الأشياء ليست أشياءً فقط. الحذاء مثلاً، الحقيبة، الورقة البيضاء والقلم. طاولة المطبخ، فرشاة الأسنان، القميص، الموبايل، واللابتوب، وغيرها الكثير مما نألفه ونستخدمه في حياتنا اليومية، سواء كانت داخل المنزل أم في أماكن العمل المختلفة. كلّ تلك الأشياء وسواها، تحيا معنا، تخدمنا وتساعدنا وتحمينا. إنّها جلدنا الثاني، وهواؤنا الآخر، وفسحتنا الحميمة والحيوية نحو تقديم أنفسنا للآخرين، وتَـعَـرُّفنا على أنفسنا، وإنجازنا أعمالنا. إنّها مدى الطاقة ومجال الحيوية، كما أنّها تشكل محيطنا الخاص.
لكن ماذا عن ذاكرتنا إزاءها؟ كيف نفكّر بها ونقيّمها؟ هل هي فقط مواد للاستعمال سرعان ما تُستهلك وتُنسى ليحلّ غيرها محلّها، أم أن لها مكانة أخرى؟
إعادة النظر في الأليف والعادي قد تساعدنا على تصويب نظرتنا إلى ما نظنه نافلاً وبلا أثر. فالحقيقة المباشرة والسخية لعالم الأشياء المحيطة بنا، أنها امتداد أساسي لنا، إنها بمعنى ما يدُنا الأخرى، وعينُنا الثانية وجسدنا المرافق. من هذه النقطة يمكن البدء بإيلاء أهمية تستحقها الأشياء، وهي بذلك تكون في المكانة الملائمة لها. إن وعينا إزاءها ينبغي أن يُعاد له الاعتبار، وهذا الوعي لصيق بالجسد الإنساني، كما أنه وعيٌ ملموسٌ عضوي وحقيقي أكثر من أي شيءٍ آخر. ربما تكون الأشياء، في ضوء هذه النظرة، مجالاً رحباً لإعادة التفكير بقيمة الاستعمال نفسها، التي تأخذ في الوقت الراهن معنى عملياً وأداتياً فقط، ومقارنة هذه القيمة بقيمة أخرى ذات صلة بمعنى حماية الكائن البشري أساساً، عبر سلوكه إزاء الأشياء، واجتراح قيمة أخرى أكثر ديمومة وصلابة وسِعَة، تشمل مع الإنسان المادة والطبيعة. قد تكون القيمة الأخرى هذه التي نتحدث عنها نابعة مما يصح وصفه بالتفكير الجسدي، أي قدرة الجسد العفوية والفطرية على التمييز والتفضيل، وقدرته في الآن ذاته على الإحساس بالخطر والخطأ. إنّ الطابع التلقائي لطريقة تعاملنا مع الأشياء يخفي الكثير من تفكيرنا إزاءها. فإذا كنا نرى الأشياء أساسية وجوهرية، نكون حذرين وممتنين لها معاً.
لكن عالم اليوم لا يولي الأشياء قيمة، وسبب ذلك إنه يمكن استبدالها بأخرى. إنّ دخول الطابع التبادلي هنا يحول الأشياء إلى ذات بعد استعمالي فقط، وهي بذلك يمكن التضحية بها في أي وقت كان، طالما كانت لدينا القدرة على إيجاد بديل لها. الكثرة والوفرة تزيل عن الأداة- الشيء استقلالها وخصوصيتها، وفيما يبدو ظاهر الحال علامةً على الغنى والوفرة، يدفعنا اعتقادٌ مخالفٌ أننا نقف على الجهة الخطأ من التقييم. فتشابه الأشياء والأدوات لا ينبغي أن يدفعنا إلى اعتبارها متماثلة، إذ إننا بهذا النمط من التفكير القائم على التماثل ذي الطابع التبادلي السهل، نلغي عنها حضورها ومدى ما تقدمه لنا من عونٍ فريدٍ.
اقــرأ أيضاً
لكن ماذا عن ذاكرتنا إزاءها؟ كيف نفكّر بها ونقيّمها؟ هل هي فقط مواد للاستعمال سرعان ما تُستهلك وتُنسى ليحلّ غيرها محلّها، أم أن لها مكانة أخرى؟
إعادة النظر في الأليف والعادي قد تساعدنا على تصويب نظرتنا إلى ما نظنه نافلاً وبلا أثر. فالحقيقة المباشرة والسخية لعالم الأشياء المحيطة بنا، أنها امتداد أساسي لنا، إنها بمعنى ما يدُنا الأخرى، وعينُنا الثانية وجسدنا المرافق. من هذه النقطة يمكن البدء بإيلاء أهمية تستحقها الأشياء، وهي بذلك تكون في المكانة الملائمة لها. إن وعينا إزاءها ينبغي أن يُعاد له الاعتبار، وهذا الوعي لصيق بالجسد الإنساني، كما أنه وعيٌ ملموسٌ عضوي وحقيقي أكثر من أي شيءٍ آخر. ربما تكون الأشياء، في ضوء هذه النظرة، مجالاً رحباً لإعادة التفكير بقيمة الاستعمال نفسها، التي تأخذ في الوقت الراهن معنى عملياً وأداتياً فقط، ومقارنة هذه القيمة بقيمة أخرى ذات صلة بمعنى حماية الكائن البشري أساساً، عبر سلوكه إزاء الأشياء، واجتراح قيمة أخرى أكثر ديمومة وصلابة وسِعَة، تشمل مع الإنسان المادة والطبيعة. قد تكون القيمة الأخرى هذه التي نتحدث عنها نابعة مما يصح وصفه بالتفكير الجسدي، أي قدرة الجسد العفوية والفطرية على التمييز والتفضيل، وقدرته في الآن ذاته على الإحساس بالخطر والخطأ. إنّ الطابع التلقائي لطريقة تعاملنا مع الأشياء يخفي الكثير من تفكيرنا إزاءها. فإذا كنا نرى الأشياء أساسية وجوهرية، نكون حذرين وممتنين لها معاً.
لكن عالم اليوم لا يولي الأشياء قيمة، وسبب ذلك إنه يمكن استبدالها بأخرى. إنّ دخول الطابع التبادلي هنا يحول الأشياء إلى ذات بعد استعمالي فقط، وهي بذلك يمكن التضحية بها في أي وقت كان، طالما كانت لدينا القدرة على إيجاد بديل لها. الكثرة والوفرة تزيل عن الأداة- الشيء استقلالها وخصوصيتها، وفيما يبدو ظاهر الحال علامةً على الغنى والوفرة، يدفعنا اعتقادٌ مخالفٌ أننا نقف على الجهة الخطأ من التقييم. فتشابه الأشياء والأدوات لا ينبغي أن يدفعنا إلى اعتبارها متماثلة، إذ إننا بهذا النمط من التفكير القائم على التماثل ذي الطابع التبادلي السهل، نلغي عنها حضورها ومدى ما تقدمه لنا من عونٍ فريدٍ.