بعد 5 أعوام على مشاركته في فيلمٍ، خاطب ممثّلٌ مُخرجًا: "أنت لستَ صديقي. عملتُ بإدارتك في فيلمٍ. تحمّلتُ إبّانها عناء التنقّل ومصاريفه إلى مواقع التصوير بإمكاناتي ووسائلي الخاصة. وفي الختام، لم تأمر بتسليمي إلا نصف مستحقاتي المنصوص عليها في العقد. لن أغفر لك. واصِلْ جشعك. لن تصل".
كتب الممثل هذا الكلام بعد أعوامٍ على انتهاء التصوير. لم يندِّد بالظلم الحاصل في تلك الفترة. فسّرت ممثلةٌ محترفةٌ هذا التأخير بأنّ الممثلين يتغاضون غالبًا عن حقوقهم ليضمنوا استمرارية التعامل معهم في مشاريع أخرى. هناك ممثلون لديهم قابلية لنهبهم من المنتجين. في هذه الحالة، عندما خاب الأمل، كشف الممثل ما جرى، وحدّد أمانيه. الممثل كاتب هذا الكلام مشكوكٌ في وصوله هو أيضًا.
حينها، ردّ عليه المخرج المعني بما يلي: "المغرب هو البلد الوحيد الذي تجد فيه ممثّلاً أدّى دورًا في فيلم صُوِّر عام 1979، ودورًا صغيرًا في فيلم صُوِّر عام 1993، وتجده في المهرجانات كلّها". اتّهم المخرجُ الممثلَ بأنه "لص" ينبغي الحذر منه.
تكشف هذه الوقائع، المُعلَنة بعد أعوامٍ على حصولها، عن مرارة حدثت أثناء التصوير. لَكُم أن تتخيّلوا الوضع لحظة التصوير بين ممثل ومخرج.
بعد نهاية التصوير، كتب ممثل مغربي كبير على صفحته الفيسبوكية: "المُشخِّص هو المسؤول الأول عن العمل الفني أمام الجمهور، لكن في عقد العمل هو أول القتلى وآخر من يموت". مرارةٌ سببها النقود.
هذه عينة نزاع بارد يحصل لاحقًا. تقع نزاعات أخرى ساخنة في مواقع التصوير. عادة، قبل التوقيع، يتمنّى الممثل أو التقنيّ أن يعمل. يكونان ودودَين. يردّان على الاتصالات الهاتفية. يحضران في الموعد المحدّد. لكن، بُعيد التوقيع، يطلبان سيارة تأتي بهما. يحضران من دون تناول الفطور، فهما يريدان تناوله في فندق يجب ألاّ يكون تصنيفه أقلّ من 4 نجوم.
هذا تصرّف ممثل أو ممثلة أو مدير تصوير في الـ"بلاتو". بدل العمل، يحصل جدل واحتجاج، كأن ميزانية الفيلم هوليوودية. يتأخّر الممثل/ الممثلة/ مدير التصوير عن الموعد المحدّد، لأن المنتج لم يوفر لأي منهم سيارة "ليموزين". بدل أن يكون هؤلاء في خدمة الفيلم، يريدون أن يكون الفيلم في خدمتهم.
ممثل أو تقني واثقان أنهما أذكى من المخرج والمنتج معًا. يريان أن منصب وزير يلائمهما، فيتصرّفان كوزير. يتصرّفان وفقًا لسُنن يتمنّاها كل واحد منهما في المهنة، لا وفقًا لسنن المهنة التي يمارسانها. يصدر هذا السلوك عن أشخاص يعتقدون أنهم عباقرة، لكن ظروفهم وضعتهم حيث لا يستحقون. يعملون في مهن يعيشون منها لكنهم يحتقرونها جدًا.
يحضر مخرجٌ إلى موقع التصوير ويداه في جيبه فيرتجل. يُسبِّب الارتجال نزاعاتٍ لأن الممثل والتقني لا يعرفان ما المطلوب منهما بالضبط. الغموض يفرض الثرثرة، والثرثرة في موقع التصوير تُضعِف الممثل. ممثل في الـ"بلاتوه" يتصرّف كنجمٍ بدل التصرّف كجندي في فيلق. حين يصل متأخّرًا يتشاجر مع عاملة الماكياج لأنها لم تحافظ على بشرته، هو الذي مشى يوم أمس 3 ساعات في الشمس لشراء بعض الخضار. في الأداء يتسرّع فيخطئ في النطق أو النبرة بسبب عدم الحفظ أو ضعف التركيز. حين يطلب منه المخرج إعادة أداء اللقطة للمرة الثالثة، يرفض ويهدّد بالمغادرة. يُجادل ويغضب ويحتج، فيتدهور مستوى أدائه. الممثل المغربي، كاللاعب المغربي، يحتجّ طويلاً على الحَكَم فيحصل على إنذار.
الممثل يرفض كلّ توجيه من المخرج، لأنه يعتبر نفسه أنه يعرف أحسن من الجميع. بعد الجدل، لا يحفظ الحوار. يرتكب أخطاءً ويغيّر كلمات. الممثل الذي يتجادل قبل التصوير لن يدخل في الدور. يقدّم قشورًا أمام الكاميرا. يزيد عدد مرات تصوير اللقطات، وهذا مُنهِك ومُكلِف.
يقول البولندي زيغمونت هوبْنِر: "تتطلّب مرحلة التصوير قوة احتمال هائلة لا حدود لها" ("جماليات فن الإخراج"، ترجمة هناء عبد الفتاح، "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، القاهرة، 1993، ص. 185). لا تتوفّر هذه القوّة لكلّ من يقف في استديو التصوير، إنْ يكن ممثّلاً أو تقنيًا أو مخرجًا. النتيجة: بدل أن يُركّز الفريق الفني على تصوير الفيلم، يتورّط في مشاكل جانبية مُنهِكة للخيال ومضعِفة للتركيز. هذا يجعل الفيلم "لقطات ميكانيكية" لا تؤثّر في المُشاهد. في درس تكوين الممثل، قال المصريّ نور الشريف: "لا تغطّي على الكلمة بالحركة، ولا تغطّي على الحركة بالكلمة". حين يكثر النزاع، لن يتمكّن الممثل من تمييز كهذا.
النقود هي أصل الشرور كلّها. حين يبدأ التصوير، يُلمِّح الممثل أو التقني مرارًا إلى أن الأجر المتضمّن في العقد لا يناسب مقامهما، وأنهما يستحقان أكثر من ذلك (أيقصدان أنهما يريدان أجرًا كذاك الذي يحصل عليه براد بيت أو توم كروز؟). حين يعرفان المبلغ الذي يتقاضاه المنتج، يريدان الحصول على نصفه.
من أسباب النزاعات في الحقل السينمائي المغربي أيضًا تأخّر حصول شركات الإنتاج على مستحقاتها من التلفزيون أو من "المركز السينمائي المغربي". التقيتُ منتجة عريقة فحدّثتها بحماسة عن فيلمٍ، قبل انتباهي المتأخّر إلى أنها تجلس أمامي كأنها في عالم آخر. مُحبَطة. قالت إنها استسلمت، ولم تعد تقدِّم مشاريع، لأنها لم تعد تفهم منطق لجان اختيار السيناريوهات التي ستحصل على التمويل.
إذا التقى مخرج شاب هذه المنتجة ستنتقل إليه عدوى الإحباط، وسيشكّ في مشروع حياته.
حالة نزاع غريبة: طَالَب ممثلٌ بقراءة سيناريو الفيلم كلّه المزمع تصويره، بينما قدّم المخرج له المقطع الخاص به فقط. مخرج يخشى تسرّب حكايته، ولا يثق في ممثّله، ويريد أن يحصل منه على مردود طيب. يقول المخرج هوبْنر: "إذا لم يقم المخرج والممثلون بقراءات عديدة للنص نفسه، فإنهم يتعلّقون بالسطح دائمًا" (ص. 139).
هذا مخرج يتعامل مع قصّة فيلمه كسلعة مهرّبة. هذا يثبت قولاً للسوسيولوجي الأميركي وليام زارتمان مفاده أنّ كلّ مغربيّ هو في نزاع مع المغاربة الآخرين جميعهم. لهذا ثمن.
قبل وصول فيلم إلى الشاشة الكبيرة، وتقديمه في حفل افتتاحي فيمشي أصحابه على البساط الأحمر، تقع معارك ونضالات. كلّ نزاع في موقع التصوير كارثة تحلّ على الفيلم. لا معنى لإدارة الممثل في ظلّ النزاع، وحسب هوبْنر، فإنّ المخرج العدواني لا يمتلك روح الممثل.
من الأفضل أن يعرف العاملون في المجال السينمائي مدمني النزاعات ليتجنّبوا التعامل معهم مستقبلاً.