ويوم الجمعة 18 أكتوبر/تشرين الأول، كان الموضوع الذي حضره جمهور عريض ضاقت به قاعة المحضرات، عن "التطرف"، الموضوع القديم والمتجدّد، باستمرار، الذي استمدّ، للأسف، راهنيته من الجدل الدائر حالياً، بعد اعتداء محافَظة الأمن.
وباقتدار، قدّم الباحث سلام كواكبي، وهو مدير المركز، للجمهور، الباحث فرانسوا بورغا. وتحدث سلام كواكبي عن مؤلفات بورغا، ومنها "فهم الإسلام السياسي"، مشيراً إلى بعض مؤلفاته التي أصبحت من كلاسيكيات الميدان الذي اشتغل فيه طوال حياته المهنية. ثم قدَّم موضوع المداخلة وهو "الراديكالية وفرنسا"، أي الطريقة التي تدير بها الدولة الفرنسية أو المؤسسات العمومية الفرنسية مسألة الراديكالية.
عبّر الباحث بورغا عن سعادته بالدعوة، ثم بدأ موضوع مداخلته، التطرف أو الراديكالية، مؤكّداً أنه سيتناوله باستحضار المسكوت عنه، أي راديكالية الآخر، الراديكالية الإسلامية. وقال: "سأتحدث عن الراديكالية. إنها ليست خطيئة الآخر، إنها مَسارٌ مُعقَّدٌ يحتاج من أجل أن ينتج نفسَه، إلى شريك. إذ نحن لا نتطرف وحدنا، بل نتطرَّف ضدّ خلل وعطل ما". وأضاف: "إن شخصاً مَا يكون في طور التطرف حينما يمتلك مخيالاً ثنائياً ومثيراً للفرقة، وصراعيّاً".
واعتبر أن برمجيات التحليل الذي يعتبره موضوعياً، لظاهرة التطرف، موجودةٌ، لكنها "لا تصل ولا تجتاز حدود ميزان القوى السياسية، بل تقف عند حدود المتاهات". أضاف: "واثق أن (الرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون إذا كان حاضراً، فلن يقول إن بورغا يقول تفاهات، ولكني واثقٌ أيضاً بأنه عند مغادرته للقاعة سيواصل تنفيذ العكس، تماماً، لأن المتغيّر الذي سيتدخل هو متغير الانتخابوية".
وتابع: "هذا الموضوع كنتُ قد اقترحته على سلام كواكبي، قبل أحداث محافظة الأمن في باريس، وأصبحت المحاضرة بعد ذلك أكثرَ بساطة، وما يجعلها كذلك هو درجة وضوحها ورسميَّتِها ومأسَسَتِها لقصور النظرة السياسية واختلالاتها في هذه الظاهرة، مضيفاً أنه قبل هذا الاعتداء كانت توجد اختلافات، والآن، لا شيء. الجميع متفق. إذاً، فأحداث محافظة الأمن سهَّلت عليَّ عملي، وبرهنتي.
وقال: "ما الذي وضَّحَته؟ وضَّحت الوضع الفرنسي الدائم في مواجهة الغيريَّة الراديكالية. ويتعلق الأمر بوضع قناع، خلف انحراف تديُّن الآخَر، والقصور السوسيو-سياسي، الداخلي والخارجي، الذي تُعتَبَر فرنسا منخرطة فيه بشكل واسع".
وخلص إلى أن الميل الفرنسي بالَغ في أدْلَجَة تشفيره لسبَبِيّة العداء الذي نواجهه في العالَم، والذي هو سياسي، بشكل عادي جداً. المَيل الفرنسي في الخلط بين اللون الثقافي للمعجم المستخدَم للتعبير عن العداء. إننا نركّز على "كيف هو التطرف"، من أجل التنفيس عن عجزنا المطلق عن مواجهة "لماذا؟".
ثم تطرق إلى تصريحات سابقة لماكرون، قبل وصوله إلى الإليزيه تركت أثراً في نفسه، ولكن ماذا حدث في الخمسة عشر يوماً الأخيرة؟
قال: "لقد كنَّس ماكرون بشكل كامل المتطلَّبات التي عرَضها حين كان مرشَّحا للرئاسيات. كنَّس في 8 أكتوبر/تشرين الأول، بشكل كامل، فكرةَ تحمُّلِنا جزءاً من المسؤولية: "لا يوجد سوى عدوٍّ واحدٍ، رصّوا الصفوف، لنكوّن كتلة واحدة، إنه الإسلام الراديكالي"، لقد رفع المتغير الأيديولوجي باعتباره بداية أفق تفكيرنا ونهايته". وأضاف: "صحيح أن التصلّب المعادي للإسلام يَعبُر كل أوروبا، ولكن في هذا الانزلاق، توجد فرنسا في القمة، في طليعة الجميع. وثمة من يَعتبرنا، من باب السخرية، من سكان المرّيخ، خاصة في العالم الأنجلو-ساكسوني".
وهذا التميز السلبي الفرنسي يمكن أن نعزوه إلى عدة أسباب، منها مسارنا الثوري (الثورة الفرنسية)، في نظرة التحدي إلى المعتقد الديني، بحيث جعلنا من الدين العدوّ، أو بالأحرى، الكنيسة، على عكس العالم الأنجلو-ساكسوني، على حدّ قول بورغا.
ويعود الباحث إلى مثال الشخص المتلفّظ بعبارة: "باسم الله، لنتوَجَّه إلى الشغل"، حيث يجري التركيز، فقط، على عبارة "باسم الله"، دون تتمة الجملة، والعمل الذي سيقوم به هذا الشخص لن يكون جيداً لأنه يقوم به من خلال تعبئة عنصر من عناصر تراثٍ لا أعترف بانتمائه إلى التراث العالمي، أي الفرنسي.
وتابع: ثانياً، صيغة العلاقة الكولونيالية، وهنا وجدت أنفسي أصطدم بزملاء، قال أحدهم: "إنهم (أي الشباب المتطرف) لم يعرفوا الاستعمار". نحن إزاء خاصية فرنسية متميزة، فالأنجلو-ساكسونيون سيبحثون في السيطرة على طريق سير السلع والمواد، ولن يبحثوا مسألة تعليم المستعْمَرين "أجدادنا الغاليين"، كما فعل الفرنسيون.
ونعود الآن إلى الراهن. حيث آذان مواطنينا الفرنسيين مقطوعة عن سماع كل نظرة نقدية لما نفعله. ونحن مُسمَّمون ومنتشون بإعادة خطاباتٍ تقول ما نوَدُّ سماعَه.
وقال: أخيراً وصل المتدخل إلى "طرق العمل"، وكانت لديه لفتةٌ إلى الإعلام الفرنسي، حيث 90 في المائة، يعيد إنتاج ما هو سائد، بينما توجد بعض الواحات التي أفلتت من "متلازمة زمّور".
ثم استعرض الأصوات التي تصل إلى آذاننا في ما يخصّ الظاهرة الإسلامية، وهي اليسار العربي ثمّ الأقليات الطائفية ثم المستبدون العرب، ولا يقتصر الأمر على مستبدين مسنّين رحل معظمهم، بل وينطبق الأمر على الجدد، ومن بينهم محمد بن سلمان. ما الذي فعله "مبس"؟ لم يفعل أي شيء أصيل، سوى تغيير البرمجيات وتبنى برمجيات مستبدّي شمال أفريقيا، قال لنا: "اعتمدوا عليَّ، وسأصنع مسلمين معتدلين".
وشدد الباحث الفرنسي الكبير على أن "الثورة المضادة العربية تَرْكَبُ موجة الإسلاموفوبيا الأوروبية". يتساءل: "ما السبب الذي يجعل هذه الثورة العربية المضادة في حاجة إلى إسلاموفوبيتنا؟ الجواب: التيارات السياسية التي تهدّدها هي تيارات الإسلام السياسي".
ثم جاءت هذه الخلاصة المثيرة: "حين نسمع "إسلام سياسي"، نحن الفرنسيين، نسمع فقط إسلام إسلام إسلام، ولكن مستبدّي الشرق الأوسط يسمعون، فقط، سياسي سياسي سياسي".