بدأت الرئاسة الجزائرية في الإفراج عن أبرز محاور التعديلات المتضمنة في مسودة الدستور الجديد التي سيصادق عليها البرلمان الخميس المقبل، قبل أن تطرح للاستفتاء الشعبي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني.
وتضمنت المسودة النهائية للدستور الجديد ستة محاور تتعلق بالحقوق الأساسية والحريات العامة والفصل بين السلطات والسلطة القضائية والمحكمة الدستورية والوقاية من الفساد ومكافحته والسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، ولم تجر اللجنة الدستورية تغييرات كبيرة على المسودة الأولى التي طرحت في الخامس من مايو/أيار الماضي، والتي لقيت اعتراضات كبيرة من قبل القوى السياسية والمدنية في البلاد.
وأبقت المسودة على بند يسمح للجيش بالقتال خارج الحدود، سواء في إطار أممي أو في إطار اتفاقيات ثنائية مشتركة مع المنطقة، عبر "دسترة مشاركة الجيش في عمليات حفظ السلام تحت رعاية الأمم المتحدة"، وكذا "مشاركة الجزائر في المنطقة على استعادة السلم في إطار الاتفاقيات الثنائية مع الدول المعنية".
يكرس الدستور الجديد مبدأ عدم ممارسة أي رئيس لأكثر من عهدتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين
ويحدد الدستور الجديد العهدة الرئاسية بعهدتين فقط، ويكرس مبدأ عدم ممارسة أي رئيس لأكثر من عهدتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين، وإلغاء حق الرئيس التشريع بأوامر خلال العطل البرلمانية.
ويعزز الدستور الجديد مركز رئيس الحكومة، ويلزم الحكومة بتقديم المستندات والوثائق الضرورية إلى البرلمان لممارسة مهامه الرقابية، وإقرار إمكانية ترتيب مسؤولية الحكومة على إثر استجواب، كسحب الثقة منها والدفع إلى إقالتها، ويسمح الدستور الجديد بإقرار التصويت داخل البرلمان بحضور أغلبية الأعضاء، بدلاً من النصاب القانوني، ويحدد العهدة البرلمانية بعهدتين فقط، إذ لن يكون مسموحاً لأي نائب بالترشح لعهدة نيابية ثالثة.
وتضمن الدستور بنودا تخص تشجيع تأسيس الجمعيات، ورفع يد الإدارة عنها، ومنع حلها إلا بقرار قضائي، وإقرار مبدأ مجرد التصريح لممارسة حرية الاجتماع والتظاهر بدلاً من الترخيص، ودسترة حرية الصحافة بكل أشكالها ومنع الرقابة القبلية عليها، وإلزام السلطات والهيئات العمومية باحترام الأحكام الدستورية ذات الصلة بالحقوق الأساسية والحريات العامة، ومنها تقييد الحقوق الأساسية والحريات العامة إلا بموجب قانون، ولأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام، أو حماية حقوق وحريات أخرى يكرسها الدستور، وحق الموقوفين في التعويض عن التوقيف والحبس المؤقت، وحماية الأشخاص الطبيعية عند معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وحماية ممارسة العبادات دون تمييز.
وتضمن النص الدستوري دسترة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وإدراجها ضمن الهيئات الرقابية،، ومنع الجمع بين الوظائف العمومية والنشاطات الخاصة أو المهن الحرة، وإلزام الموظفين الحكوميين بالتصريح بالممتلكات في بداية الوظيفة أو العهدة النيابية وعند انتهائها لكل شخص يعين في وظيفة عليا في الدولة أو منتخب أو معين في البرلمان أو منتخب في مجلس محلي، ومعاقبة القانون لاستغلال النفوذ، وحصر الحصانة النيابية فقط في القضايا ذات الصلة بالعمل النيابي لنواب البرلمان.
وأقر المحور السادس من التعديلات الدستورية دسترة السلطة الوطنية العليا المستقلة للانتخابات، التي أنشئت بقرار رئاسي بمناسبة انتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2019، لتصبح بموجب الدستور هيئة دستورية، وعززت مهامها وحددت تشكيلتها وتنظيمها وطريقة عملها، لضمان نزاهة الانتخابات التي ظلت لعقود مشوبة بإخلالات وشكوك في نزاهتها، بسبب هيمنة وزارة الداخلية على تنظيمها ومراقبتها وتحديد نتائجها.
ويعترف الدستور بالثورة الشعبية عبر دسترة الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر في22 فبراير/شباط 2020،وحظر خطاب الكراهية والتمييز، ويلزم الإدارة بتعليل قراراتها والرد على الطلبات في الآجال التي يحددها القانون، ويفرض على الحكومة عند طرح مشروع أي قانون إرفاقه بالمراسيم التنفيذية التي تشرح كيفيات تطبيقه، لتجنب فوضى القوانين التي تصدر دون تطبيقها لعدم صدور المراسيم التطبيقية.
ويقر الدستور الجديد تعويض المجلس الدستوري بمحكمة دستورية مستقلة، وتعديل تشكيلتها وطريقة تعيين أعضائها، ومنحها صلاحية الرقابة الدستورية على الأوامر، ورقابة توافق القوانين والتنظيمات مع المعاهدات الدولية، وإقرار حق الهيئات في طلب رأي تفسيري من المحكمة الدستورية التي تحوز على هذا الأساس على اختصاص بالنظر في الخلافات التي قد تحدث بين السلطات والمؤسسات الدستورية.
ويعزز الدستور الجديد مبدأ استقلالية العدالة، إذ يمنع النقل الإداري للقضاة من أماكن عملهم، ودسترة تشكيلة لجنة المجلس الأعلى للقضاء، وإبعاد وزير العدل والنائب العام لدى المحكمة العليا من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وإسناد نيابة رئاسة المجلس الأعلى للقضاء إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا الذي يمكن له أن يرأس المجلس نيابة عن رئيس الجمهورية، لكن هذا البند الأخير لا يحظى بموافقة نقابة القضاة التي تطالب بإبعاد أي تعيين وأي ممثل للسلطة التنفيذية من المجلس الأعلى للقضاء.
لكن أكثر المواد الدستورية المثيرة للجدل، والتي تلقى اعتراضاً كبيراً من قبل قوى إسلامية ومحافظة، تتعلق بإدراج اللغة الأمازيغية ضمن الأحكام التي لا تخضع للتعديل الدستوري، وإبقائها كلغة وطنية ورسمية، بينما تعارض هذه القوى اعتبارها لغة رسمية وتعتبر أن وجود لغتين رسميتين للجزائر في الدستور مسألة غير مقبولة، وتطالب باعتبارها مكوناً للهوية وليس لغة رسمية، وكذا البند المتعلق بتكريس مبدأ حياد المؤسسات التربوية وإبعادها عن السجال السياسي والأيديولوجي.