قبل نحو 7 سنوات، بدأ اسم السودانية نجوى قدح الدم، يثير جدلاً سياسياً في البلاد، لا سيما بشأن الأدوار التي أدتها في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المعزول عمر البشير على الصعيد الدبلوماسي. لكن هذا الجدل لم يتوقف بعد إطاحة البشير، إذ عادت للأضواء أخيراً بعد أن برز اسمها كواحدة من الذين هندسوا لقاء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مدينة عنتيبي الأوغندية أخيراً، خصوصاً بعد أن ظهرت في الصورة التي التقطت للبرهان ونتنياهو.
وتحفّظت قدح الدم عن الإدلاء بأي معلومات تنفي أو تؤكد مشاركتها في هندسة اللقاء، والذي شكّل نقطة تحوّل كبيرة في السياسة الخارجية السودانية لجهة التطبيع مع إسرائيل، وأثار انقساماً في الوسطين السياسي والشعبي بين رافض لمثل هذا التوجّه خصوصاً لما يمثله من طعنة للشعب الفلسطيني، وبين مؤيد له. واكتفت قدح الدم، في تصريح واحد، بالتأكيد أنها حضرت اللقاء بصفتها كبيرة مستشاري الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، وبصفتها الأخرى كسفيرة في القصر الجمهوري للسودان.
وأشارت مصادر عدة إلى أن قدح الدم عكفت على التحضير للقاء منذ أشهر بالتواصل مع المحامي الإسرائيلي نيك كوفمان. ووفق مصادر خاصة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن قدح الدم عملت على مدى أشهر لإنجاح اللقاء، وتفرغت له تماماً ومعها 3 أشخاص آخرين، وتنقلت لمدة 10 أيام قبل اللقاء بين الخرطوم وكمبالا.
وبعد حديث كثيف دار عنها عقب لقاء البرهان-نتنياهو، انتشرت سيرة ذاتية لها على مواقع التواصل الاجتماعي، وردت فيها إشارات عن علاقتها بالمدير الأسبق لجهاز المخابرات السودانية، الفريق صلاح قوش، والإمارات، فاضطرت لإصدار توضيحات تنفي حصولها على الجنسية النمساوية، والإعلان أنها لم تعمل كسفيرة في أوغندا، وأنها رفضت ذلك حينما عرض عليها المنصب قبل سنوات لرغبتها في العمل الدؤوب على تطوير علاقة السودان بأوغندا وتحقيق السلام في المنطقة، مؤكدة أنها لم تعمل لحساب قوش إطلاقاً.
وبحسب ما هو معروف عنها، فإن نجوى عباس أحمد محمد قدح الدم، وهو اسمها الكامل، ولدت في مدينة أم درمان غرب الخرطوم، ودرست فيها كل المراحل، وانتقلت لدراسة الهندسة الميكانيكية في جامعة الخرطوم، التي تخرجت منها عام 1989، وحصلت بعدها على درجة الماجستير في الطاقة المتجددة، ثم التحقت بوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ثم جامعة زيمبابوي. وخلال رحلتها العلمية تزوجت من أستاذها، ألماني الجنسية أحمد نومان، قبل أن تنفصل عنه.
وفي الوقت الذي أشارت فيه تقارير صحافية إلى حصولها على الجنسية النمساوية، نفت قدح الدم ذلك بصورة رسمية، على الرغم من قولها إنه لا يوجد ما يمنع ازدواجية الجنسية في القوانين السودانية.
أتاح لها عملها في منظمة تابعة للأمم المتحدة في أوغندا، فرصة الاقتراب كثيراً من الرئيس يوري موسفيني، الذي يعدها مثل ابنته، كما ذكرت قدح الدم بنفسها في واحد من حواراتها الصحافية، وقاد ذلك إلى توسطها بين البشير وموسفيني، لتحسين العلاقة بين بلديهما، إثر سلسلة توترات مستمرة سبّبها تبادل الاتهامات بإيواء كل طرف لجماعات متمردة. ونجحت مساعيها في العام 2015 في تنظيم زيارة لموسفيني إلى الخرطوم، كانت بمثابة تحوّل في العلاقة بين الخرطوم وكمبالا، وغيّرت تماماً من نظرة موسفيني للبشير، بل إنه تحوّل إلى واحد من أكبر الداعمين له في معركته ضد المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت أمر قبض بحقه في العام 2010.
ذلك الاختراق الكبير، أوجد لقدح الدم مكانة كبيرة وسط النظام السابق الذي وثق فيها ولو بشكل ظاهري، وكلفها بمهام عديدة، منها إيصال رسائل لعدد من الجهات، ومنها كذلك تنسيق الدور السوداني والأوغندي في تحقيق السلام في جنوب السودان. وبمجرد توقيع هذا الاتفاق، قرر البشير منحها وسام النيلين في العام 2018. كما حصلت على جواز دبلوماسي سوداني بدرجة سفير، وفي الكثير من رحلاتها من وإلى الخرطوم كانت تُفتح لها صالة كبار الزوار وتستخدم سيارات الرئاسة.
بعد إنجاز ملف العلاقة مع أوغندا، تحوّلت جهودها إلى التوسط بين البشير ومعارضيه، وعملت لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه البشير، مع نشاط آخر في عملية السلام في جنوب السودان.
ولكن بعد سقوط نظام البشير في إبريل/نيسان الماضي، بات مصير نجوى قدح الدم غامضاً، خصوصاً مع النظرة السلبية تجاه كل من عملوا مع النظام، وفي ظل أحاديث عن ضرورة الإطاحة بكل السفراء الذين عيّنهم البشير، يبدو أن البرهان أراد الإبقاء عليها سفيرة في القصر الرئاسي، حتى جاء لقاء البرهان بنتنياهو لتعود إلى الواجهة من جديد.
أما لحساب من تعمل نجوى قدح؟ فَقَد ظل هذا السؤال الجوهري يتكرر، خصوصاً أن دورها لم يتوقف عند إطاحة البشير بل انتقلت إلى دائرة البرهان. وتحدث البعض عنها بوصفها "شخصية مفتاحية" ولديها قدرة على الوصول إلى أعلى المستويات. أما إجابتها هي على ذلك السؤال، فلخصتها بالقول إنها تعمل لصالح بلادها وأمن المنطقة وتنميتها. وترى الآن أن بلادها بحاجة لمصالحة سياسية بين مكونات المجتمع السوداني، حزبية وقبلية، عسكرية ومدنية، حكومية ومعارضة، سياسية ومسلحة، والتوافق على القضايا العليا للوطن، وأهمها الاستقرار الأمني والسلام والعيش الكريم.