نادين شمس... إنهم يقتلون الأحلام أليس كذلك؟

23 مارس 2014
نادين شمس مع ابنيها
+ الخط -

(كل سنة ونحن النساء طيبات وحلوات وجدعات، بنتخانق ونعلي صوتنا ونحرر شوارع ونغير مفاهيم ونغسل أدمغة ونثور ونرسم ونلعب ونحب ونتحب وندوق المتع بمل ألوانها ونبقى أمهات وطبيبات وكاتبات ورئيسات، متمردات جريئات سافرات بنقول للدنيا والمجتمع بأعلى صوت.. هو ده آخرك، وريني كمان، أنا لسه مكملة المشوار)
لم تدرك نادين شمس، كاتبة السيناريو المصرية الشابة، حين كتبت هذه الكلمات على صفحتها بموقع الفيسبوك يوم الثامن من مارس/آذار "اي يوم  المرأة العالمي، يحدوها الأمل أن تشارك نساء العالم والأمهات أعيادهن، أنها ستكون كلماتها الأخيرة. ولم تعرف نادين حين دخلت المستشفى يوم 9 مارس أنها ستأخذ أحلامها معها وترحل..

نادين ذات 41 عاماً، قصدت المستشفى مع حلمها بالأمومة، تبحث عن علاج لعدم الحمل، فأشار الأطباء بإجراء جراحة لمعالجة أورام ليفية بالرحم، وأخطأ مشرط الطبيب فصنع ثقباً بالقولون، وأغلق الجرح على خطئه، ما تسبب في تسمم الدم الذي أدخلها في غيبوبة لأيام، ومن بعدها الموت.

ويبدو أن قائمة أحلام "نادين" المعلقة كثيرة، فقد نشرت صورة لرجال الشرطة في أوكرانيا في الميدان ينحنون على ركبهم طلباً للصفح من الشعب على قتل متظاهرين بعدما لقي 88 متظاهراً مصرعهم في مواجهات مع الشرطة على مدى 3 أشهر، وكتبت فوقها:

(عمري ما هعيش واشوف اليوم ده في مصر!)

وحتى لا تعيش "نادين" معلقة بهذا الحلم أو تكمل السعي إلى تحقيقه مع غيرها ممن ثاروا على دولة القهر في مصر، فقد سلّمتها الدولة ليد الإهمال تنهي حياتها، ليبقى حلمها معتقلاً مع أحلام كثير من المصريين وأجسادهم الذين ضجت السجون بهم، حتى كانت آخر صورة وضعتها نادين لصفحتها هي "الحرية للجدعان".

ليست وحدها

لم تكتف الدولة في مصر بقتل المصريين بالسلاح، بل تركت الإهمال يعيث فساداً في أرواحهم، فمع مذابح أجهزة الأمن التي تنفذها بحق المصريين بنحو منهجي ومنتظم في الشوارع والميادين، وفي حربها المزعومة على الإرهاب في سيناء، كان الفساد والإهمال سبباً في إزهاق أرواح المئات غرقاً وحرقاً وبمشرط طبيب لا يجد من يحاسبه على أرواح الناس.

ولا يكاد يمر يوم إلا وتُنكب أسرة مصرية في أحد أبنائها بسبب الإهمال في المستشفيات المصرية الحكومية والخاصة التي لم تعد أحسن حالاً.. حيث حياة الناس هي مجرد "حالات" تدفع الثمن.

فقبل حادثة "نادين" بأيام قليلة، دخلت شابة مصرية تدعى "جليلة فايز" أحد المستشفيات الخاصة لإجراء جراحة بسيطة، لكن طبيباً آخر أخطأ فأصيبت بالتهاب في الدم، ما أدى إلى توقف القلب بعد غيبوبة لعدة أيام.

ورغم أن وزارة الصحة المصرية أعلنت أنها أغلقت 2134 مستشفى وعيادة ومركز علاج طبيعي بسبب الاهمال الطبي وعدم مطابقتها للمواصفات، إلا أن من الواضح أن السجل ممتلئ، وعدد من يضارون بسبب الإهمال الطبي أكثر مما نتوقع، بين من يموتون نتيجة ذلك أو يصابون بعاهات أو أمراض لم تخطر لهم على بال. 

ورصدت الجمعية المصرية للدفاع عن ضحايا الإهمال الطبي في تقرير لها 2100 ضحية سنوياً، وأشار التقرير إلى أن هناك 900 قضية إهمال ضد أطباء تنظرها النيابة العامة سنوياً، أي بمعدل 3 قضايا يومياً.

يذكر أن المستشفى الذي وقعت فيه الحادثة، قام بالتغيير في صيغة تقريره حول سبب وفاة نادين، لينفي تهمة الإهمال عن أطبائه، فطالب أهلها بتشريح جثمانها لمعرفة سبب الوفاة الحقيقي، وأعلن المتحدث الرسمي باسم مصلحة الطب الشرعي في مصر أن تقرير الهيئة سيصدر خلال شهر!

وكتبت الطبيبة المصرية هنا سليمان على صفحتها بالفيسبوك: - حين عرفت بما حدث مع نادين- تقول إنها لم تكن تعرف نادين، لكنها تعرف كثيراً من أصدقائها، وإنها تابعت قلق أهلها وأصدقائها ودعت معهم أن تتعافى هذه الإنسانة الجميلة المحبوبة وأن ترجع لحياتها وإبداعها ومحبيها.

ثم تقول: لم أعرف التفاصيل الطبية إلا بعد خبر الوفاة المفجع، وقصة نادين من الناحية الطبية تشبه قصة ابنة خالي التي حدث لها ثقب في الأمعاء بعد عملية منظار لم يكن له أي ضرورة طبية، مما تسبب في التهاب الغشاء البريتوني.

الأخطاء الطبية واردة، لكن التعامل معها أظهر لي أمراضاً كثيرة في المهنة، لأن الأستاذ الكبير الذي أجرى العملية في مستشفى خاص شهير في مصر الجديدة، أنكر ما حدث رغم وجود أشعة تثبت الخطأ، وأن زملاءه كانوا يمرون على المريضة ويرفضون الحديث مع أهلها.

كان من الممكن أن يكون مصير ابنة خالي كمصير نادين، لولا أن أختها طبيبة نساء وولادة عادت إلى مصر من الخارج فور علمها بما حدث وأصرت على أن تنقلها إلى مستشفى آخر، وتجري لها عملية جديدة، ومنعت هذا "الأستاذ الكبير" من التدخل.

وبعد ذلك تحول التواطؤ والسكوت على الخطأ والكذب، إلى استعطاف لمنع الفضيحة.

المهم أنها نجت بعد علاج طويل ومضاعفات أخرى في الرئة من طول وجودها في المستشفى على حساب أهلها من غير علاج أو اعتراف، وحاول أهلها أن يأخذوا حقها بالقانون من دون فائدة.
الوضع في المستشفيات الخاصة في حالات كثيرة هو جزء من فوضى النظام الصحي في مصر، وغياب المعايير والتدريب وأخلاق المهنة التي تدهورت مع التدهور العام، وغياب المحاسبة أو شكليتها وسيادة قانون العصابات، وأخلاق العصبة بالباطل وشيوع منطق أن الطبيب لا يشهد ضد زميله!
لا أقول أن يتحول الأطباء لكبش فداء، لأن هذا لن يصلح الحال، لكن حق نادين وغيرها من الناس الذين فقدوا أرواحهم لن يأتي بدون محاسبة المهمل والمتواطئ.

 

المساهمون