موظف غزة: لم يعد ينتظر مرتبه أول الشهر

09 مارس 2015
عطا بشير يمارس عمله بتنظيم المرور(العربي الجديد/عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -


مطلع كل شهر، لم يعد يعني الكثير للموظف عطا بشير، من مدينة غزة، بعد أن حُرم من راتبه منذ تسلم حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية مهامها، قبل نحو ثمانية أشهر، عاش خلالها ظروفاً صعبة، تدهورت أوضاع أسرته حتى وصلت حد المأساوية.

ومع بشير، والذي يعمل شرطياً في غزة، ما يزيد على أربعين ألف موظف عسكري ومدني وظفتهم حكومة "حماس" السابقة، لم يتلقوا أي راتب منذ ثمانية شهور، ونظموا خلالها عشرات

الوقفات الاحتجاجية، التي لم تلقَ أي صدى عند المسؤولين، سوى الرد بوعود لم يطبق أي منها.

الشقة الصغيرة التي بناها بشير في منزل والده بدت خاوية، حتى من الحاجيات الأساسية، على الرغم من حداثة زواجه، كما بدت جدرانه التي لوّنها ألواناً جميلة حزينة على الحال الذي وصل إليه، والحرمان الذي أفقده هناء العيش.

بشير يقول لـ "العربي الجديد"، "على الرغم من بساطة راتبي إلا أنني فقدته، وأصبحت حياتي تشبه حياة المتسولين، تقتصر فقط على الاستدانة لتلبية الاحتياجات الضرورية، وفي حال صرف جزء من الراتب، يذهب إلى سداد الديون".

ويتابع بصوت مخنوق، بالكاد يُسمَع، "خدمنا طيلة السنوات السابقة، ولم نتأخر عن واجبنا الوطني الذي يحتمه علينا ضميرنا، وشاركنا في كل الاعتصامات والأنشطة على أمل أن تنتهي قضيتنا العادلة، لكن يبدو أن صوتنا لم يسمع حتى الآن حَيّاً".

ويضيف، "تزوجت قبل عام، وكان راتبي حينها مستقراً نوعا ما، وأنجبت طفلاً، لكني لم أتخيل أن الوضع سيسوء إلى هذه الدرجة، وأصبحت حياتي معلقة على الديون، وبتنا أنا وعائلتي نتنقل بين السيئ والأسوأ".

ويقول، "حين تزوجت ابنة عمتي التي رحبت بي كوني موظفا في جهاز الشرطة، ولي راتب ثابت، تمت الأمور بشكل مناسب، وقمت بأخذ قسط من بعض المحال التجارية الخاصة بالأجهزة الكهربائية والأُثاث، لكن توقف الراتب وضعني في مأزق كبير".

ويشير إلى أنّ الأقساط لم تنتهِ بعد، ويتم خصم جزء منها في حال نزول سُلفة أو جزء من الراتب، ما تسبب في زيادة المأساة التي يعيشها.

ويوضح بشير أنه يعيل هو وأشقاؤه عائلتهم المكونة من سبعة عشر فرداً، مضيفاً "لكن الشهور السابقة كانت الأقسى علينا، حُرمنا الطمأنينة بسبب غياب الراتب، وأشعر أنني أصبحت عبئاً على عائلتي بعد أن كنت مساهماً في توفير حاجياتها".

ويتابع وقد كسا الألم ملامحه، "لم أتخيل يوماً أن يصل حال الموظفين إلى هذه المرحلة، فهم موظفو دولة، وعليها احترامهم وتقديرهم، وتوفير رواتبهم مقابل الجهد الذي بذلوه ويبذلونه، في خدمة المواطنين خلال العمل في أصعب وأخطر الأوقات".
 
ويلفت الشاب الغزي إلى أنه يخجل من زوجته لأنه لا يتمكن من توفير أبسط احتياجاتها، ويذهب إلى عمله في الكثير من الأيام مشياً على الأقدام لعدم توفر ثمن المواصلات في جيبه، وما يجبره على تحمل ذلك هو عدم وجود فرص عمل أخرى في القطاع الساحلي المحاصر.

عشرات التساؤلات تراودت إلى ذهن الشاب بشير الذي اختصرها بتساؤل: "ما هو مصيرنا، هل سنبقى رهينة التجاذبات السياسية بين الفصائل، ألا يكفي الحصار الإسرائيلي الذي أفقدنا حياتنا الطبيعية، ألا يكفي إغلاق المعابر، وارتفاع مستويات البطالة، وانعدام الأمل".

بشير والذي "حمل الهم مبكراً" كما يقول، دعا حكومة الوفاق الوطني إلى تحمل مسؤولياتها تجاه الموظفين الفلسطينيين في قطاع غزة، مضيفاً: "أعرف زملاء لا يوجد لديهم قوت يومهم، ويعتمدون فقط على صدقات أهل الخير، والمساجد، وبعض المؤسسات".

ويشارك بشير وزملاؤه في كافة الاحتجاجات التي تطالب بإنهاء أزمة رواتب موظفي غزة،

ومساواتهم بباقي الموظفين، في ظل صعوبة الحياة في القطاع المحاصر، وقال: "سنواصل المطالبة بحقوقنا لأنها أقل الواجبات التي يمكن أن تقدمها الحكومة لمن قام بدوره على أكمل وجه، ودون أي تقصير".

ويعاني آلاف الموظفين المدنيين والعسكريين في غزة، من عدم صرف رواتبهم منذ تسلم حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني مهامها، في حزيران/ يونيو من العام الماضي، تتقاذفهم أمواج السياسة بين "الشرعية وعدم الشرعية"، ما ينذر بتفاقم المشاكل الإنسانية.

وما زاد من معاناة الموظفين عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأخير على غزة العام الماضي، والذي دمر أكثر من 60 ألف منزل ومنشأة، وساهم في تأزيم الأوضاع المعيشية للسكان البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة، حسب الإحصائيات الرسمية.


اقرأ أيضاً: موظفو غزة يستنجدون بالقضاء لصرف رواتبهم

دلالات
المساهمون