يأتي صراع النسويات السعوديات اليوم في إطارَين: مواجهة الأفكار المحافظة الرافضة لإعطاء المرأة السعوديّة أدواراً أكبر في المجتمع، ومواجهة بيروقراطية الدولة التي ترى ناشطات أنها حجّمت القدرة على توعية النساء حول أهمية المشاركة في الانتخابات البلدية.
انطلقت السبت الماضي عمليّة تسجيل قيد الناخبين للدورة الثالثة لانتخابات المجالس البلدية في السعودية (ديسمبر/ كانون الأول 2015)، والتي ينظر إليها بشكل مغاير عن الدورتين السابقتين، على خلفيّة السماح بمشاركة المرأة كناخبة ومرشّحة. كذلك، ثمّة مراجعة لصلاحيات المجالس، ومن المتوقع أن تكون فاعلية تلك المقبلة أكبر من السنوات السابقة. ويدور جدال غير مباشر، بين ناشطات نسويات وبين أطراف من التيار الديني المحافظ الذي يرى في أي تحرك مطالب بإتاحة مجال أكبر أمام المرأة في الشأن العام، مسّاً بقيم المجتمع.
"تويتر" لحثّ النساء
لجأت نساء سعوديات ناشطات في الشأن العام إلى موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي، لحثّ النساء الأخريات على التسجيل كناخبات في الدورة الحالية للمجالس البلدية. وقد نشرت الدكتورة هتون أجواد الفاسي صورتها الشخصية من مقرّ التسجيل، وعلّقت على الصورة قائلة: "وتم التسجيل ولله الحمد في الدائرة الخامسة اليوم في الرياض لا تفوتنها".
الدكتورة الفاسي كاتبة وأكاديمية، نشطت أخيراً في مجال التوعية حول أهمية المشاركة النسائية في الانتخابات البلدية من خلال "مبادرة بلدي"، وهي مهتمة بدعم مشاركة المرأة السعودية في الشأن العام. هي انتقدت في مقال صحافيّ، القيود التي فرضتها لجنة الانتخابات والتي حدّت من القدرة على توعية المرأة. أما الصحافية حليمة مظفر، فقد نشرت أيضاً صورتها وهي تملأ نموذج تسجيل الناخب. وغرّدت: "أسعدني اليوم كمواطنة التسجيل ضمن قيد الناخبين وكنت رقم 2 .. فلا تتأخرن حبيباتي وساهمن في صنع القرار #المجالس_البلدية".
في السياق ذاته، ومن شرق السعودية، سجّلت نسيمة السادة كأول امرأة تسجّل نفسها كناخبة في محافظة القطيف. ونشرت على موقع "تويتر" نموذج التسجيل، وكتبت: "سجلت في قيد الناخبين برقم 1. شعور جميل".
معركة تمتد إلى "يوتيوب"
في تسجيل فيديو بعنوان "صوتك راح يغيّر مجتمعك" على "يوتيوب"، أكّدت "مبادرة بلدي" على أهمية مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية كناخبة ومرشحة تحت شعار "تكلمي بصوتك". وأشار التسجيل إلى أن مشاركة المرأة خطوة في رفع وعيها السياسي، ومساهمتها في تطوير الخدمات في مناطق سكنها، والمساعدة على تغيير المجتمع ككل.
في المقابل، تأتي حملة مضادة عبر تسجيل فيديو حقق مشاهدات أعلى (حتى اللحظة) بعنوان "بادر يا غيور بتقييد اسمك ناخباً". وهو ما اعتبره منتج التسجيل مواجهة لـ "استنفار النسويات السعوديات منذ عام 2010، لدعم إشراك المرأة من خلال البرامج التدريبية والمؤتمرات والبرامج الإعلامية". كذلك، جاء فيه تأكيد على أهمية التسجيل كناخب من أجل "تحقيق مصالح الناس الدينية والدنيوية"، تحت شعار "صوتك سيحول بإذن الله دون الاختلاط في المجلس، وسيساعد على إدخال أهل الغيرة والصلاح.. فلا تتأخر".
اقرأ أيضاً: تلميذات السعوديّة ينتظرن حصّة الرياضة
بلديّة أم إصلاحات سياسيّة؟
تقول الكاتبة السعودية إيمان القويفلي لـ "العربي الجديد" عن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية "تطرح مواقف كمشاركة المرأة في الانتخابات البلدية أو قبول عضوية مجلس الشورى، المعضلة السياسية والاجتماعية ذاتها. عند إجراء بعض التعديلات السياسية المحدودة التي تمسّ المرأة وحدها في ظلال ممانعة سياسية راسخة تجاه الديموقراطية ككل، نجد أنفسنا أمام سؤال: هل تقبل المرأة هذا المكسب النسوي المحدود أم ترفضه لصالح تطلعات أعلى تخصّ التغيير السياسي بشكلٍ عام؟". وتجيب أن "التيار النسوي الأعرض في السعودية يميل إلى قبول هذه المكاسب مهما كانت صغيرة. وهو أمر أفهمه وإن كنت لا أتفق معه. التغيير السياسي يصبح أبعد وأصعب في كل لحظة، بينما هذه المكاسب النسوية في متناول اليد". وتشير إلى أن "إصلاح وضع المرأة اجتماعياً وسياسياً هو أمر يغيب عن خطاب الإصلاح السياسي".
وترى القويفلي أن المشكلة الأخرى التي ترافق خطاب النسويات في هذا المجال هي في "اعتبار تمكين المرأة معياراً أوحد للعمل، بلا معايير أخرى ولا رؤى اجتماعية"، بالتالي "فإن حضور المرأة في فضاءات ممنوعة عليها تقليدياً، سوف يُعدّ أمراً جيداً، مهما كانت طبيعتها. وبهذا يتساوى حضور المرأة من خلال الكوتا في مجلس مُنتخب، مع تعيينها في الإدارات العليا للدولة التي قد تكون موبوءة بالفساد أو بانعدام الفاعلية أو الاستبداد. المهم وفق هذا المنظور، هو أن تحقق المرأة اختراقاً وتحوّل الفضاء الممنوع عليها إلى مُتاح لها".
وتتابع: "لهذا أعترض بشكلٍ مبدئي على الانتخابات البلدية التي شاركت في تنظيم حملة لمقاطعتها في عام 2011، إذ لا تصنع مشاركة المرأة فيها فرقاً بالنسبة إلي. الانتخابات تتعلق بمجالس فقيرة الصلاحيات والفاعلية أولاً، وثانياً هي استجابة شكلية ومسرحية للضغط الذي يشكله تيار الدمقرطة المتسارع عالمياً. لكن الحملة النسوية المتواصلة منذ عام 2011 للمشاركة في الانتخابات البلدية تمضي قدماً. وأخمّن أن التركيز على مشاركة المرأة سوف يكون طاغياً في الصحافة المحلية باعتباره إنجازاً تحققه هذه الانتخابات، للتغطية على انعدام المبالاة الاجتماعية بها. وأخمّن أيضاً أن هذا لن يُعكّر على المقترعات والمترشحات، المهم أنهنّ يشاركن".
نساء بأجنحة
من جهتها، ترى الكاتبة أسماء العبودي لـ "العربي الجديد" أنه "بالرغم من أن نظام الانتخابات البلدية في دورته الثالثة وضع التزامات معيارية بشأن المساواة التامة بين الجنسين في آليات خوض الانتخابات، إلا أن الإقبال مع بدء تسجيل قيد الناخبين والناخبات ما زال دون المستوى". تضيف أن "هذه النتيجة كما يبدو حتمية لأن التوعية من قبل الجهات المعنية لم تكن بالمستوى المطلوب، وكانت الجهود موجّهة إلى المدن المركزية فقط وفي خلال الشهرين السابقين".
وتلفت العبودي إلى أنه "من خلال متابعتنا كناشطات في هذا المجال، وجدنا أن أي برامج تثقيفية لم تقدّم، لا سيّما للنساء في عدد كبير من المناطق، خصوصاً تلك التي تضم جامعات وأعداداً كبيرة من الطالبات. إلى ذلك، مناطق الأطراف مهمّشة جداً، ولا تعرف النساء فيها أي شيء حول هذا الأمر". وتوضح أن ثمّة "تحجيماً لمبادرات محلية هادفة لتوعية النساء حول أهمية الانتخابات"، لكنها تقول إن "السعوديات في حالة صمود دائمة. وقد اتجهن إلى تطوير ذواتهنّ من خلال برامج دعم نسوية تطوعية. من غير المقبول أن تترشّح المرأة من دون تدريب على آليات العمل وكيفية تحديد احتياجات المجتمع المحلي ووضع برنامج انتخابي مناسب. وسوف تواجه السعوديات كما جرت العادة، تشكيكاً كبيراً في قدراتها وأدائها، لكنها تملك من الإرادة ما جعلها تحرّر أحلامها أخيراً، وتتحوّل واقعاً ملموساً".
وتشدّد العبودي على أن "المجتمع سوف يجد نفسه قريباً أمام اللواتي يملكن القدرة على الاهتمام بتفاصيل صغيرة في داخل الأحياء، إذ لدى المرأة رغبة مستمرة في تحسين البيئة والحرص على الصحة العامة والنظافة وحماية المال العام. والنساء غالباً هنّ أكثر إدراكاً لاحتياجات الحيّ من الخدمات العامة، وكذلك لمتطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة. وهنّ دوماً يتولّين نواحي الترفيه في الأسرة، ويتفهّمن متطلبات المرأة العاملة وربة البيت، وما يتعلق بالأمن وسلامة الأطفال والشباب". تضيف: "وبالرغم من أنني ضد التصنيف الجندري، إلا أن هذه الجوانب غائبة تماماً عن عالم الرجل الشريك في المجلس البلدي. وإن حققت المرأة إنجازاً في تحسين البنية التحتية للحي والمدينة، فتلك سوف تكون خطوة أولى لتحسين المدن وأنسنتها لتكون مكاناً صالحاً للحياة".
اقرأ أيضاً: المرأة السعوديّة تخوض الانتخابات البلديّة