نسخة فرنسية من "باتريوت آكت" تعزيزاً لدور الاستخبارات

04 مايو 2015
يؤيد هولاند القانون بقوة (آلان جوكار/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أسابيع عدة من النقاشات، يصوّت النواب الفرنسيون، غداً الثلاثاء، على مشروع قانون الاستخبارات الجديد، الذي قدمته الحكومة في إطار خطة فرنسية لمكافحة "التهديدات الإرهابية". ويشمل مشروع القانون الجديد مجموعة إجراءات، تُحدّد مهمات أجهزة الاستخبارات في مجال مكافحة الإرهاب والتجسس، وتضع إطاراً شرعياً يُسهّل اللجوء إلى تقنيات المراقبة المختلفة، من تنصّت وتصوير وتجسس على محتوى الاتصالات عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.

وسيسمح القانون أيضاً بإضفاء صبغة قانونية على ممارسات سرية، كانت تلجأ إليها الأجهزة الاستخباراتية في تحقيقاتها، وترصّدها لـ "الشبكات الإرهابية" من دون الحصول على إذن من السلطات القضائية. وسيتمكن رجال الاستخبارات من استخدام برامج إلكترونية متطورة، تُتيح التنصّت على هواتف المشتبه فيهم، وعلى معارفهم وعائلاتهم أيضاً. وسيُتيح القانون لرجال الاستخبارات إلزام محركات البحث في الإنترنت مثل "غوغل"، وأيضاً شبكات التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"سكايب"، على تقديم معلومات سرّية تخصّ حسابات المستخدمين.

ومنذ أن طُرح القانون للنقاش في 3 أبريل/نيسان الماضي، استولد جدلاً ساخناً في الساحة السياسية، وأثار تخوّفات كبيرة حول مسّه بالحريات الفردية. ودانت معظم المنظمات الحقوقية وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، المشروع، وانخرطوا في حملة احتجاجية منظمة، لإفشال عملية التصويت عليه في البرلمان.

وحذّرت هذه المنظمات من إمكانية أن "يفتح القانون الجديد الباب واسعاً للتجاوزات والانتهاكات الجسيمة، بذريعة مكافحة الإرهاب". واعتبرته نسخة مشابهة لقانون "باتريوت آكت" الذي فرضته الحكومة الأميركية، بعد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول العام 2001.

اقرأ أيضاً: قانون "تنصّت" في فرنسا جديد يخيف المدافعين عن الخصوصية

كما عبّرت شركات متخصصة عدة في منصّات المعلومات بشبكة الإنترنت، عن معارضتها لهذا القانون، تحديداً البند المتعلق بوضع "علب سوداء" في المنصّات لتسجيل المعلومات وأرشفتها، الذي سيربك علاقاتها مع الزبائن، ويضرّ بمصداقيتها لدى المستخدمين. وحاولت الحكومة الفرنسية طمأنة الجميع، معلنة أن "اللجوء إلى التجسس الإلكتروني سيكون مقنناً بإشراف حكومي، وبإذن خاص من مكتب رئيس الوزراء".

كما أعلنت عن عزمها استحداث هيئة مستقلة، سيُطلق عليها اسم "اللجنة الوطنية لمراقبة التحريات الأمنية"، مهمتها مراقبة طريقة استخدام الأجهزة السرية للوسائل التكنولوجية في التحقيقات، والحرص على عدم انتهاكها للحريات الشخصية، إلا أن هذه التطمينات الحكومية تقنع الكثيرين. غير أن الحكومة الفرنسية وضعت كل ثقلها دفاعاً عن المشروع، وقام رئيس الوزراء مانويل فالس، بعرضه أمام البرلمان برفقة وزير الداخلية برنار كازنوف ووزيرة العدل كريستيان توبيرا، في 13 أبريل الماضي.

ودافع فالس عن المشروع بشراسة لافتة، منتهزاً فرصة الصدمة العنيفة التي خلفتها اعتداءات باريس الأخيرة في يناير/كانون الثاني الماضي. وعاد فالس مرة أخرى، بعد اعتقال الطالب الجزائري سيد أحمد غلام، والكشف عن مخطط اعتداءات كانت ستستهدف كنائس في ضاحية "فيل جويف" الباريسية، ليؤكد ضرورة تبنّي قانون الاستخبارات الجديد، من "أجل تمكين الأجهزة الأمنية من إحباط المخططات الإرهابية التي باتت تهدد فرنسا بشكل يومي".

إلا أن النقاشات البرلمانية حول المشروع أظهرت تباينات عميقة بين نواب الغالبية اليسارية الحاكمة والمعارضة اليمينية. وتبيّن أن العديد من النواب منقسمون بين مؤيد ومعارض للمشروع حتى داخل الأحزاب نفسها، ففي أوساط المعارضة، وعلى الرغم من إعلان رئيس حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، موافقته المبدئية، أعلن عدد من النواب اليمينيين البارزين تحفّظهم الشديد، وعلى رأسهم بيار لولوش وبرونو لومير وهنري غيون وباتريك ديفيدجيان.

أما بالنسبة للغالبية اليسارية، فقد أعلن نواب من حزب "الخضر" و"جبهة اليسار"، رفضهم الكامل لمشروع القانون، تحديداً في الشقّ المتعلق بالتجسس على السجناء والمراقبة الإلكترونية للحسابات الشخصية، وأعلنوا عزمهم التصويت ضده.

وفي بادرة تعكس الأهمية القصوى لهذا المشروع، أعلن الرئيس فرانسوا هولاند قبل حوالي أسبوعين أنه "سيلجأ إلى المجلس الدستوري، أعلى هيئة قضائية في البلاد، للحصول على ضمانات بشأن ملائمة بنود القانون الجديد للدستور الفرنسي، وقطع الطريق على أي عرقلة نيابية للمصادقة عليه"، خصوصاً أن نص القانون سيمرّ عبر مجلس الشيوخ نهاية الشهر الحالي، بعد التصويت عليه في البرلمان.

وعلى الرغم من الانتقادات والتحفظات البرلمانية، فمن المتوقع أن يتم التصويت غداً لصالح مشروع القانون الجديد، بغالبية مريحة، وخصوصاً أن عدداً من نواب المعارضة اليمينية، أعلنوا عن "تحالفهم مع النواب الاشتراكيين، من أجل قانون يرون فيه خدمة للمصالح العليا للبلاد في حربها ضد الإرهاب". وتُنظّم جمعيات حقوقية معارضة للقانون، تظاهرة أمام مقر مجلس النواب في باريس غداً.

اقرأ أيضاً هولاند في الرياض: قمة خليجية وتقارب فرنسي سعودي