تطرق الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصر الله، مساء الثلاثاء، إلى المستجدات على الساحة السياسية المحلية والإقليمية والأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، مركزاً في مساحة كبيرة من كلمته على تصرفات السفيرة الأميركية لدى لبنان، دوروثي شيه، التي على حدّ قوله "منذ أن شرفت، وبدل أن تلتزم بالاتفاقيات الدولية ودور السفراء، وهي تتعاطى مع لبنان كأنها حاكم عسكري أو مندوب سامٍ".
وطالب نصر الله الخارجية اللبنانية بـ"استدعاء السفيرة الأميركية وإجبارها على الالتزام بالاتفاقيات الدولية". معلناً أن نواب حزبه، أي "كتلة الوفاء للمقاومة"، سيرفعون عريضة للخارجية اللبنانية لاستدعاء شيه وإلزامها باحترام العلاقات الدبلوماسية والقانون الدولي.
وسأل نصر الله "ما علاقة السفيرة الأميركية في التعيينات المالية كي تقول يأتي فلان ولا يأتي فلان؟ وأنه عليكم تعيين هذا الاسم أن يكون نائباً أول لحاكم مصرف لبنان المركزي أو رئيساً للجنة الرقابة على المصارف". وكما بات معلوماً، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية ضغطت عبر سفيرتها لدى لبنان لإعادة تعيين محمد بعاصيري كنائب لحاكمية المصرف المركزي، وهو الذي يعرف بالوديعة الأميركية في لبنان، وأشرف على تصفية "جمال ترست بنك"، وكان مدعوماً من "تيار المستقبل" الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق النائب سعد الحريري.
من جهة ثانية، تحدّث نصر الله عن القرار القضائي الذي صدر بحق السفيرة شيه، بمنعها من التصريحات الإعلامية، على خلفية مواقفها الأخيرة من "حزب الله"، الذي على حدّ قولها "بنى دولة داخل الدولة، استنزفت لبنان وكلفت الدولة اللبنانية مليارات الدولارات التي ذهبت الى دويلة الحزب بدلاً من خزينة الدولة"، وقال، "أخطر ما تفعله السفيرة الأميركية في لبنان هو التحريض بين اللبنانيين والدفع نحو الحرب الأهلية"، مشيراً إلى أن قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور (جنوب لبنان) محمد مازح، والذي تقدم باستقالته بعد إحالته على التفتيش المركزي، "يعبّر أن في لبنان قضاة وطنيين وشجعاناً".
وشدد الأمين العام لـ"حزب الله" على أن الحكومة اللبنانية يحدّد مصيرها الشعب اللبناني وليس السفيرة أو الخارجية الأميركية، والدولة اللبنانية صامتة في وقتٍ تهاجم شيه حزباً لبنانياً وتتهمه بأبشع الأوصاف عبر الإعلام، إذ إن "حزب الله"، على حدّ قول نصر الله، هو حزب لبناني له شعبية كبيرة ومشارك في الحياة السياسية.
وتمنّى نصر الله على القضاء اللبناني إعادة النظر في ردة فعله تجاه القاضي مازح، داعياً إلى أن يتصرّف معه بالمستوى الوطني نفسه الذي عبّر عنه.
واستذكر الأمين العام لـ"حزب الله" ذكرى "حرب يوليو/ تموز 2006" بالقول، "كل من قتل في حرب يوليو هو في رقبة الدولة الأميركية المجرمة القاتلة الداعمة لإسرائيل"، معتبراً أن "كل الاعتداءات الصهيونية على لبنان حدثت بدعمٍ أميركي، والشعب اللبناني لا يقبل بالادعاءات التي تتهم المقاومة بالوقوف وراء الوضع الاقتصادي في البلاد".
وتوجّه نصرالله الى الإدارة الأميركية بالقول "سياستكم بخنق لبنان ستقوّي حزب الله وتضعف حلفاءكم ونفوذكم".
وفي الملف الاقتصادي والنقدي، أكد نصر الله أن مقاربة الوضع الاقتصادي يجب أن تكون مقاربة وطنية. موضحاً أنّ ما قصده في كلمته الأخيرة بتوجه لبنان شرقاً لا يعني قطع العلاقات مع الغرب، فأي دولة لديها استعداد لتقدم المساعدة للبنان وتضع ودائع وتمنح القروض نحن منفتحون عليها بما فيها الولايات المتحدة الأميركية والغرب باستثناء "الكيان الغاصب".
ولفت نصرالله إلى أن النموذج الاقتصادي الإيراني ليس سيئاً، فهو جعل إيران تصمد في ظل العقوبات الشاملة طوال أربعين عاماً، ونحن لم نقل بضرورة تطبيق نموذج إيران في لبنان، بل نطلب منها مساعدتنا على توفير الوقود، وهي حين تقبل بإعطاء الدولة اللبنانية المشتقّات النفطية بالعملة الوطنية فهذا يعدّ بمثابة تضحية من الجانب الإيراني. وبالتالي، اعتبر الأمين العام لـ"حزب الله" أن المصرف المركزي مضطر لأن يدفع مليارات الدولارات لتغطية حاجة لبنان من المشتقات النفطية، مشيراً إلى استعداد إيران لبيع لبنان المشتقات النفطية بالليرة اللبنانية. معلناً أن الحزب اتخذ قرار خوض معركة التقدم زراعياً وصناعياً في مواجهة الانهيار الاقتصادي والجوع. ومرفقاً حديثه بشعار "حيث يجب أن نكون سنكون".
نصرالله: العضب الأميركي وشن الولايات المتحدة حملة شعواء على الخيار الصيني يهدفان إلى تخويف اللبنانيين، وهو دليل على أنه مفيد لإخراج لبنان من أزمته الاقتصادية
ويأتي حديث نصر الله بالتزامن مع تحركات يشهدها الشارع اللبناني اعتراضاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، وفي وقت نفذ عدد من الناشطين وقفة احتجاجية أمام مؤسسة كهرباء لبنان في بيروت على خلفية التقنين القاسي في التيار الكهربائي، وإطفاء أصحاب المولدات "الموتيرات" بحجة شح المازوت، علماً أن حزب الله يهرّب المازوت والدولار والقمح وغيرها عبر المعابر غير الشرعية التي يسيطر عليها إلى النظام السوري، في إطار التعاون السياسي والعسكري والمالي بينهما، بحسب ما يقول منتقدون للحزب. وشح المازوت انسحب أيضاً على القطاع الصحي، إذ تعاني المستشفيات من الانقطاع في التيار الكهربائي وارتفاع ساعات التقنين، ما اضطر مستشفى رفيق الحريري الجامعي إلى قطع المكيفات عن الموظفين الإداريين وتأمينها فقط للمرضى حفاظاً على سلامتهم.
ولفت نصر الله إلى أن "الغضب الأميركي وشن الولايات المتحدة حملة شعواء على الخيار الصيني يهدفان إلى تخويف اللبنانيين، وهو دليل على أنه مفيد لإخراج لبنان من أزمته الاقتصادية". مشيراً إلى "إيجابية الانفتاح على العراق، وهي فرصة عظيمة لمساعدة لبنان في أزمته".
وأضاف: "ما يعيشه لبنان اليوم هو تهديد بالجوع والانهيار، وهو أخطر ما يمكن أن تواجهه أي دولة في العالم، وعلى اللبنانيين أن يكونوا فاعلين ونشيطين للوصول إلى النتيجة المطلوبة، ونحن قادرون على تحويل التهديد إلى فرصة تخرجنا من تراكم السياسات الخاطئة، ولا يجوز أن يحكم الأداء العام الانتظار السلبي لنتائج التفاوض مع صندوق النقد الدولي أو تطورات المنطقة من دون البحث في خيارات أخرى". علماً أن المفاوضات علّقت من جانب صندوق النقد الدولي إلى حين توحيد الوفد اللبناني من حكومة ومصارف أرقام الخسائر، وبعد استقالة عضوين من المفاوضين اللبنانيين، نتيجة الخلافات القائمة وغياب الإرادة الجدية في القيام بإصلاحات اشترطها الصندوق لمساعدة لبنان مالياً للخروج من أزمته النقدية والاقتصادية الحادة التي طاولت مختلف القطاعات وفئات المجتمع، ورفعت من معدل الفقر والبطالة والجوع، في ظل انعدام السوق التوظيفي، وتحليق سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وتدهور العملة الوطنية التي فقدت أكثر من ثمانين في المائة من قيمتها.