ويلقي الكثير باللائمة على الحكومة في الفشل بإعادة الهيبة للجيش العراقي ودعمه مالياً وعسكرياً ومعنوياً في ما آلت إليه الأمور من تذمّر كبير في صفوف الجيش النظامي الذي يجد نفسه متراجعاً أمام البشمركة الكردية وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ومليشيا "الحشد الشعبي".
وقال مسؤول رفيع في وزارة الدفاع العراقيّة لـ"العربي الجديد" إنّ "المئات من عناصر الجيش العراقي التحقوا بصفوف المليشيات وتركوا الجيش بشكل نهائي"، موضحاً أن "هذه الظاهرة اتسعت في الأيام الماضية في عدد كبير من وحدات وألوية الجيش العراقي، إذ يترك الجنود الجيش ويلقون أسلحتهم وهوياتهم العسكرية ليذهبوا إلى صفوف الحشد الشعبي، حيث المال والراحة وعدم التقيّد بالقوانين العسكرية والإدارية، فضلاً عن مكانة اجتماعية لعناصر هذه المليشيات داخل بلداتهم وعائلاتهم أيضاً".
وأشار إلى أن "عنصر المليشيا يحصل على ضعف ما يحصل عليه الجندي العراقي من مال، إذ يقبض مرتبين؛ الأول من إيران والثاني من الحكومة العراقية، فضلاً عن هبات وهدايا من رجال الدين، كما أن عنصر المليشيا يرتكب ما يحلو له من دون أن يُحال لقضاء أو يُحاسِب على عكس الجندي النظامي".
ولفت المسؤول العراقي إلى أن "قوات الحشد الشعبي هي من تنفذ عمليات الإعدام الميدانية والحرق والسحل والسرقة، وهذا بحد ذاته مصدر دخل إضافي لها، إذ تحصل على ما يُعرف بالغنائم من معاركها تلك"، كاشفاً عن "تسرّب أكثر من 2700 عسكري من الجيش إلى المليشيات بمختلف فصالها خلال شهر واحد تقريباً".
اقرأ أيضاً: الجيش العراقي يشكو تسلّط "الحشد الشعبي"
أما آمر اللواء الرابع بالفرقة العاشرة في الجيش العراقي العقيد مازن عبد الستار الطائي، والذي استقال من عمله الشهر الماضي وفر إلى تركيا على خلفية تهديدات تلقاها من مليشيا مسلّحة، فقد أوضح في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "وزارة الدفاع العراقية تعاني إهمالاً كبيراً من قِبل الحكومة، وسط مساعٍ لتهميش دورها في المعركة على الإرهاب"، مبيناً أنّ "المؤسسة لا تحظى بأي دعم مادي أو لوجستي، فضلاً عن أنّها تعاني حالة تسيّب كبيرة بسبب سيطرة المليشيات على كافة مفاصلها".
وأضاف أنّ "مئات الجنود يتغيّبون عن الخدمة بشكل مستمر، ولا أحد يستطيع أن يعاقبهم أو يتخذ بحقهم أيّ إجراء قانوني، لأنّهم عند عودتهم إلى وحداتهم يجلبون معهم كتاباً رسمياً من إحدى فصائل المليشيات يخاطب الوحدة العسكرية بأنّ المنتسب منتمٍ للفصيل المسلح وكان في واجب رسمي، الأمر الذي أوجد حالة فساد كبيرة داخل المؤسسة العسكريّة".
كذلك أشار الطائي إلى أنّ "المؤسسة تعاني من عدم تسلّم الرواتب بشكل منتظم، بسبب عدم توفر السيولة الماديّة في الوزارة، الأمر الذي ولّد حالة تذمر كبيرة في صفوف الجنود ودفع بعضهم لترك الخدمة العسكريّة والالتحاق بالحشد الشعبي"، لافتاً إلى أن "مليشيات الحشد استقبلت أولئك الجنود وأدخلتهم في سجلاتها، فضلاً عن أنّ الكثير من هؤلاء الجنود هم منتمون أصلاً للحشد قبل انسحابهم من الجيش الذي كان وجودهم فيه شكلياً".
وكشف أنّ "الوزارة خاطبت القيادة العامة للقوات المسلّحة ممثلة بالقائد العام لها حيدر العبادي، وأبلغته عن مستوى الإهمال في الوزارة وإغراء الحشد الشعبي للجنود وضمهم إلى صفوفه، وما إلى ذلك من تداعيات سلبية على واقع المؤسسة العسكريّة"، مؤكداً أن "الظاهرة تجاوزت الجنود لتشمل الضباط، إذ فر العشرات منهم من صفوف الجيش متجهين إلى المليشيات"، معتبراً هذه الحالة "مخيفة بل ومرعبة للعراق".
من جهته، رأى الخبير العسكري عبد العظيم الشمري، وهو لواء ركن متقاعد من الجيش العراقي، أنّ "مساعي تقويض الجيش العراقي هي قضية متفق عليها داخل الحكومة العراقية وبالتفاهم مع دول إقليمية تسعى لذلك". وقال الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومتين الحالية (حكومة العبادي) والسابقة (حكومة نوري المالكي) عملتا باتجاه واحد بالتعاطي مع الجيش العراقي ووزارة الدفاع"، موضحاً أنّ "المالكي تسبّب بانهيار وهزيمة للجيش خلال دخول داعش إلى الموصل، وهذا الأمر لم يحدث مصادفة، بل تم التمهيد له والاتفاق المسبق على ذلك".
وأضاف أن "العبادي جاء ليكمل ما بدأه سلفه المالكي تجاه المؤسسة العسكرية، ودفع باتجاه تبنّي مشروع الحشد الشعبي ودعمه بكل ما يحتاجه من مال وسلاح على حساب الجيش العراقي، فضلاً عن رسم هالة مقدّسة تحيط بالحشد على اعتبار أنّها المؤسسة الأقوى في العراق، والتي لا ترتكب الانتهاكات، وأنّها الجهة الوحيدة التي تستطيع قتال داعش".
ورأى الشمري أنّ "استمرار المساعي والتوجهات نفسها من المالكي إلى العبادي، يرجع إلى الجهة التي تدعم هذا الاتجاه، والتي تسعى إلى تحطيم الجيش العراقي، وهي إيران"، مبيناً أنّ "إيران تحاول من خلال أدواتها في العراق أن تأخذ ثأرها من الجيش العراقي الذي أذاقها طعم الهزيمة خلال حرب الثمانينيات من القرن الماضي، وقد رأينا أنّ ثأرها لم يكن فقط من الجيش بل شمل حتى مقابر شهداء الحرب العراقية - الإيرانية في تكريت، والتي نبشتها وسوّتها بالجرافات إبّان معركة تكريت ضد داعش التي قادها الحرس الثوري الإيراني".
وأشار الخبير العسكري إلى أنّ "كل ذلك تسبب بانهيار معنويات الجيش ضباطاً وجنوداً، والذين فقدوا الرغبة بالعمل في هذه المؤسسة، ما انعكس سلباً على أداء هذه المؤسسة وهمّش دورها خلال المعركة مع تنظيم داعش، وهذا هو المطلوب بالنسبة للحكومة العراقيّة".
بدوره، رأى المحلل السياسي، فراس العيثاوي، أنّ "المليشيات اليوم في العراق تمر بعصر ذهبي لم تعش مثله في السابق، لا في العراق ولا في غيره". وقال لـ"العربي الجديد" إنّ "المليشيات في العراق، والتي صُنّفت اليوم على أنّها مؤسسة عسكرية تعيش فترة غير مسبوقة، من خلال حصولها على الشرعيّة والجهة الرسميّة، وأنّها المؤسسة الوحيدة في العراق التي لا يستطيع أحد أن يحتك بها، من خلال الدعم والحصانة التي حظيت بها من قبل الحكومة والمرجعية، الأمر الذي جعلها وكأنّها مؤسسة مقدّسة". وأشار إلى أنّ "الدعم المادي والمعنوي والرواتب والمخصصات وغيرها من الأمور التي خُصّصت للحشد، رُصدت لها كمحاولة لإغراء وكسب الجنود في الجيش العراقي لضمهم لصفوف الحشد".
واعتبر العيثاوي أنّ "الحكومة اليوم تخطط وتمهد وتتآمر لمؤسسة على حساب مؤسسة أخرى، علماً أنّ المؤسستين هما عراقيتان وتابعتان لها"، مشيراً إلى أنّ "هذا التوجّه بشكل عام ليس توجهاً لإدارة دولة، بل هو توجّه ضيّق لا يمكن أن يُمارس من قِبل رئيس حكومة بقدر ما هو توجه لزعيم مليشيا أو رئيس عصابة"، محذراً من أن "إدارة الدولة بهذه الطريقة تدفع بالبلاد نحو الانهيار المؤسساتي، وبدأ هذا الانهيار فعلاً من المؤسسة العسكرية، وسيشمل باقي المؤسسات، مما سينتهي بالبلاد إلى التفكك والتصدع".
اقرأ أيضاً: لجنة النزاهة: المالكي أمر الجيش بالانسحاب من الموصل