في المجتمع المغربي كما هي الحال في مجتمعات أخرى، ثمّة نساء "معلّقات". هنّ لسنَ مطلّقات ولا يُمكن وضعهنّ في خانة المتزوّجات، ويواجهنَ مصيراً غامضاً على خلفيّة ظروف اجتماعية وأسريّة حكمت عليهنّ عيش مرارة تلك التجربة. ولعلّ أبرز تلك الظروف اختفاء الزوج لأيّ سبب من الأسباب، أو هجره المنزل مدّة من الزمن، أو فرار الزوجة بنفسها من براثن الزوج، وغيرها من الحالات.
فاطنة، في الأربعين من عمرها، تجهل منذ بضعة أشهر مكان زوجها بعدما هجر المنزل على خلفية الأجواء المتوترة في قلب العائلة نتيجة عدم عثوره على عمل ثابت في البلاد. هو عامل بناء مياوم، لكنّه ونظراً إلى متطلبات الحياة وزيادة عدد الأبناء، راح يبحث عن مهنة تدرّ مالاً أكثر. لم يوفَّق، في حين أنّ مهنة البناء لم تعد تغري كثيرين بسبب الطلب الكبير عليها من طرف العاطلين من العمل الوافدين خصوصاً من القرى. وتحكي فاطنة لـ"العربي الجديد"، عن "وضعي الراهن كامرأة معلّقة... لا أنا متزوجة ولا أنا مطلقة"، مضيفة أنّ "خلافاتنا الزوجية بدأت بعد ولادة ابننا الرابع. وفي يوم، وجدت نفسي من دون زوج ولا معيل، بعدما استيقظت صباحاً لأجد رسالة صوتية منه يعلمني من خلالها بأنّه سوف يغادر المنزل ما دامت الحياة لا تطاق، وبأنّه قد يعود عند عثوره على عمل كريم أو وقد لا يعود. كان ذلك صدمة كبيرة ما زلت أعاني من جرّائها حتى اليوم".
وتتابع فاطنة أنّه "وصلتني أخبار أخيراً تفيد بأنّه هاجر بطريقة غير شرعية إلى إسبانيا للعمل في الزراعة هناك"، من دون أن تخفي استغرابها من كونه "لم يتّصل بي لمعرفة أحوالي أو على الأقل السؤال عن أبنائه". وعن تعامل محيطها القريب مع وضعها المستجد، تقول فاطنة إنّ "أسرتي تحاول أن تعوّض غياب زوجي، لكنّ ذلك لا ينجح. كذلك من الصعب أن تعيش المرأة من دون ورقة طلاق في يدها". لكنّها تؤكد أنّها "على الرغم من كل شيء ما زلت أنتظر مكالمة هاتفية من زوجي يعلمني بعودته أو بقرار تطليقي".
أمّا نعيمة فلا تخفي عن "العربي الجديد" معاناتها النفسية والاجتماعية، قائلة إنّ زوجها هرب بسبب خلافات لم ترغب في الكشف عنها، لكنّه "بعد مغادرته المنزل من دون تطليقي جعلني أعيش في دوامة". وتشرح أنّ "أولى المشاكل التي لاقيتها كانت من طرف أسرة زوجي، خصوصاً والدته التي صارت تتّهمني بأنّني السبب وراء هروب ابنها واختفائه. ووصل بها الأمر إلى درجة اتهامي بممارسة السحر والشعوذة من أجل ذلك حتى أفعل ما يحلو لي. وقد أدخلتني تلك الاتهامات والمواجهات مع حماتي في حالة اكتئاب". أمّا المشكلة الثانية، بحسب نعيمة، فكانت "مع أسرتي وجاراتي. الجميع راح ينصحني بطلب التطليق للغيبة ويشجّعني على الزواج بعد ذلك من رجل آخر أستعيد معه أنوثتي وحياتي المسروقة. لكنّ ثمّة أشخاصاً راحوا يطلبون منّي الصبر والتريّث من أجل ابني الصغير، حتى لا يعيش مع رجل قد يسيء معاملته".
ما روته فاطنة ونعيمة أمر يتكرر في أسر مغربية كثيرة، ترى الزوجات فيها أنفسهنّ معلّقات، غير أنّه لا يمكن تحديد عدد هؤلاء النساء نظراً إلى غياب الإحصائيات الرسمية في هذا السياق. ومثل تلك الحالة، تعانيها مغربيات أزواجهنّ في السجون، فهنّ لا يستطعنَ العيش كمطلقات ولا يمارسنَ حياتهنّ كمتزوجات.
في السياق، يقول الباحث في الشؤون الأسرية عبد الصمد أوشين لـ"العربي الجديد"، إنّ "نظرة المجتمع هي التي تفاقم معاناة تلك الفئة من النساء، من خلال تعابير وأوصاف، من قبيل المرأة المعلّقة، أو من خلال اتهامها بأنّها لو كانت خيّرة لما هجرها زوجها وتركها معلّقة". يضيف أوشين أنّ "المرأة التي تُنعت بالمعلّقة لأسباب مختلفة، تعاني كثيراً عندما يُسأل عن زوجها ووالد أطفالها سواء في المدارس أو الإدارات"، مشيراً إلى أنّ "التلاميذ في المدارس يتباهون بحضور آبائهم، في حين يجد أولاد المرأة المعلّقة أنفسهم من دون جواب واضح عن مصير أبيهم... فلا هو حيّ ولا وميت بالنسبة إليهم".
من جهته، يوضح الباحث القانوني زكرياء المسمودي لـ"العربي الجديد"، أنّ "المعاناة تكون كذلك قانونية، إذ إنّ المرأة تجد نفسها غير قادرة على إنهاء إجراءات قانونية أو إدارية، ويمكنها بالتالي طلب التطليق لضرر الغياب عليها وفق المادة 104 من قانون الأسرة". يضيف المسمودي أنّه "يتعيّن توفير شهود يثبتون غيبة الزوج غيبة انقطاع واتصال، وبأنّه لا علم عنه ولا خبر ولا مكان وبأنه لم يعد من غيبته. بالتالي يحكم القاضي بالتطليق، آخذاً بالاعتبار أنّ أركان الزواج غير مستوفاة، لأنّ الزوج لا ينفق على زوجته ولا يعاشرها ولا يلبّي حقوقها عليه، فضلاً عن الأضرار المادية والمعنوية التي تسبّبت بها غيبته وحالتها كامرأة مهملة ومعلّقة".