نصائح لا طائفيّة

04 مايو 2014

Alvaro Ybarra Zavala

+ الخط -
واضح أننا بتنا، اليوم، بحاجة لتثبيت وتأكيد أننا غير طائفيين، بل ومضطرين لمجابهة الطائفية بالحد الأدنى، ومساحة الحد الأدنى هي وسائل التواصل الاجتماعي، بما تحويه من منشورات إخبارية وصور ومقاطع فيديو، وهذه نصائح متواضعة في سبيل ذلك:
حين تجد صورة منشورة لجثث مشوّهة، مكتوب فوقها أو تحتها "انظر كيف يحرق المسلمون في بورما"، حمّل الصورة على حاسوبك الشخصي، ثم افتح محرك بحث فيه خدمة البحث في الصور، ثم احمل الصورة، وضعها في مساحة البحث وانتظر النتائج. لا تفاجأ إن كانت الصورة لدفن ضحايا تسونامي ضرب أندونيسيا قبل سنوات مثلاً. ويمكنك تطبيق الحركات البسيطة نفسها مع كل صورة من هذا القبيل، والبحث "جديّاً" عن مصدر الصورة الحقيقي. لا داعي للتفكير في جدوى إعادة نشر الصورة، فقط لنبحث عن مصدرها الصحيح، لأن في نشر صور خاطئة إساءة لمَن تنوي التعاطف معهم.
وفي حالة بورما مثلاً، لا بأس ببحث بسيط عن بورما وأين تقع ونظام الحكم فيها، والتناقضات الرئيسة التي تفسّخ مجتمعها، والحال ينطبق طبعاً على أفريقيا الوسطى. لا شك أن معلوماتٍ قليلةً ستفيد قبل إعادة نشر أي صورة لجثثِ، يقول ناشروها إن الضحايا فيها قتلوا لأنهم ينتمون إلى طائفة معيّنة فقط، وإن القَتَلة لم يقتلوهم إلا لأنهم ينتمون لطائفة أخرى.
حين تقرأ منشوراً عن أعداد قتلى من المسلمين، أو المسيحيين مثلاً في بلد ما حول العالم، من المفيد البحث عن التقسيم الإثني والجهوي والقومي في ذلك البلد، فقد لا يكون للنزاع صلة بالديانة، ويعتنق ضحاياه ديانات عدة. هناك مَن يحاول إقناعك بألا سبب للصراع في الدنيا إلا الأديان والطوائف، وذاك إما جاهل بما يجري أو مستفيد منه، وفي الحالتين، لا يصلح مصدراً لمعلوماتك ومواقفك.
حين تقرأ إحصاءً عن تعداد للطوائف في بلد ما، اعلم أن المستفيدين من نشر الإحصاء كثر، وأولهم النظام الراعي توازنات الطوائف، وأن نظاماً لا طائفياً لن يطرح إحصاء كهذا، وإن علمت عن توزيع الوظائف والمناصب، في كيانٍ ما، وفق الانتماءات الطائفية، فاعلم أن النظام طائفي، لا المواطنين.
قبل أن تفكر في الأسباب الطائفية لأيِّ نزاعٍ في أيّ بلد، فكّر بالطائفتين الكبيرتين فيه، طائفتي مَن يملكون ومَن لا يملكون، طائفتي المتخمين والجائعين، طائفتي الظالمين والمظلومين، طائفتي مَن يحكمون ومَن لا يحكمون. وتساءل عن الضحايا، فإن وجدتهم من طائفة الجائعين مثلاً، فليس مهمّاً إلى أيّ طائفة دينية انتموا، فلو كانت الطائفة الدينية معيار القتل ومبرره، لقتل أغنياؤهم وقادتهم وسادتهم من الطائفة نفسها.
حين تنشب أعمال عنف في دولة ما، ثم يخرج "أبو يزيد اليثربي" بمقطع فيديو على "يوتيوب"، يعلن الحرب المقدسة على الكفار، تذكّر أنه يمكنك، وبكاميرا هاتفك المحمول وحاسوبك، أن تخرج بمقطع فيديو مثله، وتسمي نفسك "أبا جورج الرومي" أو "أبا باقر القُمّي" وتتوعّد الكَفَرة أيضاً. وقبل أن تنشر تحليلك عن تطور الأمور لصدام طائفي بعد فيديو "أبي مقداد"، تذكر أنه، على الأغلب، لا يملك من أمر ما يجري على الأرض أكثر ممّا تملك.
تذكّر أن الصحافيين، الرديئين في الزمن الرديء، يبحثون عن قراءاتٍ أكثر ومتابعات أوسع، والشأن الطائفي مثير هذه الأيام، تماماً كآخر فضيحة لتلك الممثلة، بل يجلب قراءات أكثر وأوسع.
وحين تستنفد كل هذا، وتقع على معلوماتٍ وثيقةٍ وشواهد قاطعة على "حرب طائفية"، لا يمكنك، بأي حال، التعامل معها كصورة ثابتة خارج الزمن والتاريخ. عد إلى الوراء قليلاً، ووسّع إطار الصورة أكثر، ستجد أسباباً سبقت الدعاوى الطائفية، وربما لن تجد للطوائف ذكراً، وإنْ بحثت جيداً ستجد الذين أرادوها حرباً طائفيةً، لأسباب لا علاقة لها بالطوائف، وستجد كثيرين مثلك صدّقوا حينها أن الطائفية وراء كل ما حصل.
اعلم أن آلافاً مؤلّفة يغادرون كل يوم معتقداتهم الدينية، وفي أكثر المجتمعات تشدّداً، من دون أن تسمع بهم، وحين تسمع أنت بأحدهم، اعلم أن هنالك خللاً ما، جهةً أو شخصاً أو طرفاً مهووساً بالطوائف والأعداد والمعارك المقدسة، يعتاش على الطائفية، ولا يعيش إلا في مرتعها. وعلى سبيل الطرافة، ذكّر المهووسين حدّ المرض بمَن يدخل دينهم، ويرونه أهم حدث في الدنيا، بأن الناس على أيديهم باتت تخرج من دينهم أفواجا.
 
2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين