس". ويضيف: "شيئاً فشيئاً بدأت مجموعات التضامن أمام المحكمة تكبر، ومعها كبرت آمال العاطلين عن العمل فينا كمجموعة، أما أكبر حافز كان يدفعني إلى مواصلة النضال فهو الخوف من المجهول وعدم وجود شيء لأخسره".
لا يعترف عبد المالك مثل الكثير من الناشطين، لمجالس الأعيان (هيئات اجتماعية) بأية مصداقية أو سلطة اجتماعية إلا القليل منهم، فهم بالنسبة إليه جزء من المشكلة. ويقول: "أنا كشاب أعتبر نفسي متمرداً على الأعيان وهنا أقصد الأعيان المعينين من قِبل السلطة، وهمهم الوحيد هو استغلال معاناة الشباب والمجتمع من أجل الظهور والجلوس مع المسؤولين وأخذ الأولوية في المشاريع الممنوحة من السلطة، ونعتبرهم جزءاً من المعضلة، في حين هناك أعيان يستحقون الاحترام بل ونقصدهم من أجل المشورة وهم نادرون جداً".
اقــرأ أيضاً
ساهم الناشطون في منطقة الجنوب في نقل جزء من الاهتمام السياسي والإعلامي في الجزائر إلى منطقة الجنوب ومشاكلها المعقدة، وإذا كانت ملفات العدالة والسكن والزراعة والطاقة مشاكل رئيسية في الجنوب، فإن ملف الشغل وتوظيف الشباب ظل أبرز الملفات التي حركت شباب الجنوب خلال السنوات الأخيرة في الجزائر، ودفع بجيل من الناشطين إلى صدارة الأحداث، بينهم رئيس لجنة الدفاع عن العاطلين عن العمل في منطقة ورقلة النفطية، الطاهر بلعباس، الذي لم ينج مثل كثير من الناشطين من الملاحقات القضائية، ضمن أدوات حاولت السلطات استعمالها لردع الناشطين والحد من تنامي تأثيرهم في المجتمع المحلي.
ويعتبر رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، هواري قدوران، أن "بروز الناشطين في الجنوب هو حالة إيجابية ومهمة بالنسبة إلينا كمنظمات حقوقية، تحتاج إلى كادر بشري واعٍ ومنظم لرد الحالة الحقوقية في المنطقة"، مضيفاً أنه "يتوجب على الحكومة الاستماع إليهم ومحاورتهم، ونخشى إن قامت بتهميشهم أن تستغلهم دوائر خفية تسعى جاهدة إلى زرع اليأس لدى المجتمع المدني من أجل الفوضى الخلاقة في المنطقة".
جملة من العوامل الاجتماعية والمتغيرات ساهمت في تغير الخارطة البشرية للنشاط المدني في منطقة الجنوب الجزائري، ودفعت بصف من الكوادر والقيادات الشبابية إلى الواجهة في مدن الصحراء. ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوب الجزائر، مبروك كاهي، أن ظاهرة بروز الناشطين المدنيين والحقوقيين في منطقة الجنوب، تزامنت مع بداية نهاية ما يعرف بالأعيان. والأعيان هم مجموعة ممن تصفهم السلطة بالعقلاء وكبار سكان الجنوب وقبائل التوارق، وكانوا يمثّلون السلطة الرمزية والروحية والاجتماعية في المنطقة، ومع مرور الزمن باتوا كمؤسسة اجتماعية تمتلك جانباً من رمزية تمثيل سكان المنطقة لدى السلطات المحلية والمركزية، قبل أن يتمرد على هذه السلطة الرمزية جيل جديد.
ويؤكد كاهي أن "بروز الناشطين المدنيين من الجنوب يعود بالأساس إلى ارتفاع مستويات التعليم في مناطق الجنوب، مع وصول عدد كبير من طلبة الجنوب إلى الجامعات، بعد أن كان المستوى العام لا يتعدى الخامس الابتدائي".
إضافة إلى هذا العامل، لعبت التكنولوجيا دورها البارز في ضخ شحنة نضالية لدى مجموعة من شباب الجنوب، خصوصاً مع ما يصفه كاهي بتزايد "احتكاك شباب الجنوب والطلبة والناشطين بنظرائهم من الشمال وتزايد عدد الجامعات في الجنوب وتنامي عدد وسائل الإعلام لا سيما المكتوبة منها في ظل التعددية الإعلامية، خصوصاً بعض الصحف المستقلة التي كانت تغطي مشاكل المنطقة بجرأة كتجربة صحيفتي الوطن والخبر"، فوجد الناشطون قنوات إعلامية لنقل مشاكل المنطقة، قبل أن تبرز وسائل التواصل الاجتماعي التي أكدت الوجود الفعلي لهؤلاء الناشطين وثبتت مركزهم المجتمعي.
هذه المجموعة من الشباب والناشطين في منطقة الصحراء الجزائرية، أعادت تأسيس المواقف من القضايا البيئية والسياسية، ما دفع السلطة إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه الجنوب والصحراء، لينجح الجيل الجديد من الناشطين في إجبار الحكومة على توفير مخصصات مالية لمصلحة تنمية الجنوب وتخصيص شبابه بالحصص الأوفر في العمل في الشركات النفطية وتحسين البنية التحتية في مجالات الصحة والتعليم والنقل والمياه.
اقــرأ أيضاً
وكان أبرز اكتشاف للحكومة حينها أن عهد سلطة الأعيان وسلطة مؤسسة المشايخ وعقلاء الأعراش (القبائل) قد انتهى في منطقة الجنوب ومدن الصحراء، إذ أخفقت محاولاتها في الاستعانة بما يُعرف بأعيان المنطقة لإنهاء الحراك الشبابي ضد الغاز الصخري عام 2015. كما أخفقت محاولات السلطات لتشويه صورة الناشطين واتهماهم بالعمالة الأجنبية بهدف تفكيك حراكهم، لكنها اكتشفت أيضاً وجود حراك شبابي ومدني لافت، وتنامٍ كبير في مستوى الوعي السياسي لشباب المنطقة، مع بروز كوادر شبابية وقيادية منظمة ومؤثرة في المجتمع المحلي.
يعتقد قاسمي أن الحراك الشبابي وبروز الناشطين "سببهما الفراغ الذي تركه الممثلون التقليديون للمنطقة، واستخدامهم بشكل فظيع من قِبل السلطة، مما جعلهم يفقدون مصداقيتهم وسلطتهم المعنوية لدى سكان الجنوب، خصوصاً بسبب استفادتهم من مزايا السلطة من دون أن يكون لهم أي تأثير واضح لمصلحة التنمية محلياً"، مضيفاً أن "هناك شعوراً لدى عامة الشباب في منطقة الجنوب بأنهم خُدعوا من قِبل النظام بسبب الشعارات التي استخدمتها السلطة، والصورة النمطية التي تتعاطى بها مع منطقة الصحراء، من أنهم سكان صبورين وليست لهم القدرة على المطالبة، بينما كان كل هدفها إسكاتهم، على الرغم من الثروات النفطية التي تزخر بها منطقة الجنوب والتي لا تعود عليها بأي تنمية".
لا يمثّل محاد قاسمي حالة منفردة في صف من القيادات الشبابية في منطقة الجنوب. ايباك عبد المالك، واحد من الناشطين الذين برزوا في مجال الدفاع عن حق العمل لشباب منطقة الجنوب في الشركات النفطية التي تعمل في الصحراء. يقول عبد المالك لـ"العربي الجديد" إن "البداية كانت من مكاتب التشغيل حيث كنا نلتقي كشباب عاطلين عن العمل، وأكثر ما كان يؤلمنا هو محاكمة العاطلين عن العمل الذين يحتجون أو يعتصمون أمام مقرات الشركات، وكنا نبحث عن طريقة لمساندتهم ووجدنا أن الوقوف أمام المحكمة ومساندتهم بالشعارات كانا أحسن طريقة، إضافة إلى اقتناعنا من أحداث 2004 التي شهدتها منطقة ورقلة بأن العنف ليس بحل، إذ خلّفت العشرات من المعتقلين، وهناك من تطرف في فكره، إضافة إلى انتحار العديد من رفاقنا بسبب اليأس". ويضيف: "شيئاً فشيئاً بدأت مجموعات التضامن أمام المحكمة تكبر، ومعها كبرت آمال العاطلين عن العمل فينا كمجموعة، أما أكبر حافز كان يدفعني إلى مواصلة النضال فهو الخوف من المجهول وعدم وجود شيء لأخسره".
لا يعترف عبد المالك مثل الكثير من الناشطين، لمجالس الأعيان (هيئات اجتماعية) بأية مصداقية أو سلطة اجتماعية إلا القليل منهم، فهم بالنسبة إليه جزء من المشكلة. ويقول: "أنا كشاب أعتبر نفسي متمرداً على الأعيان وهنا أقصد الأعيان المعينين من قِبل السلطة، وهمهم الوحيد هو استغلال معاناة الشباب والمجتمع من أجل الظهور والجلوس مع المسؤولين وأخذ الأولوية في المشاريع الممنوحة من السلطة، ونعتبرهم جزءاً من المعضلة، في حين هناك أعيان يستحقون الاحترام بل ونقصدهم من أجل المشورة وهم نادرون جداً".
ساهم الناشطون في منطقة الجنوب في نقل جزء من الاهتمام السياسي والإعلامي في الجزائر إلى منطقة الجنوب ومشاكلها المعقدة، وإذا كانت ملفات العدالة والسكن والزراعة والطاقة مشاكل رئيسية في الجنوب، فإن ملف الشغل وتوظيف الشباب ظل أبرز الملفات التي حركت شباب الجنوب خلال السنوات الأخيرة في الجزائر، ودفع بجيل من الناشطين إلى صدارة الأحداث، بينهم رئيس لجنة الدفاع عن العاطلين عن العمل في منطقة ورقلة النفطية، الطاهر بلعباس، الذي لم ينج مثل كثير من الناشطين من الملاحقات القضائية، ضمن أدوات حاولت السلطات استعمالها لردع الناشطين والحد من تنامي تأثيرهم في المجتمع المحلي.
ويعتبر رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، هواري قدوران، أن "بروز الناشطين في الجنوب هو حالة إيجابية ومهمة بالنسبة إلينا كمنظمات حقوقية، تحتاج إلى كادر بشري واعٍ ومنظم لرد الحالة الحقوقية في المنطقة"، مضيفاً أنه "يتوجب على الحكومة الاستماع إليهم ومحاورتهم، ونخشى إن قامت بتهميشهم أن تستغلهم دوائر خفية تسعى جاهدة إلى زرع اليأس لدى المجتمع المدني من أجل الفوضى الخلاقة في المنطقة".
جملة من العوامل الاجتماعية والمتغيرات ساهمت في تغير الخارطة البشرية للنشاط المدني في منطقة الجنوب الجزائري، ودفعت بصف من الكوادر والقيادات الشبابية إلى الواجهة في مدن الصحراء. ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوب الجزائر، مبروك كاهي، أن ظاهرة بروز الناشطين المدنيين والحقوقيين في منطقة الجنوب، تزامنت مع بداية نهاية ما يعرف بالأعيان. والأعيان هم مجموعة ممن تصفهم السلطة بالعقلاء وكبار سكان الجنوب وقبائل التوارق، وكانوا يمثّلون السلطة الرمزية والروحية والاجتماعية في المنطقة، ومع مرور الزمن باتوا كمؤسسة اجتماعية تمتلك جانباً من رمزية تمثيل سكان المنطقة لدى السلطات المحلية والمركزية، قبل أن يتمرد على هذه السلطة الرمزية جيل جديد.
إضافة إلى هذا العامل، لعبت التكنولوجيا دورها البارز في ضخ شحنة نضالية لدى مجموعة من شباب الجنوب، خصوصاً مع ما يصفه كاهي بتزايد "احتكاك شباب الجنوب والطلبة والناشطين بنظرائهم من الشمال وتزايد عدد الجامعات في الجنوب وتنامي عدد وسائل الإعلام لا سيما المكتوبة منها في ظل التعددية الإعلامية، خصوصاً بعض الصحف المستقلة التي كانت تغطي مشاكل المنطقة بجرأة كتجربة صحيفتي الوطن والخبر"، فوجد الناشطون قنوات إعلامية لنقل مشاكل المنطقة، قبل أن تبرز وسائل التواصل الاجتماعي التي أكدت الوجود الفعلي لهؤلاء الناشطين وثبتت مركزهم المجتمعي.
هذه المجموعة من الشباب والناشطين في منطقة الصحراء الجزائرية، أعادت تأسيس المواقف من القضايا البيئية والسياسية، ما دفع السلطة إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه الجنوب والصحراء، لينجح الجيل الجديد من الناشطين في إجبار الحكومة على توفير مخصصات مالية لمصلحة تنمية الجنوب وتخصيص شبابه بالحصص الأوفر في العمل في الشركات النفطية وتحسين البنية التحتية في مجالات الصحة والتعليم والنقل والمياه.