ميركل أمام تحدي انتخابات برلين: وقف تمدّد اليمين الشعبوي

18 سبتمبر 2016
موالون لليمين الشعبوي يتظاهرون ضد ميركل في برلين(شون غالوب/Getty)
+ الخط -
لن تكون الانتخابات المحلية في العاصمة الألمانية برلين اليوم الأحد عادية، إذ ستظهر إمكان استمرار حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي في تحقيق تقدّم على حساب الحزب الحاكم "المسيحي الديمقراطي" الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
ونجح "البديل" في تحقيق نتائج بارزة، كان آخرها في الانتخابات المحلية في ولاية مكلنبورغ فوربومرن، التي تمكّن فيها من فرض نفسه كثاني أكبر قوة حزبية مقابل تراجع حزب ميركل إلى المركز الثالث. واستغل الحزب اليميني سياسة اللجوء لجمع أصوات المعادين للأجانب، القلقين من تزايد أعداد اللاجئين في البلاد. هذه المعطيات تفرض تحديات جديدة أمام ميركل وحزبها، بعد التراجع الذي بات يهدد بخروجها من الحكم.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن منافسة محمومة ستشهدها انتخابات برلين، إذ تتقارب الأرقام بين متصدر المشهد الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" بنسبة 23 في المائة، و"المسيحي الديمقراطي" بنسبة 18 في المائة، فيما يتعادل بالأرقام كل من أحزاب "الخضر" و"اليسار" و"البديل من أجل ألمانيا" بما نسبته 14 في المائة تقريباً من الأصوات. وأمام هذا الواقع، من المتوقع أن تشكّل نتائج تلك الانتخابات والتي يحق لحوالي 2,5 مليون من أصل 3,7 ملايين مواطن المشاركة فيها، بداية جديدة وحقيقية لبرلين، المدينة المعروفة دولياً وشعبياً بسياحتها وتنوعها المجتمعي.
ويطمح الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" بالاستمرار في تفوّقه على الأحزاب الأخرى، مراهناً على رصيده الشعبي في المدينة التي يحكمها منذ أكثر من 15 عاماً، طارحا العديد من الوعود، منها تقديم الوظائف الجديدة وبناء المساكن وتمويل مشاريع البنية التحتية وتحسين إدارة مجالس التعليم والخدمات، إضافة إلى العمل على الحد من التسرب المدرسي خصوصاً لدى الطلاب الأجانب، علماً أن المدينة وخلال عام وصل إليها أكثر من 80 ألف لاجئ أغلبهم من سورية.
في المقابل، يلفت مراقبون إلى أن كل الاحتمالات تبقى مفتوحة في هذه الحملة الانتخابية والنتائج غير مضمونة، والسؤال الحقيقي ليس من سينتصر، إنما كيف سيتم إيجاد الحلول الأفضل للمدينة، والتعامل بين شركاء الائتلاف من خلال التركيز على القضايا الكبرى، منها الأمن واللاجئون والخدمات ومواجهة الإيجارات المرتفعة جداً والإدارة البطيئة للغاية في مدينة سريعة النمو.
في حين يتحيّن حزب "البديل" الفرصة لتحقيق نتائج جيدة على غرار ما حصل في انتخابات ولاية مكلنبورغ فوربومرن بداية الشهر الحالي. إلا أن محللين يرون أن الواقع الانتخابي في برلين مختلف تماماً عن باقي الولايات الألمانية، ويعود السبب في ذلك إلى الطروحات غير الواقعية التي يتبنّاها "البديل"، ومنها العمل على إعادة اللاجئين إلى بلدانهم في وقت لا تزال فيه الحرب مستمرة في العراق وسورية، ولا إمكانية لإعادتهم؛ وهذا بعيد عن المنطق والمبادئ الإنسانية.


ويحتل موضوع الأمن حيزاً مهماً في الحملات الإعلانية وفي برامج الأحزاب وخطابات مرشحيهم، وذلك مع ازدياد نسبة الجريمة في المدينة. وفي هذا السياق، طالب مرشح الحزب "المسيحي الديمقراطي" فرانك هنكل بمزيد من المراقبة بالفيديو، فيما دعا حزب "الخضر" لنشر المزيد من قوات الشرطة في الأحياء ومحطات القطارات والساحات، بينما اعتبر حزب "اليسار" أن مكافحة العنصرية أولوية عندما يتعلق الأمر بالأمن.
ويرجح مراقبون إمكانية قيام نوعين من التحالف، الأول بين "الاشتراكي الديمقراطي" و"الخضر" و"اليسار"، أو بين "الاشتراكي الديمقراطي" و"المسيحي الديمقراطي" بزعامة ميركل، علماً أن عمدة المدينة "الاشتراكي الديمقراطي" مايكل مولر كان قد أعلن عن رغبته بالتحالف مع "الخضر" على حساب "المسيحي الديمقراطي". ويشدد المراقبون على أهمية عدد الأصوات التي من الممكن أن يسحبها "البديل" من أمام الأحزاب التقليدية؛ ما سيسبب المزيد من الإرباك، وربما يعيد خلط الأوراق من جديد في حال تمكن اليميني الشعبوي من التقدّم على أحزاب أخرى كـ"الخضر" مثلاً. كما قد يحزم ناخبو "المسيحي الديمقراطي" أمرهم ويتوجّهون بكثافة إلى صناديق الاقتراع لدعم توجهات المستشارة ميركل، وبالتالي التمكّن من معادلة الأصوات مع "الاشتراكي الديمقراطي"، وبالتالي فإن المدينة ستكون على موعد مع صراع نفوذ جديد على السلطة، وهذا ما يرحب به عدد من المحللين؛ كونه سيصب بطريقة أو بأخرى في مصلحة المواطنين في برلين الذين عانوا من تقلّص حجم الخدمات خلال السنوات الماضية، آملين أن تكون النتائج بحجم التوقعات وتشكّل صدمة إيجابية وترسم مساراً جديداً في السياسات الامنية والاجتماعية والخدماتية في المدينة، بعد أن تدنى مستواها وعمت الفوضى في إداراتها.
في المقابل فإن الأحياء التي يقطنها المواطنون الأجانب، خصوصاً الأتراك والعرب، تُظهر هذه المرة نوعاً من الحماسة للانتخابات. ويقول عدد من هؤلاء في أحاديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحملات الانتخابية خيضت هذه المرة على حسابنا وبغض النظر من هي الجهة المؤيدة والرافضة، إذ عمد الكثير من ممثلي الأحزاب إلى التعميم وبالأخص في مجالات الأمن واللجوء والتسرب المدرسي، ملمّحين إلى أن الإهمال والفوضى في المدينة سببهما الجاليات الأجنبية". ويعتبر هؤلاء أن "على المواطن البرليني من أصول أجنبية أن يعاقب من تسبب بالإهمال لهذه الفئات، ودعم الأحزاب التي تعمل بانفتاح تجاه الأجانب منهم، وذلك من أجل رفع شأنهم وتغيير الصورة النمطية والاتهامات التي تساق بحقهم"، مضيفين أن "الأجيال الناشئة بأكثريتها ترغب في الانخراط في المجتمع الألماني بشكل أفضل، وتطمح في تحقيق مستقبل أكاديمي ومهني جيد والحصول على فرص عمل مناسبة".