موسيقى الـUnderground تُخيف السلطة

11 يناير 2016
مجموعة من عشاق موسيقى الميتال (Getty)
+ الخط -
على مدى سنوات، كانت موسيقى الـunderground، تحتلُّ حيّزاً ضيقاً في المجتمع العربي عمومًا، والمصري بشكل خاص. حتى جاءت الفرصة وأعلنت هذه الموسيقى عن نفسها بكل وضوح، فلقيت قبولاً ورواجاً في الشارع المصري، وأصبحت الفِرَق المستقلّة اليوم، تقدّم إعلانات تجارية لأهمّ الماركات العالميّة، وتقيم حفلات يحييها عشاق هذه الموسيقى، بعد أن كانوا يتداولون هذه الموسيقى في حدود ضيّقة منذ سنوات. لكن، اليوم، تقام لها حفلات جماهيرية يحضرها الآلاف.

تعاقب السنين لم يكن كافياً لتغيير نظرة المصريين لهذا النوع من الموسيقى، موسيقى underground . إذْ وضعه إعلام المخلوع حسني مبارك قبل الثورة في خانة "عدوّ الدين والدولة"، ومازال هذا النوع من الموسيقى حتى اليوم، أسير حيز اجتماعي ضيق، ومجموعات خاصة، فكلما ظهر محبوها للعلن تعرضوا للمطاردة والتجريم. أبرز هذه المجموعات هم، "الإيمو" و"البانك"، ومن قبلهم "الميتال".

لم تكن حادثة رسومات وسط البلد، التى وضع خطوطها فنانٌ شاب طموح يعمل فى بيع الكتب، قبل 7 سنوات، تحمل أيا من تلك الدلالات السياسية التجريميّة التي اخترعها "أمن الدولة”، وألصقها بـ”الإيموز". فلا معنى مرعبا من وراء صورة رجل بلا رأس، يحمل في يديه مكنسة كهربائية، سوى حلم الشاب بلال في إقامة معرض خاص به للفنون التشكيلية. ولم يجد بلال مكاناً أكثر اتساعا من جدران وسط البلد، كي يضع ويجرب رسوماته عليها.

ولو أن القائمين على الإدانة والاتهام أدركوا منذ البدء، أن الإيموز والبانك والميتال، ماهي إلا أنواع من الموسيقى الغربية التي لقيت هوىً عند بعض الشباب العربي، لعرفوا على الفور أنّها لا تحتمل التجريم أو الإدانة، إلا إذا كان أمن الدولة فعلاً، يريد فرض نوع واحد من الموسيقى
على الجميع.

اقرأ أيضاً: أغاني السمسميّة: المحبّة للمرح والرقص

وهو نفس الجهل الذي ساهم في قضية التسعينات الأشهر على الإطلاق، وهي قضيَّة ما يسمى بـ"عبدة الشيطان"، حين ألقت الشرطة القبض على مجموعة من الشباب، يستمعون لنوع مغاير من الموسيقي السائدة في ذلك الوقت، ويرتدون نفس الملابس، ولهم قصات الشعر ذاتها، فألصقوا بهم تهمة "عبادة الشيطان".

يمكن اعتبار "الإيمو والبانك والميتال" ثقافة شاملة، إذْ ليست لوناً موسيقيّاً فحسب. فثقافة الإيمو مثلاً، مستوحاة من موسيقى البانك الأكثر انتشاراً في بريطانيا، والتي ترتبط بالأشكال الموسيقية الصاخبة والحزينة، كما أنها ترتبط أيضاً بموسيقى الروك والميتال.
ويظهر على عشاق الإيمو صفات عدة، هي الاكتئاب والخجل والتشاؤم والصمت، ويطلق عليهم في علم النفس Punk Hardcore Driven Emotive، وتعني بالعربية "ذو نفسية متمردة حساسة". وتنتشر تلك الثقافة بين المراهقين عادة.

أما البانك، فهو نوع من موسيقى الروك ظهر فى الغرب فى الستينيات، وكان يطلق عليها فى البدء اسم "كراج روك"، وجاء المسمى من خلال مجموعة من الشباب، لم تجد مكان لها لعزف الموسيقى سوى الكراجات، وأقاموا أوّل حفلاتهم في أحد الكراجات. ويعتقد أن البانك هو تطور للهيبيز الأميركان.

وفي الثمانينيات، اشتهرت موسيقى "الهارد روك بانك"، والتي تهتم أساساً بحقوق الإنسان والحيوان، وعرفت موسيقاها بأنها "أناركية"، أي ضد السلطة فى المطلق، وأثناء ذلك ظهر البانك ستايل، وهي الملابس وتسريحة الشعر التي كانت فرق البانك تهتم بها كثيراً، حتى انتشرت كأي موضة بين الشباب فى الغرب، ومحبي البانك فى الدول العربية.

إقرأ أيضاً: إيران تحظر قصَّات الشعر "الشيطانية" ووشوم الرجال

يقول عمر مصطفى، وهو شابّ في الخامسة والعشرين من العمر: "أستطيع أن أصنّف نفسي بأنّي بانك ولست إيمو، لأنَّ عمري كبير بالنسبة للإيمو". ويرى مصطفى بأن البانك أكثر نضجاً من الإيموز، قائلاً: "يهتم البانك بالموسيقى وقدرتها على إيصال الأفكار، لكن الإيموز هو موضة ونمط حياة أكثر".

ويستنكر مصطفى الإشاعات التي تقر بوجود اجتماعات خاصّة سريّة للإيموز، قائلاً: "عرف أمن الدولة المصري الإيمو فقط وقت إضراب 4 مايو/ أيار عام 2008، لأنّ الدعوة
الاحتجاجية آنذاك كانت تنص على ارتداء الناس ملابس سوداء. فقام الأمن المصري بإلقاء القبض على مجموعة من المراهقين الذي يرتدون ملابس سوداء. وفي التحقيقات معهم، تبيّن أنّهم إيموز، وأن هذه الملابس هي النمط الخاص بهم".

ويكمل مصطفى: "من الطبيعي جداً أن يتقابل ويتسامر أصحاب الذوق الموسيقي الواحد، دائمًا يصنع المرء أصدقاء يشبهونه، إذ إنَّ السياسيين يخرجون مع السياسيين، والفنانين يصادقون الفنانين. فلماذا إذا كنت أنا مهتمًا بالروك، أجلس مع أحدهم يحب الراب؟. لن تكون هنالك مشتركاتُ كثيرة بيننا نتكلم فيها. لا يوجد رغبة في تشكيل أي تنظيمات سياسية، أو جماعات سريّة، ولا أي كلام من الذي قيل ويشاع هنا وهناك. هذا سلوك طبيعي لأناس يمتلكون نفس الاهتمامات، لكنّ الدولة تقلق وتخاف من أي تجمع مهما كان".

ويشير علي مدحت، وهو شابٌّ فى الثالثة والعشرين من العمر، إلى أن موسيقى الميتال ظهرت فى مصر منذ أكثر من 25 عاما قبل الإيموز، الذين ظهروا قبل 10 أعوام فقط، قائلاً: "أنا أحب الهارد ميوزيك جداً، ولا توجد هارد ميوزيك أكثر من الميتال".

وكان السبب فى انتشار الميتال فى البلاد العربية، هو قيام إحدى فرق الروك فى مطلع التسعينيات، بعمل أغنية لمناقشة أزمة فلسطين والأراضي المغتصبة، وقامت بتصويرها في فلسطين، مما أدى إلى انجذاب الشباب فى العالم لهذا النوع من الموسيقى. ويؤكد مدحت قائلًا: "لا صحة لللأقاويل التي تشيع بأنَّ لدينا طقوسا سريّة فيها حفلات خاصّة وعبادة للشيطان". ويكمل "المسألة كلها، هي أنَّ الدولة تخاف من التجمّعات، ومن الناس الذين يشبهون بعضهم البعض. والناس لا تمتلك معلومات، لذلك، فإنَّ مسألة توجيههم وإعطائهم معلومات مغلوطة حول موسيقانا، هي مسألة سهلة جدًا".
وينهي مدحت حديثه قائلاً: "اعتقدنا أنَّ الوضع سيتغيّر بعد الثورة، لكن، للأسف".


إقرأ أيضاً: مغنٍ مغمور يستغل الجميلات لمغازلة الجمهور
المساهمون