فرّقتهم السياسة ووحّدتهم الرياضة في أولمبياد "ريو دي جانيرو 2016". هنا في تونس، غابت الأعلام الحزبية، وحضر فقط علم الخضراء الذي التفّ حوله شعار الوحدة الوطنية، بعيدًا عن كافة الإشكاليات والخلافات بمختلف أطياف المجتمع، في محاولة لتضميد الجرح.
فرغم الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية الداخلية التي دقت أجراس الطوارئ في تونس، تحوّلت أنظار العالم الى تلك المنافسة التي احتضنتها مدينة ريو دي جانيرو. وعلى الرغم من التشرذم العربي بسبب الأوضاع الداخلية التي عصفت عقب الثورات، فإن الروح الرياضية التي لمسناها من خلال هذه البطولة بعد فترة اقتتال إقليمي عصيبة عاشتها جل بلدان الربيع العربي، وانتهت أخيرًا في تونس بتتويج للديمقراطية والمرور بحالة من الصفاء والهدوء والعقلانية كي لا نكون الخاسرين في النهاية، فأبطالنا من خارج تراب البلاد أصبحوا ولا زالوا نموذجًا يحتذى به للوحدة الوطنية، فالسياسة التي فرقتهم وجعلتهم مختلفين عادت الرياضة وجمعتهم بدافع الوطنية والحب لهذا الوطن.
تحدّيات فردية
إن المتحدّث عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الرياضة في توحيد الشعوب وإزالة المتاريس والحواجز التي تقوم بينها، لا يمكن أن يغفل بأي حال عن غياب التأهيل الذي يقف شاهداً ودليلاً على تأخر مستويات الرياضة والتي سجل أسوأها مشاهير الرياضة الفردية التونسية في ريو 2016، كالسباح أسامة الملولي والعداءة حبيبة الغريبي، حيث سببوا خيبة أمل عند التونسيين.
يعتبر بعض المراقبين للشأن الرياضي في تونس أن أسباب هذا التراجع في المراتب العالمية يتمثّل في غياب التنظيم والخطط الاستراتيجية قصيرة وطويلة المدى، وضعف البطولات والمسابقات المحلية في المنطقة، وغياب منظومة الاحتراف الفني والإداري، إلى جانب أن البيئة المحلية غير مهيأة للاعب العربي للإبداع، فضلاً عن الفوارق الكبيرة بين الدوريات العربية ونظيراتها في الدول الأخرى المتقدمة في مجال اللعبة، خصوصاً في أوروبا.
وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد، وضعف الإمكانيات المادية، فقد تمكّن أبطال تونس الذين شاركوا في الألعاب الأولمبية، وهم البطلة إيناس البوبكري لإحرازها الميداليّة البرونزية في رياضة المبارزة، والبطل أسامة الوسلاتي لاعب التايكواندو الصاعد في وزن 80 كلغ. ومع أنه لم يوفق في التأهل للنهائي بعد خسارته بشكل مفاجئ أمام الإيفواري شيخ صلاح سيسيه 7-6، إلا أنه تمكّن في منافسات الميدالية البرونزية من الفوز على الأميركي المخضرم ستيفن لوبيز. أما البطلة مروى العامري فأهدت لتونس الميداليّة البرونزية في رياضة المصارعة.
تمكّن البطل مكرم الصعنوني من إحراز ميداليتين ذهبيتين، والبطل رمزي العجمي كان نصيبه ميدالية فضية وبرونزية في بطولة أفريقيا لرياضة الجوجوتسو، ليتمكن لاعبو الرياضة الفردية من إهداء تونس شرف التتويج.
المشاركة النسائية في ريو
نسجت تونس على منوال نظيرتها مصر واكتفت بثلاث برونزيات في منافسات المبارزة والمصارعة والتايكوندو، بينما كان أداء رياضيي الألعاب الجماعية محتشمًا، إذ لم يتمكنوا من الوصول إلى النهائيات، لكن هذه النتائج لم تمنع تونس من نيل شرف فوز أول نسائها كأول عربية تتوج بميدالية في منافسات المصارعة النسائية.
تمكنت المصارعة التونسية مروى العمري من إهداء تونس الميدالية البرونزية في الألعاب الأولمبية في منافسات رياضة المصارعة 58 كلغ، وذلك بعد فوزها على منافستها الأذربيجانية بنتيجة 6-3. وكانت البطلة مروى العمري قالت "إن إرادتها القوية مكّنتها من كسب التحدي ورفع الراية الوطنية في البرازيل".
وكانت الميدالية الأولى لتونس من نصيب المبارزة إيناس بوبكري، التي خاضت مباراة البرونز وهي مصابة، لتنجح في الفوز على الروسية أيدا شاناييفا. وتعرضت بوبكري لإصابة أسفل الظهر خلال منافسات الدور نصف النهائي أمام الإيطالية إليزا دي فرانشيسكا، ولكنها واصلت لتلامس المجد بميدالية أولمبية.
مصر
لا يمكننا أن ننسى الحديث عن نجمتي مصر: البطلة هداية ملاك الفائزة بالميدالية البرونزية في في لعبة التايكوندو، والتي لم يمنعها الحجاب الذي ترتديه من رفع راية بلادها، وسارة سمير.
وتمكنت هداية ملاك، أول عربية مصرية، من التتويج بميدالية تايكوندو أولمبية، حيث قدمت أداءً مميزًا في مشاركتها بمسابقة وزن 57 كلغ، وكانت قريبة للغاية من التأهل إلى نهائي البطولة، قبل الخروج أمام الإسبانية إيفا كالبو بالنقطة الذهبية، إلا أنها نجحت في دخول تاريخ المنافسات بعد التتويج بالبرونزية على حساب البلجيكية من أصل إيراني راحلة عثماني.
وأصبحت ملاك (23 عامًا)، أول مصرية وعربية تفوز بميدالية أولمبية في رياضة التايكواندو، وما زالت أمامها فرصة سانحة لتكرار الإنجازات في منافسات أولمبياد طوكيو 2020، خاصة أنها ما زالت في سن مبكرة.
واستطاعت المصرية سارة سمير الفوز ببرونزية رفع الأثقال، حيث نجحت لاعبة منتخب رفع الأثقال في الفوز بالميدالية البرونزية في منافسات وزن 68 كلغ، وكان أكبر إنجاز لسارة هو أولمبياد الشباب بالصين وعمرها 16 عاماً بعدما اقتنصت الميدالية الذهبية برفع مجموع 228 كلغ.
لم تكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي عاشتها بلدان الربيع العربي عائقًا للتألق العالمي وأثبتت النساء مجددًا أنهن رائدات في جميع المواضع، وتمكنت الرياضة مجددًا من إسعاد الجماهير وتوحيد الشعوب.
(تونس)