يشهد اقتصاد ليبيريا انتكاسة تشبه "النزيف"، و"حمى" من ارتفاع الأسعار، في ظل استمرار الدولة الواقعة في غرب أفريقيا في إغلاق حدودها، جراء معركة شرسة تخوضها ضد الفيروس القاتل، إيبولا، المسبب للحمى النزفية.
وارتفعت أسعار السلع وأجور النقل إلى مستويات غير مسبوقة، وسط فشل الحكومة التام في السيطرة على موجة الارتفاع.
الأرز، الذي يمثل الغذاء الرئيسي لسكان البلاد، تتأرجح أسعاره غالبا، فيما تأخذ حاليا في الارتفاع، حيث تباع عبوة الأرز زنة 25 كلج بنحو 20 دولارا، وهو ما يعتبر سعرا باهظا للغاية في بلد يعيش فيه نحو 70 في المائة من السكان على دخل أقل من دولار واحد يوميا.
وشوهد ميسورو الحال في ليبيريا يقبلون على شراء كميات كبيرة من الأرز، خشية ارتفاع محتمل في سعره خلال الأيام المقبلة.
وقال جيمس جباركوياه، وهو من سكان مونروفيا: "جئت لشراء 10 أكياس من الأرز، لتخزينها، لأننا لا نعرف، في الوقت الراهن، ما إذا كان السعر سيرتفع بسبب إغلاق الحدود".
وحذر من أن الليبيريين سيموتون من الجوع، وليس من إيبولا، إذا استمر إغلاق الحدود خلال الشهرين المقبلين.
وأيدته أميليا سميث، وهي من سكان العاصمة الليبيرية، وأم لستة أطفال، قائلة: "صحيح أن إيبولا، ينتشر في ليبيريا، ولكن عندما ينتهي مخزون الأرز في المتاجر، ولا يستطيع الفقراء شراء نصف كيس منه نظير 2000 دولار ليبيري (23.4 دولار أميركي)، ستقتل المجاعة الليبيريين". وأعربت عن رغبتها في أن تستورد حكومة بلادها المزيد من الأرز، حتى ينخفض سعره في الأسواق المحلية.
وإلى كثير من الليبريين، انضمت أميليا، في الجأر بالشكوى من أن الحياة أصبحت صعبة في بلادهم، في ظل استيراد كميات قليل من البضائع من الدول المجاورة، واستمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما اضطر السكان المحليين إلى شراء السلع المتوفرة محليا مهما كلف الأمر.
كما تضرر قطاع النقل المحلي أيضا بشدة، جرّاء تفشي إيبولا، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل في جميع أنحاء البلاد.
وطالبت وزارة النقل سائقي سيارات الأجرة المحلية، (التاكسي)، بتحميل أربعة ركاب فقط (ثلاثة على المقعد الخلفي وواحد في المقعد الأمامي إلى جوار السائق)، بدلا من خمسة كالمعتاد في محاولة لمنع انتشار العدوى.
وفي المقابل، يشتكي سائقو سيارات الأجرة، الحافلات، من أنهم لم يعودوا يكسبون ما يكفي من المال، في ظل انخفاض عدد العملاء، وزيادة الأسعار.
وقال "صموئيل محمد"، وهو سائق سيارة أجرة، إن "العثور على العميل ليس من السهل الآن، لقد توقفنا عن الربح، منذ طلبت الحكومة منا أن نحمل ثلاثة ركاب على المقعد الخلفي فقط".
وأشار محمد إلى أنه اعتاد أن يربح 3000 دولار ليبيري (35.5 دولار أمريكي) يوميا، ولكن أصبح من الصعب بالنسبة إليه، كسب المبلغ نفسه الآن، حيث يستمر الركاب في الشكوى له ولزملائه السائقين من ارتفاع تكلفة النقل.
وعندما اتخذت الحكومة قرارا يقضي بإلزام سائقي سيارات الأجرة (التاكسي) بنقل ثلاثة ركاب على المقعد الخلفي فقط، قالت إنها تريد تقليل الاتصال الجسدي بين هؤلاء الركاب.
من جانبه، قال وزير المالية في ليبيريا، أمارا كونيه، إن تفشي إيبولا في بلاده أفضى إلى تباطؤ عمل القطاعين العام والخاص.
وأضاف كونيه أن المؤسسات التي تديرها الدولة، تعمل بالحد الأدنى من عدد الموظفين في الوقت الراهن، بعد مطالبة غير الأساسيين منهم بالبقاء في المنزل، وأشار إلى أن شركات الطيران الكبرى، علقت بالفعل رحلاتها إلى ليبيريا.
وأوضح الوزير أن أزمة إيبولا لها عدة آثار على الاقتصاد الليبيري، بعد أن فرضت مزيدا من ضغوط الإنفاق على الحكومة، فضلا عن تراجع الأنشطة الاقتصادية.
وأشار إلى أن الأنشطة الاقتصادية، مثل إنتاج الأغذية، والتعدين، وصناعة الضيافة (الفندقة)، وخدمات النقل، تباطأت نتيجة إيبولا.
ولفت كونيه إلى أن الشركات تخفض كل عملياتها، في حين يغادر المستثمرون ليبيريا، خوفا من الفيروس القاتل.
ونوه الوزير إلى أن صناعة التعدين، وقطاعي الزراعة والخدمات سيتحملان وطأة أزمة إيبول مع استمرار تدهور الاقتصاد.
وتوقع المسؤول الليبيري تراجع دخل ليبيريا القومي بنسبة 15.2 في المائة، من 243.8 إلى 206.7 مليون دولار خلال السنة المالية 2015/2014.
وقال إن "مطار روبرتس الدولي"، أحد مصادر الدخل الرئيسية في البلاد، يخسر الملايين الآن بسبب تعليق الرحلات إليه من قبل معظم شركات الطيران.
ونوه وزير النقل إلى أن "الرسوم الإدارية ورسوم إصدار تصاريح الإقامة والتأشيرات ستتراجع"، مبررا ذلك بتعليق الرحلات الجوية إلى ليبيريا، من قبل شركات الطيران الدولية.
وكانت الخطوط الجوية الكينية، ونظيرتها الملكية المغربية، من بين العديد من شركات الطيران، التي أعلنت أنها ستعلق رحلاتها إلى ليبيريا.
وعلى الرغم من ذلك، واصلت الخطوط الجوية الفرنسية والبريطانية والبلجيكية رحلاتها إلى ليبيريا، لكنها تفحص المسافرين المغادرين.
وأودى فيروس إيبول بحياة 1552 شخصا في الدول الأكثر تضررا في منطقة الغرب الافريقي،(غينيا كوناكري، ليبيريا، سيراليون، ونيجيريا)، من أصل 3069 حالة مصابة بالمرض، حسب أحدث تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر الخميس الماضي، دون احتساب الوفيات المسجلة في الكونغو الديمقراطية، التي لم يشملها التقرير.
وكانت الموجة الحالية من الإصابات بالفيروس قد بدأت في غينيا في ديسمبر/كانون الأول 2013، وامتدت إلى ليبيريا، ونيجيريا، وسيراليون، لتصل، مؤخرا، إلى الكونغو الديمقراطية والسنغال.
وإيبولا من الفيروسات الخطيرة، والقاتلة، حيث تصل نسبة الوفيات من بين المصابين به إلى (90 في المائة)، وذلك نتيجة لنزيف الدم المتواصل من جميع فتحات الجسم، خلال الفترة الأولى من العدوى بالفيروس.
كما أنه وباء معدٍ ينتقل عبر الاتصال المباشر مع المصابين من البشر، أو الحيوانات عن طريق الدم، أو سوائل الجسم، وإفرازاته، الأمر الذي يتطلب ضرورة عزل المرضى، والكشف عليهم، من خلال أجهزة متخصصة، لرصد أية علامات لهذا الوباء الخطير.