نتنياهو وحديث الكماشة

09 ابريل 2015
+ الخط -

أعلن، في الثلاثين من الشهر المنصرم، مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، محذراً من إبرام اتفاق مع إيران حول ملفها النووي؛ أن الأخيرة، تقوم في الجنوب، بإنجاز عملية كماشة، بعد أن أطبقت على بغداد ودمشق وبيروت. وبدا هذا التصريح الذي جاء بعد ستة أيام من "عاصفة الحزم" متجاهلاً الوقائع على الأرض في اليمن، في سياق التشكي المعروف الذي دأب عليه نتنياهو، استدراراً لعطف الغرب، وتعمية على سياسة الصلف والعدوان والاستيطان في الأراضي الفلسطينية.

يشرح نتنياهو وضعية الكماشة التي يراها، قائلاً إن "في موازاة الاتصالات التي تُجرى من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق الخطير، يحتل وكلاء إيران في اليمن أجزاء كبيرة من هذه الدولة، ويحاولون الاستيلاء على باب المندب الاستراتيجي، ما يغيرّ توازن الملاحة وإمدادات النفط العالمية". وفي هذا القول الذي يتغاضى عن تطورات الحرب على الأرض، يحاول نتنياهو خدمة موقفه من الاتفاق مع إيران، بتخليق محفزاتٍ لإحباطه، على افتراض أن إسرائيل والغرب، وليس المشرق العربي، هما الطرفان المستهدفان من تحرك استراتيجي مديد، لن يوقفه أي اتفاق بين الغرب وإيران، مفترضاً أيضاً أن الحوثيين، وإيران في المحصلة، سوف يسيطرون على اليمن وباب المندب، على الرغم من عاصفة، أراد لها الحلف الذي يضطلع بها أن تكون حازمة.

في إطار البيان الصادر عن مكتبه، يصف نتنياهو إسرائيل أنها في طليعة دول الاعتدال في المنطقة، كأنما يريد تأسيس حال من الأخوة أو المشتركات، بين هذه الدولة المارقة التي يحكمها متطرفون عنصريون والأقطار العربية. ولا يعلم واحدنا ما هو شكل التطرف وممارساته، إن كانت إسرائيل معتدلة، بل لا يعلم واحدنا من هو الطرف الذي استحث التطرف في العالم العربي، إن لم يكن إسرائيل بعربدتها، والولايات المتحدة بمحاباتها لها، وبتدخلاتها في الأقطار العربية.

فضلاً عن ذلك، تواصلت تصريحات رجال اليمين الإسرائيلي، لا سيما من حزب "الليكود" حول الشأن النووي الإيراني، وفيها شتائم وأوصاف قبيحة، يبدو أن نتنياهو تركها لآخرين من مستويات أدنى. فقد وصف بوعز بوسموت، السفير السابق لدى موريتانيا، زعماء الدول الكبرى بـ "الأغبياء"، لأن إيران نفسها، حسب قوله، تجد صعوبة في "إلى أي درجة، العالم أعمى من شدة غبائه، أو حتى أسوأ من ذلك، إذ يفعل ما يفعله طواعية".

أما المحلل الأمني والعسكري، أليكس فيشمان، فقد زاد نتنياهو من الشعر بيتاً، عندما تكفل، في تحليل جديد، شرح الوداد والتكامل الذي ينبغي أن يكون جلياً ومعلوماً للعالمين، بين أقطار المشرق العربي وإسرائيل، قائلاً إن إسرائيل "تجد نفسها، مرة أخرى، في الجانب نفسه من المتراس مع الدول السنية المعتدلة، غير أن المصلحة المشتركة لإسرائيل والسعودية ودول الخليج لا تلقى تعبيرها". وفي هذا احتجاج ضمني على التعفف العربي عن العلاقة البليغة والصريحة مع إسرائيل، لكن فيشمان يدحض ضمناً، في تحليله، ما ذهب إليه نتنياهو، بخصوص الكماشة الوشيكة، إذ يقول:" كان جهاز الأمن في إسرائيل قد وجّه تحذيراً إلى السفن التجارية الإسرائيلية بوجوب التعاطي مع الشاطئ اليمني، على أنه شاطئ دولة معادية، وذلك قبل أن تبدأ السعودية شن غاراتها في اليمن". وهنا، يختلف سياق المحلل عن ثرثرة السياسي الليكودي الذي يحذر من الكماشة، ولا يعترف بأن الحلف العربي فعل، أو سيفعل، شيئاً في واقع اليمن.

حيال مثل هذه التصريحات من نتنياهو وجماعته، يحق لواحدنا أن يتساءل عن فاعلية وبلاغة النطق السياسي العربي الشامل، الموازي لعمليات حلف "عاصفة الحزم". هناك تصريحات كثيرة تركز على النفوذ الإيراني، من دون أن تشرح كل مقاصده وسياقاته، مع التركيز الطبيعي على دور الحوثيين وعلي عبد الله صالح. فلماذا لا يُقال عربياً إن الخطر الإيراني المزعوم على إسرائيل أكذوبة يختلقها "الليكود" فزّاعة، للتغطية على سياساته المجافية للحقوق الفلسطينية؟ ولماذا لا يُقال إن الحملة العربية العسكرية كانت لمقتضيات الأمن القومي العربي، ونقطة على السطر. وأي تعليل لها غير ذلك، إنما هو خدعة إسرائيلية، وأن إسرائيل باستمرار احتلالها الأراضي العربيةـ وبممارساتها؛ ستظل العدو القومي للعرب، ولا مشتركات لها معهم، بل إن العرب والمسلمين، وخصوصاً في حال مواجهة سياساتها، لا فرق بين سُنتهم وشيعتهم؟ ولماذا لا يُقال إن السعودية ودول الخليج لا تجمعها أية مشتركات مع الكيان العنصري الصهيوني، وأن تصريحات الإسرائيليين، في هذا الشأن، إنما هي لاصطياد عدة عصافير بحجر واحد، بمعنى أن توحي بانتماء المشروع الصهيوني إلى معسكر الاعتدال العربي، ولتأجيج السجال العربي العربي، وللتشكيك في مقاصد الأطراف العربية، كلما تحسست، في الحد الأدنى، المخاطر الجسيمة على مستقبل المنطقة وأمن الإقليم، وجعلها في مرمى سهام السذج المتلطين بالشعارات القومية والثورية.

فعندما يتحدث نتنياهو عن طرفي كماشة، ينم السياق عن رؤية مطمورة في وعيه الباطني، ترى أن المشرق العربي كله فيه لاعبان أو متصارعان اثنان، لا ثالث لهما، هما إسرائيل وإيران. وربما يشجعه على ذلك غياب أية مواقف وازنة في السجال الاستراتيجي القائم، وميل الأطراف العربية إلى التعبير عن نفسها، وكأنها في موضع استهداف الذئب لحمها الطري، الحاضر عند خطوط إمداد البترول ومضائق المرور ومواني الرسو. وهنا، تكمن علة الأداء السياسي العربي، بل علة العمل العربي الذي لا يزال يفتقر إلى استراتيجيةٍ، تقوم على رؤية رصينة لراهن العرب ومستقبلهم.