01 مايو 2016
نحو تبييض المعارضة السورية
استعرتُ هذا العنوان (تبييض المعارضة) من جريمة اقتصادية معروفة، اصطلح على تسميتها بجريمة "تبييض الأموال"، أو "غسيل الأموال"، فحواها أنه عندما تكون هناك أموال غير شرعية، ناجمة عن جرائم معينة، كالاتجار بالمخدرات والفساد الإداري واستغلال السلطة، يعمل أصحابها على رفع الشبهة عنها بإدخالها في الدورة الاقتصادية بطرق احتيالية، بحيث تبدو بعدها وكأنها أموال شرعية معروفة المصدر. وهذه العملية، أي شرعَنة الأموال الناجمة عن جريمة، وليس الجريمة بحد ذاتها، هي ما يُسمّى تبييض أو غسيل الأموال، وكأن شيئاً كان متسخاً أو مسودّاً وجرى تبييضه، وستتضح لاحقاً علاقة ذلك بموضوعنا.
ترتفع، حالياً، أصوات السوريين، بعد أن أعيتهم الحرب المديدة القذرة التي تُخاض في بلادهم وعليها، وبعد أن أدركوا حجم الكارثة التي حلت بهم، واكتشفوا حقيقة اللاعبين وأدوارهم فيها، وبعد أن تيقنوا أن أحداً في العالم لا يبالي بمأساتهم، وأن الجميع يستغلها ويجيّرها لمصالحه، وأن الضمير العالمي كذبة كبرى، وأصدقاء الشعب السوري كذبة أكبر، وأن الرايات السود أصبحت سيدة الموقف على الأرض، على حساب علم وطني بالكاد بات يُلحظ. ترتفع أصواتهم الآن مطالبة أصحاب الشأن في المعارضة بالقيام بعمل وطني جماعي كبير ومختلف، ينقذ ما يمكن إنقاذه من بشر وحجر، فيما تبقى من الوقت الضائع. لذلك، برزت أفكار ومبادرات عديدة في هذا الاتجاه، تدعو في معظمها إلى مؤتمر وطني عام، يضم أوسع طيف ممكن من قوى المعارضة السياسية والعسكرية، يقطع مع مرحلة التشرذم والخلافات والتنابذ والتناحر، ويطلق مرحلة جديدة من التعاون والتعاضد والتوافق على برنامج وطني، واضح المعالم والرؤية والأهداف، يضع مصلحة السوريين ومعاناتهم ومستقبلهم وطموحاتهم فوق كل اعتبار، ويعيد لقوى الثورة والمعارضة دورها المُصادر، أو المَتروك، في تقرير مصير أهلهم ووطنهم.
هو مطلب حق بلا شك، وهو خيار السوريين الوحيد، وهو ما يجب أن يحصل اليوم قبل الغد، إذ لا شيء أكثر أهمية على توحيد الصف والكلمة. لكن، على هذا العمل أن ينجح هذه المرة، كي لا نضيف قصة فشل جديدة إلى سجلنا المثقل بالفشل، ونضيف خيبة وإحباطاً جديدين إلى سوريين أتخموا خيبةً وإحباطاً، ونخسر فرصة ربما تكون الأخيرة لفعل شيء مفيد ومؤثر. وللنجاح شروط، لا بد من حيازتها بداية، في مقدمتها أنه على من سيتصدى لمثل هذا العمل أن يحوز حداً أدنى من الشرعية، أي حداً أدنى من ثقة واعتراف جزء وازن من السوريين. وهذا غير متوفر الآن، فالسواد الأعظم من المعارضين ضيعوا هذه الثقة، بسبب أدائهم المتواضع خلال الثورة، وما ارتكبوه من أخطاء وخطايا، آذت ثورتهم أكثر مما ساعدتها، وساعدت أعداءهم أكثر مما آذتهم، فما العمل إذن، وهذه حالنا وهؤلاء هم معارضونا؟
أعتقد أن المخرج يمكن أن يكون عبر عملية تبييض للمعارضة، تشبه عملية تبييض الأموال، بمعنى تخليصها مما علق بها من أخطاء، وإعادة تأهيلها مجدداً للخوض في معترك العمل السياسي المنتج، أي الفاعل والمؤثر على أرض الواقع، بعد أن أصبحت خارج دائرة التأثير، بلا وزن ولا قيمة.
وتتطلب عملية التبييض (حيازة الشرعية مجدداً) من المعارضين، بداية، إجراء مراجعة نقدية موضوعية مسؤولة لأدائهم السياسي في السنوات الماضية، والاعتراف بفشلهم وأخطائهم ومقدار مسؤوليتهم عما وصلت إليه الحال، ومصارحة الناس بشفافية وصدق وتواضع وشجاعة بحقائق الأمور، مهما كانت، مع إظهار القناعة والرغبة الصادقتين في التغيير. وستكون هذه الخطوة مقدمة لا بد منها لطمأنة الناس، ونيل ثقتهم مجدداً، وهو بالضبط ما اصطلحنا على تسميته "التبييض".
لا تنتهي القصة هنا طبعاً، بل هي بداية الطريق وحسب، فما التبييض سوى رخصة جديدة للعودة إلى ساحة العمل السياسي. لكن، يبقى الأهم ما سنفعله مجدداً في هذه الساحة، فالناس لا تمنح رُخصاً دائمة لأحد، ولا حتى رخصاً محددة الزمن، وعادة ما تسحبها عندما يرتكب هذا الأحد خطأ فادحاً، خصوصاً إذا كان من أصحاب السوابق، وممن جرى تبييضهم.
يبدو الأمر بسيطاً، بقدر ما يبدو صعباً بعيد المنال، فهو بسيط من حيث المبدأ، لأنه من الطبيعي بالنسبة لشخص وطني عاقل ومسؤول، يراقب بألم ما آلت إليه حال أهله وبلده، أن يكون قادراً على إجراء مراجعة نقدية شاملة لأفكاره ومفاهيمه وخطه السياسي ورؤاه. وقادراً على الإقرار بما ارتكبه من أخطاء، ويملك ما يكفي من الشجاعة والتواضع لمكاشفة الناس، وفتح صفحة جديدة معهم، طالما أن في ذلك مصلحة خالصة لهم ولقضيتهم التي يفترض أنها قضيته الأسمى التي تتضاءل أمامها حساباته الشخصية، وحتى حياته. ومن جانب آخر، هو أمر يصعب تخيل حدوثه، لأن من لم تدفعه مصيبة بحجم مصيبة السوريين، إلى الشك في خطأ ما وإعادة النظر في شيء ما، أو إلى تغيير شيء ما في النهج والخطاب والسلوك، فهو غالباً شخص ميؤوس منه. وإلا فهل يعقل أن يخطئ مئات المعارضين، وعلى مدى 52 شهراً، ويسهمون في أخذ بلادهم نحو الهاوية، ولا ينبري أحدهم إلى قول شيء لهذا الشعب المنكوب الذي وضع ثقته بهم يوماً؟
هل نحلم إذن؟ ربما، لكنه حلم مشروع، بحكم ضرورته ومساس الحاجة إليه، وبحكم انسداد الأفق وانعدام الرجاء من أي شيء ومن كل شيء، وبحكم قناعتنا بوجود بذور وطنية وأخلاقية كامنة في الصدور، ومن يدري؟ فقد تصحو فجأة لدى بعضهم، فتكون البداية.
في تراثنا "الرجوع عن الخطأ فضيلة"، وفي حالتنا السورية، فإن الرجوع عن الخطأ عين الفضيلة، وعلى رأس كل فضيلة.
هو مطلب حق بلا شك، وهو خيار السوريين الوحيد، وهو ما يجب أن يحصل اليوم قبل الغد، إذ لا شيء أكثر أهمية على توحيد الصف والكلمة. لكن، على هذا العمل أن ينجح هذه المرة، كي لا نضيف قصة فشل جديدة إلى سجلنا المثقل بالفشل، ونضيف خيبة وإحباطاً جديدين إلى سوريين أتخموا خيبةً وإحباطاً، ونخسر فرصة ربما تكون الأخيرة لفعل شيء مفيد ومؤثر. وللنجاح شروط، لا بد من حيازتها بداية، في مقدمتها أنه على من سيتصدى لمثل هذا العمل أن يحوز حداً أدنى من الشرعية، أي حداً أدنى من ثقة واعتراف جزء وازن من السوريين. وهذا غير متوفر الآن، فالسواد الأعظم من المعارضين ضيعوا هذه الثقة، بسبب أدائهم المتواضع خلال الثورة، وما ارتكبوه من أخطاء وخطايا، آذت ثورتهم أكثر مما ساعدتها، وساعدت أعداءهم أكثر مما آذتهم، فما العمل إذن، وهذه حالنا وهؤلاء هم معارضونا؟
أعتقد أن المخرج يمكن أن يكون عبر عملية تبييض للمعارضة، تشبه عملية تبييض الأموال، بمعنى تخليصها مما علق بها من أخطاء، وإعادة تأهيلها مجدداً للخوض في معترك العمل السياسي المنتج، أي الفاعل والمؤثر على أرض الواقع، بعد أن أصبحت خارج دائرة التأثير، بلا وزن ولا قيمة.
وتتطلب عملية التبييض (حيازة الشرعية مجدداً) من المعارضين، بداية، إجراء مراجعة نقدية موضوعية مسؤولة لأدائهم السياسي في السنوات الماضية، والاعتراف بفشلهم وأخطائهم ومقدار مسؤوليتهم عما وصلت إليه الحال، ومصارحة الناس بشفافية وصدق وتواضع وشجاعة بحقائق الأمور، مهما كانت، مع إظهار القناعة والرغبة الصادقتين في التغيير. وستكون هذه الخطوة مقدمة لا بد منها لطمأنة الناس، ونيل ثقتهم مجدداً، وهو بالضبط ما اصطلحنا على تسميته "التبييض".
لا تنتهي القصة هنا طبعاً، بل هي بداية الطريق وحسب، فما التبييض سوى رخصة جديدة للعودة إلى ساحة العمل السياسي. لكن، يبقى الأهم ما سنفعله مجدداً في هذه الساحة، فالناس لا تمنح رُخصاً دائمة لأحد، ولا حتى رخصاً محددة الزمن، وعادة ما تسحبها عندما يرتكب هذا الأحد خطأ فادحاً، خصوصاً إذا كان من أصحاب السوابق، وممن جرى تبييضهم.
يبدو الأمر بسيطاً، بقدر ما يبدو صعباً بعيد المنال، فهو بسيط من حيث المبدأ، لأنه من الطبيعي بالنسبة لشخص وطني عاقل ومسؤول، يراقب بألم ما آلت إليه حال أهله وبلده، أن يكون قادراً على إجراء مراجعة نقدية شاملة لأفكاره ومفاهيمه وخطه السياسي ورؤاه. وقادراً على الإقرار بما ارتكبه من أخطاء، ويملك ما يكفي من الشجاعة والتواضع لمكاشفة الناس، وفتح صفحة جديدة معهم، طالما أن في ذلك مصلحة خالصة لهم ولقضيتهم التي يفترض أنها قضيته الأسمى التي تتضاءل أمامها حساباته الشخصية، وحتى حياته. ومن جانب آخر، هو أمر يصعب تخيل حدوثه، لأن من لم تدفعه مصيبة بحجم مصيبة السوريين، إلى الشك في خطأ ما وإعادة النظر في شيء ما، أو إلى تغيير شيء ما في النهج والخطاب والسلوك، فهو غالباً شخص ميؤوس منه. وإلا فهل يعقل أن يخطئ مئات المعارضين، وعلى مدى 52 شهراً، ويسهمون في أخذ بلادهم نحو الهاوية، ولا ينبري أحدهم إلى قول شيء لهذا الشعب المنكوب الذي وضع ثقته بهم يوماً؟
هل نحلم إذن؟ ربما، لكنه حلم مشروع، بحكم ضرورته ومساس الحاجة إليه، وبحكم انسداد الأفق وانعدام الرجاء من أي شيء ومن كل شيء، وبحكم قناعتنا بوجود بذور وطنية وأخلاقية كامنة في الصدور، ومن يدري؟ فقد تصحو فجأة لدى بعضهم، فتكون البداية.
في تراثنا "الرجوع عن الخطأ فضيلة"، وفي حالتنا السورية، فإن الرجوع عن الخطأ عين الفضيلة، وعلى رأس كل فضيلة.