04 أكتوبر 2024
نصيحة لن يلتفت إليها أحد
من الطبيعي أن يعود بعض منا، في مثل هذا الوقت من كل عام، للتذكير بما حدث، فربما قد يؤدي التذكير إلى التفكير، وربما ينفع بعض التذكير بالحقائق وأسباب الكوارث في مواجهه التضليل والتزييف والروايات الرسمية المغلوطة.
ربما يكتشف بعضهم أنه كان مخدوعاً برواياتٍ رسميةٍ كاذبةٍ ومضللةٍ عن أحداثٍ تاريخيةٍ كثيرةٍ مهمةٍ، ولأنه دائماً لا بد من استعمال العقل والبحث عن الروايات الثانية التي تختلف عن الرواية الرسمية المضللة التي أسهمت في استمرار الأزمات. ولذلك، من الطبيعي أن تجد، في مثل هذا الوقت من كل عام، من يتحدّث عن هزيمة 1967 وأسبابها الحقيقة في محاولةٍ يائسةٍ لتجنب هزائم في مجالات أخرى.
ستجد، في هذا الوقت من العام، أصواتاً قليلة تحاول التذكير بالإعلام المصري "الوطني الموجّه" الذي كان، في مثل تلك الأيام منذ 49 عاماً، يتحدّث عن القوات المصرية التي أوشكت على دخول تل أبيب، وعن الطائرات الإسرائيلية التي تتساقط كالذباب، وعن الخديعة الكبرى، والوهم الذي عاش فيه الشعب المصري، وكل الشعوب العربية، على يد الحاكم الفرد. وستجد، في المقابل، أصواتاً كثيرة، رسمية وشبه رسمية وغير رسمية، تتحدّث عن المؤامرات الكونية ضد الزعيم الأوحد، وعن أخطاء الآخرين ومؤامرات الآخرين ضد مشاريع الزعيم الملهم الذي لولا "النكسة"، وليس "الهزيمة العسكرية"، لكانت مصر الآن تناطح أميركا والغرب كله منفردة.
في مثل هذا الوقت من كل عام، ستجد أصواتاً قليلةً، تحاول إعمال العقل والبحث عن الروايات المدفونة والمطموسة. وتحاول هذه الأصوات، على استحياء وسط عواصف من التخوين والتكفير، الحديث عن الحاكم الدكتاتور الذي اعتمد على الخطب العنترية والشعارات العاطفية الشعبوية، من دون إعداد وتجهيز حقيقي على أرض الواقع، أصوات خافتة تواجه التخوين وتتحدّث عن استبدال نخبةٍ عسكريةٍ بالنخبة الملكية. ولكن، لم يتغير الفساد والاستبداد، بل زاد، أصوات خافتة تحاول أن تحلل أسباب الهزيمة، بعيداً عن الصوت الزاعق، وبعيداً عن نظريات المؤامرة. أصوات تحاول أن تقول إن الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان بأهمية الحقوق الاقتصادية نفسها، وبأهمية العدالة الاجتماعية نفسها، وأن محاولات تحقيق العدالة الاجتماعية الذي جرت، منذ يوليو/ تموز 1952، لم تغنِ عن الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بل إن غياب الشفافية والمساءلة وغياب النقد والمكاشفة هو ما أدّى إلى هزيمة 1967. غياب الحرية والديمقراطية هو أهم أسباب الهزيمة، وليس المؤامرة المزعومة، التضليل والإعلام الموجه وتغييب الوعي هو ما أدّى إلى الهزيمة، وليس قوى الشر فقط. سياسة الصوت الواحد وتكميم الأفواه وقتل الحياة السياسية والاستعانة بأهل الثقة، بدلاً من أهل الخبرة، هو ما أدى إلى الهزيمة.
وللأسف الشديد، ستجد أن الخطاب الذي يحاول النقد وإعادة التقييم والبحث عن الروايات الأخرى غير الرسمية ليس له أنصار كثيرون، بل له أعداء كثيرون من أنصار السلطة، أي سلطة، وأنصار الروايات الرسمية، مهما كان كذبها وعدم منطقيتها واضحاً لكل ذي عقل، بالأغلبية تفضّل السباحة مع التيار، وبعضهم لا يزال يعبد الأصنام.
وإن كان هناك في دولة يوليو بعض المحاسن، كالبعد الاجتماعي ومحاولات مقاومة التبعية والاستعمار وإعادة الكرامة الوطنية، إلا أن النظام الحالي الذي يعتبر امتداداً لدولة يوليو وسياساتها وعقليتها نفسها قد أخذ أسوأ ما في "يوليو"، وتجاهل أية محاسن وإيجابياتٍ، إن وجدت.
ولأنه لا يمكن أن تتوقع نتائج مختلفة، إذا كانت المعطيات والمداخلات لم تتغير، وبالتالي،
تكرار أخطاء الماضي لن يقود إلا إلى كارثةٍ، حتى إن لم تكن كارثةً عسكريةً، كما حدث في1967، وما أقوله ليس دعوةً إلى ثورةٍ جديدةٍ، لكنه ضمن عشرات ومئات وآلاف المحاولات، للتحذير من الكارثة التي ستحدث، إن استمرّ المنهج نفسه الذي أثبت فشله، فبعيداً عن نظريات المؤامرة والجيل الرابع وكل هذا الهراء، وبقليلٍ من الإنصاف والتفكير الهادئ، الخالي من جو المؤامرات، يمكن بسهولة استنتاج أن ما فعله حسني مبارك وسياساته وولده وداخليته وأجهزته وحزبه ورجال أعماله هو ما أدى إلى قيام ثورة 25 يناير.
وأخذ النظام الحالي أسوأ ما كان في عهد عبد الناصر، وأسوأ ما كان في عهد مبارك، بل وأسوأ ما ميّز فترة مرسي. ولذلك، كل المطالبات التي قد تراها، أو تقرأها على استحياء كل فترة، التي تنصح بفتح المجال العام وعدم الإقصاء وضرورة الوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ ووقف الانتقام من "بعض فئات الشباب" لهي مطالباتٌ بغرض حماية الدولة، وليس هدم الدولة، كما تدّعي الأجهزة الأمنية، وليس من الصواب أن يتم المساواة بين العمل الإرهابي الذي يقتل الأبرياء وبين مظاهرةٍ سلميةٍ غاضبةٍ، بدون ترخيصٍ أو تويتة أو تدوينة فيها بعض ما تعتبره الرئاسة تجاوزاتٍ، وتعتبره الأجهزة الأمنية تحريضاً على التظاهر وقلب نظام الحكم.
ومن الخطأ الكبير وضع الجميع في السلة نفسها، أو اعتبار كل من يعارض أو يغضب أو يسخر أو يتشكك مثله كما "داعش" والمجموعات المسلحة، أو اعتبار السخرية والمعارضة، أو حتى التظاهر، مثله مثل الإرهاب المسلح الدموي. وهذه للأسف عقيدة الأجهزة الأمنية والسيادية في مصر التي تعتبر الحركات الشبابية أو الثورية أخطر من "داعش"، وأن التظاهر أخطر من الإرهاب، وأن المجموعات الشبابية تحتاج مراجعاتٍ فكريةً، كما فعلت الجماعة الإسلامية في التسعينيات.
وما الذي يحتاج المراجعات، هل الإيمان بأهمية الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان يحتاج مراجعة؟ وما الخطأ في المطالبة بالشفافية والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد؟ ولماذا لا نجد هذه الشدة في تطبيق القوانين الجامدة، إلا في التعامل مع التظاهر، أو الفضفضة والنقد والسخرية على الإنترنت، ولا نرى تلك الشدة والقسوة والسرعة في التعامل مع مخالفات البناء أو تخريب الأراضي الزراعية، أو سرقة الآثار، أو مخالفات المرور، أو في مكافحة الرشوة والفساد؟ ولماذا لا نرى تطبيق القانون في جرائم التعذيب، وفي تجاوزات رجال الشرطة، وهم أكثر من يخالف القانون؟
وأخيراً، إن كان هناك من يرغب صدقاً في تجنيب مصر أي هزاتٍ أو هزائم أو فوضى أو استغلال الخارج أخطاء الداخل، فيجب تجنب مسببات الاحتقان والغضب والحنق، فسياسات البطش والصوت الواحد جُربت من قبل، وأدت إلى كوارث، فحاولوا تجريب روشتات نجاح الآخرين.
ربما يكتشف بعضهم أنه كان مخدوعاً برواياتٍ رسميةٍ كاذبةٍ ومضللةٍ عن أحداثٍ تاريخيةٍ كثيرةٍ مهمةٍ، ولأنه دائماً لا بد من استعمال العقل والبحث عن الروايات الثانية التي تختلف عن الرواية الرسمية المضللة التي أسهمت في استمرار الأزمات. ولذلك، من الطبيعي أن تجد، في مثل هذا الوقت من كل عام، من يتحدّث عن هزيمة 1967 وأسبابها الحقيقة في محاولةٍ يائسةٍ لتجنب هزائم في مجالات أخرى.
ستجد، في هذا الوقت من العام، أصواتاً قليلة تحاول التذكير بالإعلام المصري "الوطني الموجّه" الذي كان، في مثل تلك الأيام منذ 49 عاماً، يتحدّث عن القوات المصرية التي أوشكت على دخول تل أبيب، وعن الطائرات الإسرائيلية التي تتساقط كالذباب، وعن الخديعة الكبرى، والوهم الذي عاش فيه الشعب المصري، وكل الشعوب العربية، على يد الحاكم الفرد. وستجد، في المقابل، أصواتاً كثيرة، رسمية وشبه رسمية وغير رسمية، تتحدّث عن المؤامرات الكونية ضد الزعيم الأوحد، وعن أخطاء الآخرين ومؤامرات الآخرين ضد مشاريع الزعيم الملهم الذي لولا "النكسة"، وليس "الهزيمة العسكرية"، لكانت مصر الآن تناطح أميركا والغرب كله منفردة.
في مثل هذا الوقت من كل عام، ستجد أصواتاً قليلةً، تحاول إعمال العقل والبحث عن الروايات المدفونة والمطموسة. وتحاول هذه الأصوات، على استحياء وسط عواصف من التخوين والتكفير، الحديث عن الحاكم الدكتاتور الذي اعتمد على الخطب العنترية والشعارات العاطفية الشعبوية، من دون إعداد وتجهيز حقيقي على أرض الواقع، أصوات خافتة تواجه التخوين وتتحدّث عن استبدال نخبةٍ عسكريةٍ بالنخبة الملكية. ولكن، لم يتغير الفساد والاستبداد، بل زاد، أصوات خافتة تحاول أن تحلل أسباب الهزيمة، بعيداً عن الصوت الزاعق، وبعيداً عن نظريات المؤامرة. أصوات تحاول أن تقول إن الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان بأهمية الحقوق الاقتصادية نفسها، وبأهمية العدالة الاجتماعية نفسها، وأن محاولات تحقيق العدالة الاجتماعية الذي جرت، منذ يوليو/ تموز 1952، لم تغنِ عن الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بل إن غياب الشفافية والمساءلة وغياب النقد والمكاشفة هو ما أدّى إلى هزيمة 1967. غياب الحرية والديمقراطية هو أهم أسباب الهزيمة، وليس المؤامرة المزعومة، التضليل والإعلام الموجه وتغييب الوعي هو ما أدّى إلى الهزيمة، وليس قوى الشر فقط. سياسة الصوت الواحد وتكميم الأفواه وقتل الحياة السياسية والاستعانة بأهل الثقة، بدلاً من أهل الخبرة، هو ما أدى إلى الهزيمة.
وللأسف الشديد، ستجد أن الخطاب الذي يحاول النقد وإعادة التقييم والبحث عن الروايات الأخرى غير الرسمية ليس له أنصار كثيرون، بل له أعداء كثيرون من أنصار السلطة، أي سلطة، وأنصار الروايات الرسمية، مهما كان كذبها وعدم منطقيتها واضحاً لكل ذي عقل، بالأغلبية تفضّل السباحة مع التيار، وبعضهم لا يزال يعبد الأصنام.
وإن كان هناك في دولة يوليو بعض المحاسن، كالبعد الاجتماعي ومحاولات مقاومة التبعية والاستعمار وإعادة الكرامة الوطنية، إلا أن النظام الحالي الذي يعتبر امتداداً لدولة يوليو وسياساتها وعقليتها نفسها قد أخذ أسوأ ما في "يوليو"، وتجاهل أية محاسن وإيجابياتٍ، إن وجدت.
ولأنه لا يمكن أن تتوقع نتائج مختلفة، إذا كانت المعطيات والمداخلات لم تتغير، وبالتالي،
وأخذ النظام الحالي أسوأ ما كان في عهد عبد الناصر، وأسوأ ما كان في عهد مبارك، بل وأسوأ ما ميّز فترة مرسي. ولذلك، كل المطالبات التي قد تراها، أو تقرأها على استحياء كل فترة، التي تنصح بفتح المجال العام وعدم الإقصاء وضرورة الوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ ووقف الانتقام من "بعض فئات الشباب" لهي مطالباتٌ بغرض حماية الدولة، وليس هدم الدولة، كما تدّعي الأجهزة الأمنية، وليس من الصواب أن يتم المساواة بين العمل الإرهابي الذي يقتل الأبرياء وبين مظاهرةٍ سلميةٍ غاضبةٍ، بدون ترخيصٍ أو تويتة أو تدوينة فيها بعض ما تعتبره الرئاسة تجاوزاتٍ، وتعتبره الأجهزة الأمنية تحريضاً على التظاهر وقلب نظام الحكم.
ومن الخطأ الكبير وضع الجميع في السلة نفسها، أو اعتبار كل من يعارض أو يغضب أو يسخر أو يتشكك مثله كما "داعش" والمجموعات المسلحة، أو اعتبار السخرية والمعارضة، أو حتى التظاهر، مثله مثل الإرهاب المسلح الدموي. وهذه للأسف عقيدة الأجهزة الأمنية والسيادية في مصر التي تعتبر الحركات الشبابية أو الثورية أخطر من "داعش"، وأن التظاهر أخطر من الإرهاب، وأن المجموعات الشبابية تحتاج مراجعاتٍ فكريةً، كما فعلت الجماعة الإسلامية في التسعينيات.
وما الذي يحتاج المراجعات، هل الإيمان بأهمية الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان يحتاج مراجعة؟ وما الخطأ في المطالبة بالشفافية والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد؟ ولماذا لا نجد هذه الشدة في تطبيق القوانين الجامدة، إلا في التعامل مع التظاهر، أو الفضفضة والنقد والسخرية على الإنترنت، ولا نرى تلك الشدة والقسوة والسرعة في التعامل مع مخالفات البناء أو تخريب الأراضي الزراعية، أو سرقة الآثار، أو مخالفات المرور، أو في مكافحة الرشوة والفساد؟ ولماذا لا نرى تطبيق القانون في جرائم التعذيب، وفي تجاوزات رجال الشرطة، وهم أكثر من يخالف القانون؟
وأخيراً، إن كان هناك من يرغب صدقاً في تجنيب مصر أي هزاتٍ أو هزائم أو فوضى أو استغلال الخارج أخطاء الداخل، فيجب تجنب مسببات الاحتقان والغضب والحنق، فسياسات البطش والصوت الواحد جُربت من قبل، وأدت إلى كوارث، فحاولوا تجريب روشتات نجاح الآخرين.