موندياليات: الباشا تركي والشاي عالصبي!

19 يونيو 2014
ياسويوشي شيبا (AFP/Getty)
+ الخط -

 

أشار نافياً بحركة من رأسه. فهم صديقه "صبي الشاي" الذي يعمل في المقهى المجاور أنّ عبد الرحمن لن يشاهد المونديال معه. ضبط الأخير حقيبته المدرسية الجلدية الفاخرة، عدّل من شكل تسريحته والتحق بباص المدرسة، فيما تابع محمود، عامل المقهى، توضيب الكراسي.

بين مبنى عبد الرحمن والمقهى، زيّن الشبان الطريق بعلم تركي كبير. مونديال صيف 2002 جعل من أزقّة بيروت لوحة فسيفساء كبيرة من الألوان. فإضافة إلى أعلام الفرق الكبرى، كالبرازيل وألمانيا وإيطاليا وغيرها..، توزّعت رايات السعودية وتركيا وتونس. فمنتخبات كهذه تلقى مساحة تشجيع خاصّ بها في أوساط العائلات البيروتية العتيقة.

بدأت مباراة المركزين الثالث والرابع. تركيا تتقدّم بهدف سريع للاعبها الشهير هاكان سوكور. بدا الصخب في المقهى بعيداً جداً عن شرفة منزل عبد الرحمن. ترّاس المنزل الفخم آخر المبنى كان يشعّ بأضواء تخرج بين جنبات الديكور. قيل إنّ والدة عبد الرحمن استعانت بمهندس إنارة متخصّص لتركيبه. طاولة المنزل الكبيرة حوت أصنافاً متعدّدة من المازات البيروتية والحلويات العربية، وحتّى البسبوسة التركية التي تجيد والدة عبد الرحمن طهيها. ذاك التخصّص في مجال الحلويات مردّه إلى جدّة عبد الرحمن التركية الأصل، نظلت خانم.

يصرخ المعلّق: "يا سوكور.. يا سوكور... ماذا فعلت يا رائع؟". فهرب عبد الرحمن من رتابة المشاهدة غير الحماسية في المنزل، ووقف ينظر إلى حلقات الرقص و"التهييص" في المقهى. نادى محمود صديقه كي ينزل. لم يتحمّل حفيد الجدّة التركية قضاء سهرة كهذه، وسط دخان التبغ العجمي الأصليّ، المتصاعد من الأراغيل الفخمة على ترّاس العائلة. هبط مسرعاً دون أن يردّ على والدته التي صاحت: "لوين يا عبد.. عالطريق يا عبد؟ هاي آخرتها؟ عالشارع؟ يا ابن الباشا؟".

ابن الباشا ركّز كفّيه جيداً، وبنعله الصيني وضع "صبي الشاي" رجله عليها. وصل إلى نقطة مرتفعة من عامود الإنارة الضخمة في الحيّ: "أوعا تفلتني يا عبد"، قال له، فأجابه: "يلّا بسرعة لصّقها يا محمود".

أم عبد على ترّاسها الفخم هالها المشهد. حملت صينية البسبوسة التركية بيدها المرتجفة. نظرت بحسرة إلى ابن الباشا الذي يرقص كالمجنون مع صديقه. صرخت بصوت متقطّع: "يا ماما ما بيسوى هيك، طلاع كول حلو.. ما لازم تبقى عالشارع. يا ماما إنتَ ستّك تركية! هلّق بتعوّر إيدك!".

غرقت أم عبد في حزنها، وغرق ابن الباشا في فرحه. وحده مشهد الشارع يشبه المباراة. وحده "صبي الشاي" يعرف معنى كرة القدم في تلك اللحظة.

 

المساهمون