12 نوفمبر 2024
نتنياهو.. بداية النهاية
بعد مرور نحو عامين من المماطلات والمراوغات والتحقيقات، أصدر المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، عشية إجراء انتخابات عامة وشيكة وحاسمة، قراراً اتهامياً ضد المتبجح، بنيامين نتنياهو، تضمّن ثلاث تهم ثقيلة الوزن (الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة)، سوّدت وجه الظنين، شطبت سهمه الممتاز في بورصة التداول، وأخرجت المهرّج مدحوراً مذموماً، في لحظةٍ سياسيةٍ فارقة، كان يعوّل عليها المتسابق مع نفسه، حتى الأمس القريب، لتجديد ولايته للمرة الرابعة في الدولة العبرية، ويحكمها زمناً أطول من فترة بن غوريون المديدة.
بلا إفراط في التوقعات المتوافقة مع هوىً سياسي دفين، ومع رغبةٍ جامحة في التشفّي، ومن دون استعجالٍ مفرط في إصدار الأحكام المسبقة، يمكن اعتبار هذه الاتهامات المخزية لصاحبها بداية النهاية للعبة التشاطر، أو قل المسمار الأول في نعش حياة نتنياهو الذي قد يسكن الملحق نفسه في أحد السجون الفارهة، المقام قبل نحو عشر سنوات، خصيصاً لسلفه إيهود أولمرت الذي دين بتهمٍ أقل جسامة، إلا أنها كانت مشينة أيضاً، وذلك جنباً إلى جانب مع رئيس دولة ووزراء سابقين، دخلوا القفص تباعاً، على خلفية مفاسد ومباذل، كنا نحسَبها نبتاً شيطانياً في الدول العربية فقط. والحق، أن المرء يحار سلفاً، وهو يمسك بناصية هذه المسألة المثيرة لشتّى الانطباعات المتناقضة؛ فمن جهةٍ أولى تُعزّز محاكمة نتنياهو، المعطوفة على سابقاتها، فرضية وجود ظاهرة فساد متفشية، كاسرة الصورة النمطية البرّاقة للدولة العبرية. ومن جهة مقابلة، يُعد مثول أرفع مسؤول هناك أمام المحققين بمثابة مفخرة لمنظومة القضاء في إسرائيل، يحسب لها لا عليها. ومن جهة ثالثة، نحن نراقب المشهد عن بعد، من دون أن يكون في وسعنا التفاخر بشيءٍ من طينته، أو حتى التمثّل به، والحال هو الحال في العالم العربي، الغاصّ بما هو أدهى من المآخذ الهزيلة على الجانب الآخر.
مع ذلك، يستحق هذا المتغير في المشهد الإسرائيلي شديد السيولة، والموصوف كزلزال سياسي عنيف هزّ الطبقة السياسية المتأهبة لجولة انتخابات كنيست جديدة، يستحق شيئاً من الاهتمام وإمعان النظر من جانب المراقبين العرب، المأخوذين ليس فقط بسحر أكثر الانتخابات العامة شفافيةً وتعدّدية في المنطقة، وإنما لأنها تجرى بانتظام شديد لدى مجتمع ظلّ في حالة حربٍ دائمةٍ مع محيطه، من دون أن يتذرّع يوماً بهذا السبب لتأجيل انتخاباته، أو يسوّغ لنفسه التنازل عن هذه الميزة، بحجة أولوية خيار الحرب على خيار الحياة الديمقراطية، حتى وإن كانت هذه انتقائية.
وبعيداً عن عقد أي رهانٍ على احتمال خسارة اليمين الإسرائيلي المتطرّف أغلبيته البرلمانية، جرّاء هذه الفضيحة المدوية، يظل السؤال: هل هناك ما يستحق الاحتفاء به، بمناسبة هذه الضربة التي أوقعت نتنياهو على وجهه، وأنزلته إلى درك أسفل السافلين في الدولة الاستيطانية؟ وهل يجوز لنا نحن، إزاء هذا التطور الدراماتيكي، ممن لا حول لهم ولا قوة، إبداء مشاعر التشفّي هكذا، وفرك اليدين وإظهار الشماتة، برؤية عدوّ أشر وقد بدأ خصومه في دفعه دفعاً إلى باب القفص، شرعوا بتجريده من كل مجدٍ سياسي، كان قد دوّنه في سجله؟
أحسب أن أمراً واحداً على أقل تقدير يدعو إلى الابتهاج قليلاً، ويحمل على رفع التوقعات بحذر، في معرض رصد وتحليل التداعيات المترتبة على حدوث هذا المتغير المتفاعل بعد، وهو الخلاص من روح الشر المستطير التي حكمت مناوراً سياسياً ذائع الصيت، واستبدّت بمواقفه المتمسّكة بسياسة تثبيت الوضع القائم، فيما بدا زعيم الليكود، حتى الأمس القريب، كرئيس حكومة إسرائيلية لا بديل له في المدى المنظور، إلى أن كبا كبوته الأخيرة، واقترب من حافّة السقوط دفعة واحدة، ومرة أخيرة.
على أي حال، إذا لم تكن هناك أي مكاسب لنا، يمكن انتظارُها من وراء سقوط نتنياهو عن خشبة المسرح السياسي، مكلّلاً بالعار والشنار، فإن خسارة اليمين الفاشي هذه الشخصية القيادية المراوغة تعد في المحصلة النهائية أمراً طيباً في هذه المرحلة الحالكة، بل وتُعتبر مكسباً مهماً في حد ذاتها.
مع ذلك، يستحق هذا المتغير في المشهد الإسرائيلي شديد السيولة، والموصوف كزلزال سياسي عنيف هزّ الطبقة السياسية المتأهبة لجولة انتخابات كنيست جديدة، يستحق شيئاً من الاهتمام وإمعان النظر من جانب المراقبين العرب، المأخوذين ليس فقط بسحر أكثر الانتخابات العامة شفافيةً وتعدّدية في المنطقة، وإنما لأنها تجرى بانتظام شديد لدى مجتمع ظلّ في حالة حربٍ دائمةٍ مع محيطه، من دون أن يتذرّع يوماً بهذا السبب لتأجيل انتخاباته، أو يسوّغ لنفسه التنازل عن هذه الميزة، بحجة أولوية خيار الحرب على خيار الحياة الديمقراطية، حتى وإن كانت هذه انتقائية.
وبعيداً عن عقد أي رهانٍ على احتمال خسارة اليمين الإسرائيلي المتطرّف أغلبيته البرلمانية، جرّاء هذه الفضيحة المدوية، يظل السؤال: هل هناك ما يستحق الاحتفاء به، بمناسبة هذه الضربة التي أوقعت نتنياهو على وجهه، وأنزلته إلى درك أسفل السافلين في الدولة الاستيطانية؟ وهل يجوز لنا نحن، إزاء هذا التطور الدراماتيكي، ممن لا حول لهم ولا قوة، إبداء مشاعر التشفّي هكذا، وفرك اليدين وإظهار الشماتة، برؤية عدوّ أشر وقد بدأ خصومه في دفعه دفعاً إلى باب القفص، شرعوا بتجريده من كل مجدٍ سياسي، كان قد دوّنه في سجله؟
أحسب أن أمراً واحداً على أقل تقدير يدعو إلى الابتهاج قليلاً، ويحمل على رفع التوقعات بحذر، في معرض رصد وتحليل التداعيات المترتبة على حدوث هذا المتغير المتفاعل بعد، وهو الخلاص من روح الشر المستطير التي حكمت مناوراً سياسياً ذائع الصيت، واستبدّت بمواقفه المتمسّكة بسياسة تثبيت الوضع القائم، فيما بدا زعيم الليكود، حتى الأمس القريب، كرئيس حكومة إسرائيلية لا بديل له في المدى المنظور، إلى أن كبا كبوته الأخيرة، واقترب من حافّة السقوط دفعة واحدة، ومرة أخيرة.
على أي حال، إذا لم تكن هناك أي مكاسب لنا، يمكن انتظارُها من وراء سقوط نتنياهو عن خشبة المسرح السياسي، مكلّلاً بالعار والشنار، فإن خسارة اليمين الفاشي هذه الشخصية القيادية المراوغة تعد في المحصلة النهائية أمراً طيباً في هذه المرحلة الحالكة، بل وتُعتبر مكسباً مهماً في حد ذاتها.
دلالات
مقالات أخرى
05 نوفمبر 2024
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024