في النصف الثاني للقرن التاسع عشر، غادر العديد من الفنانين باريس والشمال، وجذبتهم الأضواء الجنوبية، ليستقروا بين الحدود الإسبانية والريفيرا الإيطالية، وكان لهذا الانتقال أثر كبير كشف عن شخصياتهم الفنية من خلال أعمالهم التي صورت المناظر البحرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط بمجموعة متنوعة من الأساليب.
في 2013، دعا "غاليري كاريير دو لوميير" في باريس، إلى تتبع اختلافات 16 فنانًا من هؤلاء الذين انتقلوا إلى الجنوب الفرنسي والإيطالي والإسباني، بهدف إعادة تقديم رؤيتهم للبحر الأبيض المتوسط وفهم طرق التمثيل العديدة للمتوسط في تاريخ الفن الحديث. وبدأ الغاليري رحلة التتبع هذه من خلال سلسلة من المعارض ثلاثية الأبعاد، أبرزها معرض الفنان الهولندي فان غوغ وآخر للفنان النمساوي غوستاف كليمت، الذي أقيم العام الماضي وأتاح عرض الأعمال على شاشات ثلاثية الأبعاد على شكل جداريات حيّة.
كان الهدف من دعوة الغاليري هذه أيضاً التنقل الرقمي بين تيارات مختلفة في قلب الحداثة التصويرية، من الانطباعية إلى التنقيط والنزعة الوحشية البدائية وصولاً إلى الفنتازيا والسريالية، إذ يجري توظيف التقنيات المتطورة لإقامة هذه المقاربات الجديد.
وفي هذا الإطار يشهد الغاليري حالياً معرضاً تحت عنوان "مونيه، رينوار، شاغال: رحلات حول المتوسط"، يتواصل حتى 21 شباط/ فبراير 2021، وقد سبق وأن قُدّم معرض تحت العنوان نفسه في 2013 ولكن بأعمال مختلفة.
يأتي المعرض في سبع سلاسل وتحتاج للانتهاء منه إلى أربعين دقيقة من العرض الرقمي للأعمال، والتي تضم خمسمئة عمل، من بينها إلى جانب أعمال الفنانين الثلاثة الذين يعلن عنهم العنوان، أعمال لمونيه، وبونار دوفيه، وماتيس، وفلامينك، وديرين، وكاموان وآخرين.
قام بتنفيذ العرض البصري والموسيقي الفنانون جيانفرانكو إينوزي، وماسيمليانو سيكاردي، وريناتو غاتو، حيث تم تصميم الجدران الحاملة الرقمية بطول عشرة أمتار تغمر المتلقي والمساحة ما بينها بالألوان المشرقة التي تتموج مع التحريك، فاللوحات متحركة سواء على صعيد الشخصيات فيها أو من حيث حركة العمل نفسه حتى أنه يبدو منظراً طبيعياً حياً، حيث تم إعادة تركيب خط تلو الآخر لإعطاء وهم البحر والشمس المتلألئة.
كل عمل معروض تقدم عنه معلومات أساسية مثل اسم الفنان وتاريخ الرسم والمتحف الذي يقتني اللوحة، كما يتيح الغاليري تطبيقاً لمشاهدة المعرض من الهاتف المحمول.
في الوقت نفسه، يقيم الغاليري معرضاً مماثلاً خاصاً بعنوان "إيف كلاين، الأزرق اللامتناهي"، احتفاء بالفنان الفرنسي (1928-1962) الذي أراد تحويل حياته إلى عمل فني، ويضم المعرض تسعين عملاً وستين صورة أرشيفية.
بالنسبة إلى الفنان الذي ولد وعاش في مدينة نيس، كان البحر المتوسط أصل إلهامه؛ "الرسم هو اللون"، كما كان يقول، وهو الأزرق الذي يسعى إلى فرده وتضخيمه في أنقى صوره ليأخذ اللون بعدًا روحانيًا وميتافيزيقيًا في أعماله.