نتنياهو وتوظيف جريمة باريس

15 يناير 2015

نتنياهو في استثمار سياسي بباريس (11 يناير/Getty)

+ الخط -
كان العمل الإرهابي الذي حصل في فرنسا صدمة قاسية، وإلى حدّ ما غير مسبوقة. لذا، جاء التجاوب الذي أبداه الشعب الفرنسي، ليؤكد الوحدة التي استولدت الاحتضان الدولي الذي كان مشابهاً لردود فعله، وإدانته الحاسمة عمليات "11 سبتمبر"، في الولايات المتحدة في عام 2001. على الرغم من أن اليمين الفرنسي أراد توظيف العمل الإرهابي للإمعان في تهميش المسلمين الفرنسيين وفي تشويه الإسلام، ديناً وحضارة.
كان من المتوقع أن تشمل إدانة الإرهاب في باريس مختلف قطاعات المجتمع الدولي، إلاّ أن دعوة رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، الفرنسيين اليهود للانتقال إلى إسرائيل عقب اعتداء أحد الإرهابيين على متجر يهودي، جاءت لتوظيف هذا الحادث المسيء والاستثنائي كحالة سائدة في فرنسا. الأمر الذي استدعى ردود فعل حازمة، حتى من منظمات يهودية، مثل رد رئيس تجمعات يهودية أوروبية، الحاخام مناحيم برخونم، الذي ندّد بدعوة نتنياهو لليهود الأوروبيين للانتقال إلى إسرائيل، بزعم أنها توفر لهم "العيش بسلام". اعتبر يهود فرنسا هذه الدعوة محاولة للتشكيك بقدرة فرنسا وأوروبا على تحقيق المساواة بين الفرنسيين بكل أطيافهم. بمعنى آخر، التشكيك العلني بسلامة النظام الديمقراطي الفرنسي، كما أن تسرّع نتنياهو، كعادته، في توظيف الهجوم على المتجر اليهودي لم يأخذ بعين الاعتبار أن مسلماً من مالي هو الذي أنزل عمال المتجر إلى الطابق الأسفل، ووضعهم في ثلاجة حتى لا يكتشفهم الإرهابيون.
وتنطوي محاولة نتنياهو توظيف مثل هذا الحادث، بهدف دعوة مواطني فرنسا اليهود إلى الذهاب إلى إسرائيل، على مخاطر حقيقية، تفسّر، أولاً، أن دعوته الفلسطينيين للاعتراف بإسرائيل على أنها "دولة يهودية" تتضمن أن إسرائيل مرشحة لتكون وطن يهود العالم. ما قد يؤول إلى التشكيك باليهود المتجذرين في أوطانهم المختلفة في العالم، إذا لم يرحلوا إلى إسرائيل. وربما هذا ما حمل الحاخام مرغولين، مدير مؤسسة اليهود الأوروبيين، أن يأسف لأن كل متهجّم على السامية، يقدم ذريعة للحكومة الإسرائيلية بإصدار دعوات "عن أهمية هجرة اليهود إلى إسرائيل، بدلاً من استعمال الوسائل الدبلوماسية والإعلامية لضمان سلامة العيش الآمن لليهود الأوروبيين في أوروبا". كما أضاف الحاخام مرغولين، في بيانه، يقول إن "اليهود الذين لديهم رابط مع إسرائيل ليسوا بحاجة إلى مثل هذه الدعوة التي أطلقها نتنياهو في باريس، كما حصل". وأكمل الحاخام "كل حملة من هذا النوع تضعف كما تضرّ باليهود الذين ينعمون بحقوق الحياة بأمان، حيث هم". ويتابع: "مثل هذه الحملات التي تقوم بها إسرائيل يجب أن تتوقف، كون الحقيقة أن الأكثرية الكبرى من اليهود في أوروبا لا ترغب في الهجرة إلى إسرائيل". وقد وردت هذه التصريحات وغيرها في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في 12 يناير/ كانون الثاني الجاري.
بمعنى آخر، كانت دعوة نتنياهو في غير محلها، كما كان التوقيت دليل خطورة نتنياهو على من يدعي "حمايتهم"، وأيضاً على الفلسطينيين الذين أدمن على نكران حقوقهم الوطنية المشروعة. والجدير بالذكر، في هذا السياق، أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أجرى، أمس، اتصالاً مع نتنياهو، ليؤكد له أن لجوء الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة لا يعني أن فلسطين باتت مؤهلة لتكون دولة، مع أن 152 دولة اعترفت بها كدولة. من المؤسف أن يصل الخطاب الأميركي إلى هذا الدرك، فقط لمراضاة إسرائيل. كان من المفترض أن يتصل الرئيس أوباما مع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، للتعويض عن عدم حضوره، ومشاركته في تظاهرة التضامن الدولي، لا أن يتصل بنتنياهو لتطمينه. وفي هذه اللحظة بالذات التي يقوم فيها رئيس الليكود بحملة لحفز يهود فرنسا على الهجرة إلى إسرائيل. وبذلك ارتكب الرئيس أوباما خطئين في آن: لا هو شارك في المسيرة، ولا خاطب رئيس البلد الحليف الذي استهدفته العملية الإرهابية. استعاض عن ذلك بتطمين بال نتنياهو.