ندي حكيم: من زرع الأعضاء إلى نحت الرؤساء

لندن

كاتيا يوسف

avata
كاتيا يوسف
12 نوفمبر 2018
9CACE8B2-FD9F-44D3-AAE9-35260EE59523
+ الخط -
برع البروفسور اللبناني، ندي حكيم، المتخصص في زرع الأعضاء. وتحدّث عنه الإعلام الدولي بعد قيامه بأول عملية زرع بنكرياس في بريطانيا، ومشاركته فريق أطباء في زرع أول يد في العالم. بيد أنّ إنجازاته الطبية المميزة العديدة، لم تفتح له الأبواب التي دخلها عبر موهبة النحت التي بدأ بممارستها إلى جانب مهنته في الطب. النحت أوصله إلى رؤساء العالم، ووضع اسمه في أهم المتاحف العالمية. أحدث منحوتاته كانت لرئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الذي لم يجرؤ أحد على نحته من قبل. "العربي الجديد" التقت حكيم وأجرت معه الحوار التالي:

مهنة الطب وحدها كفيلة بأن تسرق منك كل الوقت وترهقك. حدّثنا عن الأثر الذي تخلقه موهبة النحت بداخلك؟
مهنة الجرّاح ليست سهلة في الواقع، لكنّها باتت كذلك بالنسبة لي. أعتبر النحت بمثابة موسيقى، شيء ممكن أن يريح نفسية الإنسان إلى أبعد حدود، حتى يتمكن من نسيان هموم الجراحة الصعبة التي قد تتخللها مشاكل أو مضاعفات معينة مع مريض. حين أدخل الأستوديو أنسى كل شيء وأحس كأني انتقلت إلى كوكب آخر. وقد أثّر النحت في بهذه الطريقة لأني أمارسه منذ خمسة وعشرين عاماً.

كم من الوقت تستغرق معك كل منحوتة تقريباً؟
كانت تستغرق ما يقارب الستة أو السبعة أشهر، أمّا اليوم، فتأخذ معي ستة أيام، لأني أمارس تقنيةً خاصة بي، وأعرف بالتحديد كم من الوقت ستستغرق كل منحوتة. بالطبع يبقى الطب والجراحة من أولوياتي، لكن كل شخص يحتاج إلى أمر آخر كي ينسى همومه. مثلاً منذ يومين سافرت إلى نيجيريا، واتّجهت من المطار فوراً إلى غرفة العمليات في أبوجا العاصمة، حيث أجريت أربع عمليات كبيرة. وحين عدت إلى المنزل، قمت بالنحت لمدة ثلاث ساعات تقريباً. وأعمل حالياً على نحت تمثال أتاتورك، بطلب من نائب في البرلمان التركي.

ما هي المنحوتة الأولى التي أنجزتها؟
هذا سؤال جميل، لأني أردت أن أصنع شيئاً يبقي أبي وأمي بيننا إلى أبد الآبدين، ففكرت في نحتهما كي يبقيا معنا. لذلك توجّهت إلى معهد النحت في عام 1995، ودرست هذا الفن لمدة أربع سنوات.

هل كنت تمارس مهنة الطب في الوقت ذاته؟
بالطبع، كنت جراحاً في خدمات الصحة الوطنية. بعد ستة أشهر من بداية تعلّمي للنحت، قال لي أستاذي هناك: "يوماً ما. (ولا أنسى هذا) الناس ستطلب منك الرؤوس". ربّما لأنّه انتبه إلى أمرٍ مميزٍ أقوم به في ذلك المجال. وهذا ما حدث بالفعل، أي اليوم بعد مرور 25 عاماً، أتلقى طلبات كثيرة، فضلاً عن منحوتات أقوم بها من تلقاء ذاتي مثل منحوتة "بابا روما". أمّا التي يطلب مني القيام بها فيدفع ثمنها، وهكذا يبقى هناك نوع من التوازن بين ما أدفع أنا قيمته، وبين ما يدفع لي.

هل هناك منحوتة معينة أدّت إلى شهرتك؟
نعم، هناك واحدة معينة، وهذا السؤال مهم أيضاً. أنا درست النحت في لندن، وأيضاً في إيطاليا في فلورنسا. ذهبت إلى معهد ليوناردو دافنشي، لأني أردت أن أنحت رأس ديفيد للفنّان الشهير مايكل أنجلو. أخبرتهم هناك أنني أريد القيام بذلك، ويبلغ ارتفاعه متراً ونصف المتر، وبقيت هناك من يوم الإثنين إلى يوم الخميس، أنهيتها في أربعة أيام. جاء البروفسور الإيطالي من خلفي آنذاك، وقال لي باللغة الإيطالية، أهنئك، ثلاث مرات، وأخبرني بصدق أنّه يعجز عن تصديق ما يراه.
هذه المنحوتة ساهمت في شهرتي، لأنّه من كثرة حب الإيطاليين لها، طلبوا مني تقديمها إلى متحف "مونتركي" في فلورنسا، وهي موجودة اليوم كنسخة عن نحت مايكل أنجلو باسمي.

هل هذه المنحوتة سبقت تلك الخاصة بـ"بابا روما"؟ وماذا نحتت بعدها؟
نعم من قبل. ثم قمت بنحت بوتين، وكتبت رسالة إليه، فاتصلوا بي من السفارة الروسية، وبانتظار تلقي دعوة لزيارة الكرملين. كما قدّم لي السفير الروسي، ياكوفنكو، هدية تعبيراً عن شكره. والأمر ذاته حدث مع إيمانويل ماكرون (الرئيس الفرنسي)، حيث تتواجد منحوتة رأسه في الإليزيه، فضلاً عن رسائل شكر عن منحوتة بابا روما وتيريزا ماي وغيرهم.

ألم تخش ردة فعل كيم جونغ أون على المنحوتة؟
لا، لم أخف، وقمت بنحته، حين استيقظت ذات صباح ورأيت صورته في الجريدة، وهو يضحك بعد أن أرسلت كوريا الشمالية صاروخاً وقتها فوق بحر اليابان. وبعدها أرسلت إيميلاً إلى السفير، والذي أجابني متسائلاً: "لماذا قمت بنحت رئيسنا؟" وكأنّه يقول لي من سمح لك بنحته؟ وما كان مني إلاّ أن أجبت لأني أحترمه كثيراً، كونه درسٌ أو مثالٌ لكل شخص يسعون إلى تحطيمه ويرفض الخضوع. أعجب السفير بجوابي، وزارني في الأستوديو مع شخصيات رسمية. وبعد مضيّ شهرين أو ثلاثة، سافرت في سبتمبر/أيلول مع ابني إلى كوريا الشمالية بدعوة من الحكومة، وقدمت المنحوتة إلى وزير التربية. وبعدها ألقيت محاضرة عن زرع الأعضاء في أكبر جامعة هناك. وقريباً، توضَع المنحوتة في أكبر متحف في كوريا الشمالية، كونها المرة الأولى التي يقوم شخص بنحته، ولم يجرؤ أحد على القيام بذلك. نحتوا الأب والجد، لكن ليس هو.

ما هي ردود الفعل العالمية حول منحوتة رئيس كوريا الشمالية بعد الحديث عنها في الإعلام؟
بعد عودتي من كوريا الشمالية، وصلني إيميل من سفير كوريا الجنوبية، يدعوني إلى تناول الغداء في السفارة. فوجئت، ويبدو أنّهم قرأوا في الجريدة أنني كنت في كوريا الشمالية. وافقت على الدعوة. لكني أبلغت سفير كوريا الشمالية بالأمر، إذْ ضحك وقال لي اذهب واستمتع بالغداء. كل هذه الأمور بدأت مع النحت، وهذا الأمر غريب، فالنحت فتح لي أبواباً لم يكن ممكنا الوصول إليها لا عبر عملي كجراح أو غيره.


هل طموحك أن تصل إلى جميع متاحف العالم؟
أعتقد أن هذه الأمور تحصل من دون القيام بمجهود شخصي، حيث أصبحت منحوتاتي في الإليزيه و"داوننغ ستريت". كذلك قمت بنحت ديفيد كاميرون، منذ أربع أو خمس سنوات، وأخذها حزب المحافظين ووضعت في مزاد علني، وبيعت بمبلغ 90 ألف باوند، ومنحوتة الملكة موجودة في قصر باكنغهام، وقد أنجزتها في عام 2004، وكتبت لي رسالة تخبرني فيها أنّها وضعتها مع مجموعتها الملكية الخاصة بها.

هل قمت بنحت أي شخصية عربية؟
مؤخّراً، أنجزت منحوتة ميشال عون، رئيس الجمهورية اللبنانية، وقدّمتها له في بعبدا، فعبّر عن سعادته بها، كما أرسل لي مكتوباً لطيفاً يقدّر فيه عملي. وقمت بنحت الرئيس الراحل رفيق الحريري، حيث أنجزت نسختين؛ قدمت واحدة لابنه سعد، والثانية إلى ابنه بهاء، هنا في لندن، ووضعها بهاء في غرفة نومه، وأخبرني أنّه كلما استيقظ في الصباح يرى والده إلى جانبه.


(تصوير: أحمد الداوودي)
دلالات

ذات صلة

الصورة
طلاب الداخل الفلسطيني يجتازون إمتحان ترخيص الطب (العربي الجديد)

مجتمع

اجتاز المئات من الطلاب العرب من فلسطينيي الداخل امتحان الترخيص لممارسة مهنة الطب، لتعم الاحتفالات في البلدات العربية التي تشهد إقبالاً واسعاً على مهنة الطب في العقدين الأخيرين، وينتظر عشرات الطلبة نتائج الاستئناف على النتائج.
الصورة

مجتمع

أعلنت الهيئة المانحة لجائزة‭‭‭‭ ‬‬‬‬نوبل، الاثنين، فوز عالمين أميركيين وعالم بريطاني بجائزة نوبل للطب لعام 2020، لجهودهم في اكتشاف فيروس التهاب الكبد الوبائي (سي) والذي يصيب الكبد بالتليف والسرطان.
الصورة
وسيم بقاعي/العربي الجديد

منوعات

يحيط الفنان الفلسطيني وسيم بقاعي (1984)، نفسه بالخردة والحديد، ويحوّلها إلى قطع فنية. هذا الهوس بتجميع المواد الفولاذية رافقه منذ طفولته. وقتها كان يقوم بتفكيك الهدايا التي يتلقاها من عائلته، ويستخرج منها المعادن
الصورة
الدكتور فيليب سالم في بريطانيا 1 - مجتمع

مجتمع

الدكتور فيليب سالم، الطبيب والباحث في مجال أمراض السرطان، يُعَدّ مميّزاً بين نظرائه. بالنسبة إليه المريض ليس مجرّد رقم وهو في حاجة إلى أكثر من المعرفة. وفي خلال وجود سالم بلندن لإطلاق كتابه الجديد، التقاه "العربي الجديد" وكان هذا الحديث.
المساهمون