على رصيف ميناء المخاء اليمني، انشغل أمين قاسم هادي 30 عاماً رفقة عائلته في نقل حقائبهم التي حملت كل أغراض رحلة اللاعودة إلى اليمن، ترك هادي وراءه منزله في منطقة العروق (يبعد كيلو متراً واحداً من ميناء المخاء في منطقة باب المندب)، بعد أن اتفق مع أحد أقاربه في جيبوتي على اللجوء لديه، كما روى أمين، بينما يسرع للحاق بقارب متوقف على رصيف الميناء.
يكشف مدير ميناء المخاء الجديد، قاسم مهدي حيدر، والذي تم تعينه قبل شهرين أن معدل النزوح اليومي عبر الميناء يصل إلى أكثر من 150 فرداً، جميعهم يغادرون بطريقة رسمية عن طريق مكتب الجوازات بالميناء، إلى جيبوتي وبعضهم إلى الصومال، مثل عائلات يمنية من أصول صومالية، نزحت قبل عقود إلى اليمن لكنها اليوم، وبسبب الحرب قررت العودة إلى الجذور.
عمليات الجلبة
أدت عمليات تحالف عاصفة الحزم إلى ظهور مهربين، يعملون على تسفير اليمنيين إلى الصومال وجيبوتي، كما يقول القبطان اليمني عمار سعيد (يعمل في ميناء المخاء)، يتابع عمار"دارت بنا الأيام، كنا نستقبل اللاجئين إلى بلادنا واليوم أصبحنا لاجئين عندهم"، ويؤكد عمار لـ"العربي الجديد":"إجمالي من يغادرون كل يوم بطرق التهريب أكثر من 400 شخص وذلك عبر سفن متوسطة، تتبع تجاراً يمنيين".
يوضح عمار أن السفن تحمل 200 راكب إضافة إلى 600 طن من البضائع، ويشير إلى أن رسوم تهريب الفرد الواحد إلى دولة الصومال تصل إلى 10 آلاف ريال يمني (50 دولاراً أمريكيّاً)، بينما إلى جيبوتي تصل رسوم التهريب إلى 19 ألف ريال (90 دولاراً).
تستغرق رحلة التهريب من اليمن إلى الصومال 16 ساعة، بينما إلى جيبوتي 12 ساعة، وهو ما دفع مختار الشرقلي -تاجر أدوية- لاختيار الذهاب إليها، عبر الاتفاق مع المهرب المشهور في منطقة باب المندب، محمد. س، (يعمل وكيلاً ملاحيّاً في الميناء ولديه خبرة ومعرفة طويلة بالمهربين وأماكن التهريب).
يوضح مختار لـ"العربي الجديد" أن صديقيه اللذين سافرا معه، لم يكن لديهما وثائق جاهزة ولا تأشيرة أو جوازات سفر حتى يستطيعا المغادرة من المنفذ الرسمي، كانت مهمة مختار التنسيق مع المهرب الذي أصبح مثل "أي سائق أجرة في صنعاء"، كما قال لافتاً إلى أن المهرب أبلغه بعد يومين بموعد -الجلبة- وهو مصطلح يطلقه المهربون على زبائن الرحلة الواحدة في تلك القوارب.
يؤكد فهد الخليدي مدير أمن منطقة باب المندب، لـ"العربي الجديد": أن الكثيرين يتمكنون من الخروج عبر منافذ التهريب بهذه الطريقة.
إحصائيات النازحين
وثق كاتب التحقيق حتى العاشر من أبريل/نيسان الجاري مغادرة أكثر من 1325 فرداً، إلى جيبوتي والصومال، وهو ما أكده مدير ميناء المخاء في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، لكن الناطق الرسمي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين باليمن، مجيب حسن أكد لـ"العربي الجديد": "وصول أكثر من 900 شخص، إلى جيبوتي والصومال منذ بداية أحداث عاصفة الحزم من بينهم 463 مواطناً يمنياً، تم توثيق حالتهم لديه، فيما يوجد غيرهم لم توثق المفوضية حالاتهم".
ويضيف المسؤول الإعلامي للمفوضية في حديثه الى كاتب التحقيق أن من بين الإحصائيات الموثقة لديهم، وصول مجموعة عبر التهريب، إلى إقليم بونتلاند الصومالي (يتمتع بحكم ذاتي) يوم الجمعة 10 أبريل/نيسان 2015، في الساعة 17:30، عبر قارب تقليدي جاءوا من محافظة (المكلا -حضرموت جنوب البلاد) وعددهم 247 شخصاً (85 رجلاً و93 امرأة و69 طفلاً) استقروا جميعهم في ميناء بوساسو، في بونتلاند.
يتابع حسن: "من بين الواصلين في ذلك القارب امرأة حامل، تم إسعافها في مركز صحي فور الوصول كما كان بينهم كبار سن وعدد من المعوقين وتم تقديم المساعدة الصحية لهم".
وأوضح حسن أن ظروف السفر تهريباً كانت صعبة للغاية، إذ بادر الأطفال والنساء فور وصولهم لطلب مياه الشرب، قبل نزولهم من القارب.
منافذ التهريب
في باب المندب 3 منافذ أسياسية للتهريب، يمر عبرها اللاجئون اليمنيون ـ تقع جميعها بالقرب من منفذ الميناء الرئيسي (على بعد 8 كيلومترات)، والذي يبعد عن المضيق حوالي 75 كيلومتراً، وبحسب أحمد مكيبر -أحد أبناء مدينة المخا- فإن تلك المنافذ هي نفسها الأماكن الخاصة بتهريب الأسلحة وجميع السلع في مناطق ( الكبحة، ومنطقة واحجة، ومنطقة غريرة)، والتي تعد مناطق مفتوحة تماماً، كما أكد مدير أمن باب المندب لـ"العربي الجديد".
ويوضح فهد الخليدي، مدير أمن باب المندب أن الخط الساحلي لمضيق باب المندب، والذي يبلغ 180 كيلومتراً، مفتوح على مصرعيه، قائلاً: "لا يوجد أي رقابة أمنية ولا حتى في 10% من هذه المساحة رغم وجود قوات خفر السواحل واللواء 35 واللواء 17 في جزيرة ميون ولكنهم جميعاً بحسب حديثه لا يقومون بأي عمل أمني في الميناء منذ سنين طويلة".
وأضاف الخليدي أن الأسلحة والمخدرات والسلع المهربة تمررعبر هذه المنافذ، كما يتم تهريب النفط والديزل والبشر، قائلا: "طوال الأيام الماضية تدخل سفن دولية إلى عمق المياه الإقليمية اليمنية، وتنزل شحنات أسلحة، حاولنا الإبلاغ عنها لقيادة المنطقة الجنوبية وقوات البحرية وخفر السواحل والتي ألغى عملها الحوثيون، لا نجد أي تحرك".
دفعت الحالة السابقة مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، إلى الإعلان عن تسجيل ارتفاع في عدد الفارين عن طريق القوارب التقليدي عبر خليج عدن إلى بلدان القرن الأفريقي، وأعربت الأمم المتحدة عن بالغ قلقها إزاء المخاطر التي قد يتعرض لها كل من يحاول الفرار عبر البحر الأحمر وخليج عدن ومنافذ باب المندب، حيث لا تتوفر عمليات البحث والإنقاذ، وناشدت جميع السفن في المنطقة توخي مزيد من الحذر والمساعدة في عمليات الإنقاذ.
الحال في مراكز الاستقبال
كيف يتم استقبال اليمنيين في الصومال وجيبوتي؟ يجيب مدير ميناء المخاء، إن اليمنيين الذين يصلون عبر القوارب غير النظامية أو مكاتب الجوازات إلى موانئ بربرة وبوساسو وجيبوتي، يتم استقبالهم من قبل ممثلي السلطات المحلية هناك، بالتعاون مع المفوضية السامية والمنظمة الدولية للهجرة، حيث يتم نقل النازحين الذين لا يريدون المغادرة إلى مركز الاستقبال الخاص باللاجئين.
بحسب حديث القبطان عمار إلى كاتب التحقيق، يتم تسجيل الوافدين في كشوف رسمية وتقدم لهم المساعدات الأولية، بعدها يتم إعطاء كل فرد منهم 200 دولار أميركي، بدل ضرورة عاجلة إضافة إلى المعونات الرئيسية الأخرى من سكن وغذاء بوجود الفريق الطبي وفريق يونيسيف ويتم إجراء الفحوصات واللقاحات للأطفال".
وتعمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وجمعية التضامن الاجتماعي الجيبوتية(تاس)، على توفير معلومات للاجئين، حول المحيط الجديد والمجتمع المضيف لهم والتسهيلات المتاحة في تلك الأماكن، بالإضافة إلى مساعدات إضافية توزع عليهم (بطانيات وفرش النوم ومواد غذائية) توفرها تاس ومنظمة حقوق الطفل.
ويؤكد الناطق الرسمي للمفوضية أنهم في صدد البحث عن موقع مناسب لإيواء اللاجئين في جيبوتي، كما يفيد بأن وضعهم في مراكز الاستقبال هناك بأمس الحاجة إلى توفير الطعام لفترات أطول وأن عدد الوافدين يزداد كل يوم.