27 أكتوبر 2024
موسم الهجوم على الأزهر
فور وقوع تفجيرات الأحد الدامي الإرهابية الإجرامية في كنيستين في طنطا والإسكندرية، انطلقت في مصر معزوفة نشاز جماعية قبيحة من الأبواق الإعلامية، بحملة عاتية شعواء، زاعقة هوجاء، وبلُغة متدنيّةٍ غير مسبوقة على الأزهر؛ مؤسسةً، ومشيخةً، ومنظومةً، ورموزاً، وتاريخاً، اجتمع فيها قدر كبير من تصفية الحسابات المفضوحة، والابتزاز المكشوف، والمزايدة المرذولة، على المؤسسة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي، والتي باتت في نظر بعضهم السبب الرئيسي لانتشار التطرّف، وتفريخ الإرهاب وجمود الخطاب الديني (!).
سرعان ما انضمّ إليها نفرٌ من روّاد "التنوير السلطوي" من الذين تصدح حناجرهم، آناء الليل وأطراف النهار، بخطورة "المدّ الظلامي"، وضرورة محاربته، في حين لم ينبس أحدهم ببنت شفةٍ في مواجهة الديكتاتورية والانتهاكات الحقوقية. وقد رمى "التنويريون" الجدد الأزهر باتهامات عديدة، أبرزها التقاعس عن مواجهة التطرّف عبر رفض إصدار فتوى بتكفير "داعش"، وأيضاً بالتقاعس عن تجديد الخطاب الديني وتنقية مناهجه الدراسية من الآراء التراثية القديمة.
يتعيّن القول إنّه، منذ ظهور جماعات العنف الديني منذ عقود، لم يثبت مطلقاً إدانة أزهري واحد بممارسة الإرهاب، ولم تضمّ صفوفها القيادية أزهرياً واحداً. أمّا الأدهى، فهو أنّ الذين دينوا بالإرهاب تخرّجوا في كليّات عملية ونظرية، في جامعات حكومية، بل إنّ بعضهم تخرّج في كليّات عسكرية.
والحقيقة أن رفض الأزهر إصدار فتوى بتكفير "داعش" أمر يستحقّ التقدير من عدّة أوجه، فقد أحاط الشّرع أمر التكفير بضوابط مشدّدة للغاية، في مقدمتها عدم جواز تكفير فئةٍ ما بأكملها جملة واحدة. ومن جهة أخرى، فإنّ الأزهر أراد أن يربأ بنفسه عن الخوض في مستنقع التكفير الآسن، وألا يفتح باباً لن يستطيع أحد إغلاقه بانطلاق متتاليةٍ من فتاوى التكفير والتكفير المضادّ. أمّا المفارقة الطريفة، فهي أنّ "التنويريين" الذين طالما طالبوا خصومهم بالابتعاد عن لغة التكفير، صاروا الآن يطالبون بإصدار فتاوى تكفيرية، فهم "تنويريون".. و"تكفيريون" أيضاً (!).
لا يمكن أن يكون تجديد الخطاب الديني وفق الأوامر "الدولتية"، أو التوجيهات "السلطوية" الفوقية، فهو يحتاج مؤسساتٍ مستقلّة، ومناخا صحيا، وبيئة سليمة، يسودها قدرٌ من الحريات وانفتاح المجال العام أمام الكيانات المجتمعية، فالأفكار المشوّهة في حقيقتها وليدة واقع قاتم، فللواقع سطوته، ويستدعي وينتج أفكاراً من جنسه، والحديث عن تجديد الخطاب الديني في ظلّ غياب الديمقراطية واستحكام القبضة الأمنية، ضربٌ من ضروب العبث، كما لا يمكن التحدّث عن إصلاح وإعادة هيكلة مؤسسة بعينها دون بقية المؤسسات، فحتّى يأتي الإصلاح أُكُله، لا بدّ وأن يكون على قدرٍ من الشمول المؤسساتي.
يظنّ بعض "التنويريين" الذين يعيشون في أبراج عاجية ومجتمعات مخملية، منبتّة الصلة عن عموم المصريين، أنّ إزاحة الأزهر أو تصفيته سيفتح الباب واسعاً أمامهم لنشر الأفكار الحداثية بين الناس (!). وهذا وهم كبير، فإخراج الأزهر من الساحة سيُحدِث فراغاً مدويّاً، لن تملأه سوى تنظيمات وجماعات الإسلام الحركي، السلمي والعنيف، باختلاف درجاتها، وصولاً إلى "داعش" وأخواتها، فالعقل الجمعي لتلك الجماعات يرى في الأزهر خصماً كبيراً لها، ينازعها المرجعية، ويمثّل عقبة أمام انتشارها، وهي تسعى دوماً إمّا إلى تطويعه، أو اختراقه، والمزايدة عليه، فضلاً عن المُتنطّعين المُتسلّفين الذين يرونه خصماً تاريخياً لهم، باعتباره معقل الأشاعرة والصوفية.
كان الأزهر، ولازال، يمثّل منارة للوسطية، وعنواناً للاعتدال، والحصن الحصين في مواجهة التطرّف، ليس في مصر فحسب، بل في العالم الإسلامي بأسره، كما أنّ السمت الإسلامي الأزهري جزء أساسي من الشخصية الحضارية لمصر، وأي محاولةٍ لتصفية الأزهر، أو تقويضه، أو النيْل من هيبته الروحية، أو استقلاله العلمي، بمثابة وقود مثالي لنشر التطرّف، وخدمة مجّانية للإرهاب.
سرعان ما انضمّ إليها نفرٌ من روّاد "التنوير السلطوي" من الذين تصدح حناجرهم، آناء الليل وأطراف النهار، بخطورة "المدّ الظلامي"، وضرورة محاربته، في حين لم ينبس أحدهم ببنت شفةٍ في مواجهة الديكتاتورية والانتهاكات الحقوقية. وقد رمى "التنويريون" الجدد الأزهر باتهامات عديدة، أبرزها التقاعس عن مواجهة التطرّف عبر رفض إصدار فتوى بتكفير "داعش"، وأيضاً بالتقاعس عن تجديد الخطاب الديني وتنقية مناهجه الدراسية من الآراء التراثية القديمة.
يتعيّن القول إنّه، منذ ظهور جماعات العنف الديني منذ عقود، لم يثبت مطلقاً إدانة أزهري واحد بممارسة الإرهاب، ولم تضمّ صفوفها القيادية أزهرياً واحداً. أمّا الأدهى، فهو أنّ الذين دينوا بالإرهاب تخرّجوا في كليّات عملية ونظرية، في جامعات حكومية، بل إنّ بعضهم تخرّج في كليّات عسكرية.
والحقيقة أن رفض الأزهر إصدار فتوى بتكفير "داعش" أمر يستحقّ التقدير من عدّة أوجه، فقد أحاط الشّرع أمر التكفير بضوابط مشدّدة للغاية، في مقدمتها عدم جواز تكفير فئةٍ ما بأكملها جملة واحدة. ومن جهة أخرى، فإنّ الأزهر أراد أن يربأ بنفسه عن الخوض في مستنقع التكفير الآسن، وألا يفتح باباً لن يستطيع أحد إغلاقه بانطلاق متتاليةٍ من فتاوى التكفير والتكفير المضادّ. أمّا المفارقة الطريفة، فهي أنّ "التنويريين" الذين طالما طالبوا خصومهم بالابتعاد عن لغة التكفير، صاروا الآن يطالبون بإصدار فتاوى تكفيرية، فهم "تنويريون".. و"تكفيريون" أيضاً (!).
لا يمكن أن يكون تجديد الخطاب الديني وفق الأوامر "الدولتية"، أو التوجيهات "السلطوية" الفوقية، فهو يحتاج مؤسساتٍ مستقلّة، ومناخا صحيا، وبيئة سليمة، يسودها قدرٌ من الحريات وانفتاح المجال العام أمام الكيانات المجتمعية، فالأفكار المشوّهة في حقيقتها وليدة واقع قاتم، فللواقع سطوته، ويستدعي وينتج أفكاراً من جنسه، والحديث عن تجديد الخطاب الديني في ظلّ غياب الديمقراطية واستحكام القبضة الأمنية، ضربٌ من ضروب العبث، كما لا يمكن التحدّث عن إصلاح وإعادة هيكلة مؤسسة بعينها دون بقية المؤسسات، فحتّى يأتي الإصلاح أُكُله، لا بدّ وأن يكون على قدرٍ من الشمول المؤسساتي.
يظنّ بعض "التنويريين" الذين يعيشون في أبراج عاجية ومجتمعات مخملية، منبتّة الصلة عن عموم المصريين، أنّ إزاحة الأزهر أو تصفيته سيفتح الباب واسعاً أمامهم لنشر الأفكار الحداثية بين الناس (!). وهذا وهم كبير، فإخراج الأزهر من الساحة سيُحدِث فراغاً مدويّاً، لن تملأه سوى تنظيمات وجماعات الإسلام الحركي، السلمي والعنيف، باختلاف درجاتها، وصولاً إلى "داعش" وأخواتها، فالعقل الجمعي لتلك الجماعات يرى في الأزهر خصماً كبيراً لها، ينازعها المرجعية، ويمثّل عقبة أمام انتشارها، وهي تسعى دوماً إمّا إلى تطويعه، أو اختراقه، والمزايدة عليه، فضلاً عن المُتنطّعين المُتسلّفين الذين يرونه خصماً تاريخياً لهم، باعتباره معقل الأشاعرة والصوفية.
كان الأزهر، ولازال، يمثّل منارة للوسطية، وعنواناً للاعتدال، والحصن الحصين في مواجهة التطرّف، ليس في مصر فحسب، بل في العالم الإسلامي بأسره، كما أنّ السمت الإسلامي الأزهري جزء أساسي من الشخصية الحضارية لمصر، وأي محاولةٍ لتصفية الأزهر، أو تقويضه، أو النيْل من هيبته الروحية، أو استقلاله العلمي، بمثابة وقود مثالي لنشر التطرّف، وخدمة مجّانية للإرهاب.