شكّل ميثاق الأغلبية الحكومية، الذي وقعه زعماء الأحزاب المغربية الستة، العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي، والاتحاد الدستوري والتقدم والاشتراكية، يوم الاثنين الماضي، في الرباط، وثيقة سياسية نقلت العمل الحكومي في المغرب من العرف السائد إلى مستوى القوانين المكتوبة والملزمة. وجاء إقرار هذا الميثاق، في ظرف سياسي حرج اجتازته حكومة سعد الدين العثماني، بعد نجاح رئيسها في ترميمها إثر الإقالة الملكية لعدد من الوزراء بسبب تحقيقات الحسيمة ـ منارة المتوسط.
لكن حكومته اصطدمت بعد ذلك، بالتصريحات النارية التي أطلقها رئيس الحكومة السابق، زعيم العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، في مؤتمر لشبيبة الحزب، طاولت وزير الفلاحة عزيز أخنوش، القطب الرئيسي في الائتلاف الحكومي، وانتقده لجمعه بين الثروة والعمل السياسي. وكرَت سبحة الأحداث بعد ذلك، وتوّجت بمقاطعة مقنّعة من طرف وزراء التجمع الوطني للأحرار لاجتماعات مجلس الحكومة في الجلسات الأسبوعية. ما رفع المخاوف من احتمال تعرّض الحكومة لهزة ثانية، ودفع العثماني إلى الخروج أكثر من مرة للدفاع عن "سلامتها"، مؤكدا أن "تغيّب وزراء التجمّع لا علاقة له بتصريحات بنكيران، التي لا تمثل رئيس الحكومة ولا موقف قيادة العدالة والتنمية". وعلل تلك الغيابات العرضية المسجلة بمهام وزارية أو حزبية مبرمجة مسبقاً. وتوقيع "الميثاق"، وهو وثيقة داخلية لا طابع دستورياً لها، بل هي أقرب إلى الالتزامات الأدبية منه إلى القوانين الجاري بها العمل، رغم أن محرريه أصروا على وضع ديباجة الدستور المغربي الذي قدم كعرض سياسي ودستوري من المؤسسة الملكية استجابة لحركة الشارع المغربي في 20 فبراير/شباط 2011.
وربط "الميثاق" التزامات الأغلبية الحكومية الحالية بالالتزامات الدستورية لكافة مكونات المشهد السياسي المغربي من دولة وأحزاب ونقابات ومجتمع مدني. ورغم الأهمية التحكيمية لمثل هذه الوثيقة في حال الخلافات بالبيت الحكومي، وهي ليست سابقة في المشهد السياسي المغربي، الذي عرف صياغة مواثيق سياسية، على غرار ميثاق "الكتلة الديمقراطية"، فإن المواعيد الحاسمة، ومنها المواعيد الانتخابية، عادة تُفرط عقد الأغلبية، مع بروز الطموحات الحزبية إلى السطح. ما عنى أن الزمن الحكومي المقبل، سيكون اختبارا حقيقياً لصمود هذا الاتفاق بين سياسيين يتطلعون بكثير من الطموح الزائد إلى الانتخابات التشريعية في 2021.
أقرّ الميثاق بثلاثة أعمدة رئيسية في الدستور، وقد جرى تضمينها بنصها وكما وردت حرفياً في الوثيقة الدستورية، وهي التزام المغرب ببناء دولة ديمقراطية عمادها الحق والقانون، ومرتكزاتها المشاركة والتعددية، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
اقــرأ أيضاً
والمبدأ الدستوري الثاني هو إسلامية المغرب وسيادته ووحدته الترابية، وصيانة وتلاحم وتنوع مقومات هويته الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناته، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافده الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. والمبدأ الثالث، هو التأكيد على أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية. ويقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلطات، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وربط المسؤولية بالمحاسبة. وتستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.
هذه هي المبادئ الكبرى والمشتركات التي مهد بها الميثاق، للانصراف إلى إقرار تدابير عملية وآليات لتفعيل ميثاق الأغلبية قائم على إحداث ثلاث هيئات. الأولى، هيئة رئاسة الأغلبية، المكوّنة من رئيس الحكومة رئيساً، وعضوية الأمناء العامين للأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية الحكومية أو من ينوبون عنهم، إضافة إلى قيادي ثان من كل حزب. الثاني، هيئة الأغلبية بمجلس النواب، المكوّنة من رؤساء فرق ومجموعات أحزاب الأغلبية، أو من ينوبون عنهم، وتكون رئاستها بشكل دوري كل سنة تبدأ حسب ترتيب عدد المقاعد بمجلس النواب. وتنعقد اجتماعاتها العادية مرة كل شهرين، ويمكنها عقد اجتماع أسبوعي للتنسيق أثناء الدورات، أو بصفة استثنائية بطلب من أحد الرؤساء. الثالث هيئة الأغلبية بمجلس المستشارين، المكوّنة من رؤساء أحزاب الأغلبية، أو من ينوبون عنهم، وتكون رئاستها بشكل دوري كل سنة تبدأ حسب ترتيب عدد المقاعد بمجلس المستشارين. وتنعقد اجتماعاتها العادية مرة كل شهرين، ويمكنها عقد اجتماع أسبوعي للتتبع والتنسيق أثناء الدورات، أو بصفة استثنائية بطلب من أحد الرؤساء.
وخصّص الميثاق حيزاً آخر للكيفيات وأجندة العمل، وكل القضايا العالقة بين الفرقاء والتنسيق المشترك أثناء عرض مشاريع القوانين على غرفتي مجلس النواب، ودورية الاجتماعات. ولعل أهم لجنة في الميثاق هي لجنة التواصل والإعلام، بمهمة إطفاء الحرائق الإعلامية التي نشبت في حكومة العثماني.
لكن السقوط في الإجراءات الشكلية وفي مساومات سياسية يمكن أن ينهي العمل بالميثاق في أي لحظة، مع تكرار الخروج الإعلامي لعبدالإله بنكيران، أو ظهور طموحات كبيرة عند هذا الطرف الحكومي أو ذاك. وقد بيّنت الأزمة الحكومية الأخيرة مقدار هشاشة التضامن بين مكونات الأغلبية، في حين اختفى الحديث عن مصير الوزراء التكنوقراط في التشكيل الحكومي، وما إذا كانوا ملزمين بميثاق الأغلبية، أم أنهم محاصرون بواجبات التحفظ الإعلامي، باعتبار أنهم وزراء سيادة معينون من طرف الملك بطريقة غير مباشرة، وبموافقة رئيس الحكومة، كالداخلية والأوقاف والخارجية.
غير أن عدم شمول الميثاق التنسيق على مستوى الجماعات الترابية (البلديات والهيئات التمثيلية المحلية) و"قوننة" تحالفات مجالسها المسيرة من داخل الأغلبية الحكومية، عرّض الميثاق الوليد لأكبر ضربة. مما عنى أن نموذج التنمية المحلية الذي دعا الملك محمد السادس إلى تجديده بسبب فشل الحالي، قد سقط من اعتبارات ميثاق هاجسه الأكبر تدبير اللحظة الراهنة وتجاوز العقبات اليومية ومنح ترياق الاستمرار لحكومة محاصرة بتحديات كبرى، أهمها الملف الاجتماعي في الجهات ومدن الهامش.
اقــرأ أيضاً
لكن حكومته اصطدمت بعد ذلك، بالتصريحات النارية التي أطلقها رئيس الحكومة السابق، زعيم العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، في مؤتمر لشبيبة الحزب، طاولت وزير الفلاحة عزيز أخنوش، القطب الرئيسي في الائتلاف الحكومي، وانتقده لجمعه بين الثروة والعمل السياسي. وكرَت سبحة الأحداث بعد ذلك، وتوّجت بمقاطعة مقنّعة من طرف وزراء التجمع الوطني للأحرار لاجتماعات مجلس الحكومة في الجلسات الأسبوعية. ما رفع المخاوف من احتمال تعرّض الحكومة لهزة ثانية، ودفع العثماني إلى الخروج أكثر من مرة للدفاع عن "سلامتها"، مؤكدا أن "تغيّب وزراء التجمّع لا علاقة له بتصريحات بنكيران، التي لا تمثل رئيس الحكومة ولا موقف قيادة العدالة والتنمية". وعلل تلك الغيابات العرضية المسجلة بمهام وزارية أو حزبية مبرمجة مسبقاً. وتوقيع "الميثاق"، وهو وثيقة داخلية لا طابع دستورياً لها، بل هي أقرب إلى الالتزامات الأدبية منه إلى القوانين الجاري بها العمل، رغم أن محرريه أصروا على وضع ديباجة الدستور المغربي الذي قدم كعرض سياسي ودستوري من المؤسسة الملكية استجابة لحركة الشارع المغربي في 20 فبراير/شباط 2011.
أقرّ الميثاق بثلاثة أعمدة رئيسية في الدستور، وقد جرى تضمينها بنصها وكما وردت حرفياً في الوثيقة الدستورية، وهي التزام المغرب ببناء دولة ديمقراطية عمادها الحق والقانون، ومرتكزاتها المشاركة والتعددية، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
والمبدأ الدستوري الثاني هو إسلامية المغرب وسيادته ووحدته الترابية، وصيانة وتلاحم وتنوع مقومات هويته الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناته، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافده الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. والمبدأ الثالث، هو التأكيد على أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية. ويقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلطات، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وربط المسؤولية بالمحاسبة. وتستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.
هذه هي المبادئ الكبرى والمشتركات التي مهد بها الميثاق، للانصراف إلى إقرار تدابير عملية وآليات لتفعيل ميثاق الأغلبية قائم على إحداث ثلاث هيئات. الأولى، هيئة رئاسة الأغلبية، المكوّنة من رئيس الحكومة رئيساً، وعضوية الأمناء العامين للأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية الحكومية أو من ينوبون عنهم، إضافة إلى قيادي ثان من كل حزب. الثاني، هيئة الأغلبية بمجلس النواب، المكوّنة من رؤساء فرق ومجموعات أحزاب الأغلبية، أو من ينوبون عنهم، وتكون رئاستها بشكل دوري كل سنة تبدأ حسب ترتيب عدد المقاعد بمجلس النواب. وتنعقد اجتماعاتها العادية مرة كل شهرين، ويمكنها عقد اجتماع أسبوعي للتنسيق أثناء الدورات، أو بصفة استثنائية بطلب من أحد الرؤساء. الثالث هيئة الأغلبية بمجلس المستشارين، المكوّنة من رؤساء أحزاب الأغلبية، أو من ينوبون عنهم، وتكون رئاستها بشكل دوري كل سنة تبدأ حسب ترتيب عدد المقاعد بمجلس المستشارين. وتنعقد اجتماعاتها العادية مرة كل شهرين، ويمكنها عقد اجتماع أسبوعي للتتبع والتنسيق أثناء الدورات، أو بصفة استثنائية بطلب من أحد الرؤساء.
لكن السقوط في الإجراءات الشكلية وفي مساومات سياسية يمكن أن ينهي العمل بالميثاق في أي لحظة، مع تكرار الخروج الإعلامي لعبدالإله بنكيران، أو ظهور طموحات كبيرة عند هذا الطرف الحكومي أو ذاك. وقد بيّنت الأزمة الحكومية الأخيرة مقدار هشاشة التضامن بين مكونات الأغلبية، في حين اختفى الحديث عن مصير الوزراء التكنوقراط في التشكيل الحكومي، وما إذا كانوا ملزمين بميثاق الأغلبية، أم أنهم محاصرون بواجبات التحفظ الإعلامي، باعتبار أنهم وزراء سيادة معينون من طرف الملك بطريقة غير مباشرة، وبموافقة رئيس الحكومة، كالداخلية والأوقاف والخارجية.
غير أن عدم شمول الميثاق التنسيق على مستوى الجماعات الترابية (البلديات والهيئات التمثيلية المحلية) و"قوننة" تحالفات مجالسها المسيرة من داخل الأغلبية الحكومية، عرّض الميثاق الوليد لأكبر ضربة. مما عنى أن نموذج التنمية المحلية الذي دعا الملك محمد السادس إلى تجديده بسبب فشل الحالي، قد سقط من اعتبارات ميثاق هاجسه الأكبر تدبير اللحظة الراهنة وتجاوز العقبات اليومية ومنح ترياق الاستمرار لحكومة محاصرة بتحديات كبرى، أهمها الملف الاجتماعي في الجهات ومدن الهامش.