على الرغم من العمليات الأمنية المتكررة التي نفّذتها القوات العراقية في جنوب البلاد، واستهدفت في جزء منها مافيات تهريب المخدرات، إلا أن تلك المافيات ما تزال نشطة، كاسرة الحدود التي تربط العراق بجواره.
مصدر في شرطة محافظة المثنى (370 كلم جنوب بغداد) قال، لـ"العربي الجديد"، "إن مسألة تعاطي وتهريب المخدرات متسعة الانتشار في المحافظة"، مؤكداً أن المخدرات المتداولة والمهربة تدخل المحافظة عن طريق إيران، بعد المرور بمحافظتي ذي قار والبصرة.
وأشار إلى أن المهربين يستغلون حدود المحافظة الشاسعة مع السعودية لتنفيذ عمليات تهريب بين الحين والآخر، مبيناً أن القوات العراقية منتشرة على الحدود بكثافة، لكنها لا تغطي جميع المناطق الحدودية التي تبلغ مئات الكيلومترات، في مناطق صحراوية وعرة.
ولفت إلى أن بادية السماوة معروفة بأنها معقل للمهربين الذين اشتهروا بتهريب الأغنام والمواشي والسلاح، قبل الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وقبل أن تتحول بضاعتهم المهربة إلى المخدرات، نتيجة ضعف الرقابة على عمليات تهريب المواد المخدرة من إيران إلى العراق.
وأعلنت شرطة المثنى، مطلع العام الحالي، عن ضبط ممرات لتهريب المخدرات، تقع ضمن المناطق الصحراوية الوعرة.
تلك المناطق لا يمكن أن تضبط إلا من خلال جهد مشترك من القوات العراقية والعشائر والبدو الذين يسكنون الصحراء، بحسب الزعيم القبلي حسين المياحي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "شباب مدن محافظة المثنى يواجهون خطر تفشّي الإدمان على المخدرات"، مؤكدا أن "المعلومات التي تصلنا تشير إلى أن أغلب الذين يعملون في تهريب المخدرات عبر الصحراء يتعاطون تلك المواد المحرمة".
وأوضح أن زعماء القبائل اجتمعوا، أكثر من مرة، للحد من هذه الظاهرة، لكن جهودهم باءت بالفشل، مبينا أن عصابات تمتلك من القوة والنفوذ ما لا تمتلكه القبائل.
ولا تقتصر عمليات تهريب المخدرات على المثنى، إذ تشهد محافظة البصرة المجاورة نشاطاً مقلقاً لعصابات الاتجار بالمخدرات، ما دفع القوات العراقية إلى شمول تلك العصابات بقائمة الجهات التي من المقرر ملاحقتها ضمن حملتها الأمنية التي أطلقتها الشهر الماضي.
وقالت شرطة البصرة، في وقت سابق، إنها أحبطت أكبر محاولة لتهريب المخدرات التي كانت متوجهة إلى الكويت، موضحة أن الشحنة احتوت 16 مليون حبة مخدرة.
ويؤكد النقيب في حرس الحدود العراقي، حامد الساعدي، أن الحدود شبه المفتوحة مع إيران تمثل السبب الأساس لتفشي تجارة المخدرات، موضحا لـ"العربي الجديد"،"إن عصابات تهريب المخدرات تستغل ضعف إجراءات التفتيش في بعض المنافذ لنقل المواد المخدرة". وأشار إلى ضعف إجراءات التفتيش، مؤكدا أن أغلب المنافذ لا تحتوي على أجهزة فحص السونار، وكلاب التفتيش.
وأعرب عضو البرلمان العراقي، فرات التميمي، عن قلقه، مؤكداً أن محافظة ديالى (شرق العراق) تحولت إلى معبر أساسي لتهريب المخدرات إلى العمق العراقي، مطالبا بشن عملية عسكرية لقطع دابر العصابات المتخصصة بالتهريب. ولفت إلى التفاقم الكبير لخطر عصابات تهريب المخدرات، مبينا، خلال تصريح صحافي، أن العصابات تستغل الطرق البرية لتمرير السموم.
وتابع أن "ما يحصل في ديالى حالياً أمر خطير، لأن الجريمة المنظمة استفحلت، والعصابات الإجرامية تزداد نفوذا وقدرة"، مشيراً إلى وجود علامات استفهام كبيرة بشأن دور المؤسسة الأمنية في ردع عصابات التهريب.
وشهد العراق تورّط أبناء مسؤولين في عمليات تهريب المخدرات، وهذا ما أكده الحكم بالسجن المؤبد الذي صدر، الأسبوع الماضي، بحق نجل محافظ النجف (180 كلم جنوب بغداد)، جواد لؤي الياسري، الذي ضبطته القوات العراقية وهو يقوم بعملية لتهريب كمية كبيرة من المخدرات في بغداد.
وبحسب تقارير أمنية عراقية سابقة، فإن أغلب عمليات تهريب المخدرات إلى العراق تتم عن طريق محافظات ديالى (شرقا) وواسط وميسان والبصرة (جنوبا) الحدودية مع إيران، لكن عمليات التهريب لا تقتصر على المخدرات، بل تشمل الآثار أيضا، بحسب تقارير وبيانات أخرى.
وقالت وزارة الداخلية العراقية إنها اعتقلت، يوم الأربعاء الماضي، عصابة لتهريب الآثار في محافظة البصرة بحوزتها 18 قطعة أثرية، وعملات معدنية، ومجموعة من الكتب المهمة، موضحة، في بيان، أن العملية الأمنية تمت بناء على معلومات استخبارية دقيقة.
وفي هذا الإطار، قالت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، إن شحنة من كلاب التفتيش K9 في طريقها لدخول الأراضي العراقية والسورية، للحد من عملية تهريب الآثار، موضحة، في تقرير، أن تلك الكلاب دربت بالفعل على مسألة منع تهريب الكنوز الأثرية المنهوبة.
وأشارت إلى أن من المتوقع أن تكون الكلاب قادرة على كشف قطع الآثار الموضوعة في حقائب السفر والبريد وحمولات الشحن.