موسكو تتجاهل العالم تحضيراً للاجتياح... واستمرار غارات إبادة حلب

27 سبتمبر 2016
استهداف الدفاع المدني متواصل (إبراهيم أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -
جاء ردّ القيادة الروسية، أمس الإثنين، على الإدانة الكلامية الصادرة عن مندوبي الدول الغربية الكبرى في مجلس الأمن، يوم الأحد، لفظياً وعملياً. لفظياً، خرج المتحدثون باسم الكرملين بالمزيد من الاستهتار بالعالم، وعملياً، واصلت المقاتلات الروسية والسورية جرائمها في حلب، وسط ازدياد احتمالات اجتياح حلب برياً، بعد إنجاز تدميرها بالكامل والقضاء على سكان المناطق الشرقية فيها. كما تناقل ناشطون سوريون ومنابر إعلامية محلية، أبرزها موقع "زمان الوصل"، معلومات عن انتشار وحدات وقطعات مدفعية هاون ومدفعية صاروخية متطورة في الغوطة الشرقية، بطواقمها الروسية ومجموعات القيادة الخاصة بها من ضباط وصف ضباط. 
وبعد ساعات من الإدانات الدولية، خصوصاً من قبل المندوبة الأميركية في مجلس الأمن الدولي، سامنثا باور، وزميلها البريطاني، ماثيو ريكروفت، لجرائم الحرب الروسية المرتكبة في حلب، خرج سيرغي لافروف بكلام مكرر مفاده اللعب على الخلافات، التي يقال إنها موجودة بين عسكر أميركا وساستها حول الاتفاق الأميركي الروسي حول سورية، بينما تكفل المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، مهمة التنديد بما سماه "النبرة والخطاب غير المقبولين" للسفيرين الأميركي والبريطاني في الأمم المتحدة. وواصل المتحدث الروسي اللعب على وتر التهويل من ورقة تنظيم "داعش" والإرهاب عموماً، عندما ادعى بأن موسكو تشعر بقلق بالغ إزاء الوضع، إذ "يستغل الإرهابيون أي وقف لإطلاق النار لإعادة تنظيم صفوفهم وشن هجمات ضد قوات الحكومة". وعلى وقع مواصلة طائرات بلاده ارتكاب المجازر في حلب، استطرد بيسكوف بادعاء أن "روسيا لا تزال تتطلع إلى عملية سياسية ولا تفقد الأمل ولا الإرادة السياسية". وعاد المسؤول الروسي إلى نغمة تحميل الولايات المتحدة مسؤولية عدم تنفيذ بنود الاتفاق الروسي الأميركي لناحية "الفصل بين جبهة النصرة والمعارضة المعتدلة"، بحسب المعايير الغربية. كلام فسره كثيرون بأنه تمهيد غير مباشر لاجتياح بري لحلب بعد إكمال تدميرها وتهجير من تبقى من أهلها، في ظل تخلّي الولايات المتحدة بالكامل عن الملف السوري، وانعدام رغبتها في مواجهة روسيا، بحسب مصطلحات المنسق العام لهيئة التفاوض، رياض حجاب، في مقابلات إعلامية عديدة أجراها من نيويورك.


وواصلت طائرات النظام السوري وسلاح الجو الروسي حرق الأحياء السكنية في القسم الشرقي من حلب، ضمن عملية عسكرية تعتمد سياسة الأرض المحروقة، استعداداً لاقتحامها بعد تدميرها بشكل كامل، نظراً لصعوبة اقتحامها برياً. ويبدو أن فشل التفاهمات الروسية الأميركية قد دفع بالروس إلى اللجوء إلى الحل الميداني وقطع الطريق أمام أية فرصة حل سياسي، فيما يبدو أن التفاهمات التركية الروسية بشأن الوضع في حلب وبشأن عملية درع الفرات، وانتشار القوات التركية في ريف حلب الشرقي والشمالي، لا يزال يؤجل أي رد عسكري قد تقوم به المعارضة في مدينة حلب.

إلا أن الوضع الكارثي، الذي وصلت إليه مدينة حلب، لم يعد يحتمل استمرار الوضع على ما هو عليه، الأمر الذي يرجح احتمال حسم الوضع خلال الأيام المقبلة. وكشف الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا للتفاوض، رياض نعسان آغا، لـ "العربي الجديد" أنه يتوقع اجتماعاً للهيئة العليا للتفاوض في الرياض، خلال فترة قريبة، ولكنه استبعد أن يفتح العمل السياسي ثغرة في الوضع القائم حالياً. وكان وفد المعارضة قد عاد أمس، الإثنين، إلى إسطنبول قادماً من نيويورك. وتعقد أبرز فصائل المعارضة المسلحة اجتماعاً اليوم في المدينة التركية مع مسؤولي الائتلاف الوطني والهيئة العليا للتفاوض. وكان مجلس الأمن الدولي قد فشل يوم الأحد في الخروج بأي قرار، أو بيان حتى، حول مجازر حلب. 

ميدانياً، تواصلت الغارات، منذ فجر الإثنين، وأسقطت مزيداً من الضحايا المدنيين، ليصل عدد القتلى بحسب إحصائيات المعارضة السورية وفرق الإنقاذ العاملة في حلب، لأكثر من 400 قتيل خلال الأيام القليلة الماضية. وطاولت الهجمات الجوية الكثيفة، يوم أمس، أحياء الميسر والراشدين مما أوقع ضحايا بين المدنيين لم يتم إحصاء عددهم، إذ ما تزال فرق الإنقاذ تواصل جهودها لسحب جثث القتلى، وإنقاذ المصابين العالقين من تحت الأنقاض. كما أكد الناشطون أن الطيران الروسي استهدف منذ فجر أمس، الإثنين، مناطق قبتان وعينجارة وأورم الكبرى، ودمرت الهجمات آليات لـ"االدفاع المدني السوري" في بلدة دارة عزة في ريف حلب الغربي.


وتؤكد مصادر في الدفاع المدني السوري التابع للمعارضة السورية أن أكثر من 400 مدني قتلوا في هذه الحملة، حتى مساء الأحد، وأصيب أكثر من 1500 ، بينما تحدث محمد أبو جعفر كحيل، مدير الطبابة الشرعية في الأحياء المحاصرة، عن "مذبحة" تجري في مدينة حلب، مشيرا إلى أن المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة "تلفظ أنفاسها الأخيرة"، موضحاً أن المشافي الميدانية لم تعد قادرة على استقبال مصابين جدد، بسبب الاكتظاظ، والنقص الحاد في المستلزمات، مناشداً العالم التدخل لإنقاذ من بقي في هذه الأحياء من القتل.
وقال الناشط الإعلامي، حسن الحلبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن سرباً من الطائرات الحربية الروسية شنّ ظهر أمس الإثنين أكثر من عشرين غارة جوية استهدفت مباني سكنية، في أحياء الهلك وكرم حومد والكلاسة وبستان القصر والحلوانية في مدينة حلب، وبلدات أورم الكبرى وكفرداعل والمنصورة وخان العسل في ريف حلب الغربي، وبلدتي حيان وحريتان في ريف حلب الشمالي. ولفت الحلبي إلى أن طائرات مروحية تابعة للنظام السوري ألقت أيضا براميل وأسطوانات متفجرة على المناطق السكنية في حي بستان القصر الخاضع لسيطرة المعارضة السورية في مدينة حلب.

ويؤكد ناشطون في حلب أن "عائلات بكاملها ما زالت تحت الأنقاض، منذ الأحد، بسبب كثافة الغارات التي لا تتيح لعناصر الدفاع المدني رفع الأنقاض في أماكن كثيرة، خاصة بعد الاستهداف المتكرر لمراكز الدفاع المدني في المدينة، والتي لم يتبق منها سوى عدد قليل جدا، فضلاً عن استهداف المشافي والمشافي الميدانية"، مشيرين إلى أن الطيران الروسي، بات يستعمل ذخائر جديدة أكثر فتكاً من سابقاتها في القصف. وحول ما تحدث عنه "زمان الوصل" إزاء تحضيرات عسكرية روسية في الغوطة الشرقية، فإن مصدراً من داخل النظام كشف عن أن "تلك القوات تمركزت على جبهتي حوش نصري وحوش الفارة". وكشف عن أن كافة هذه الوحدات المدفعية مجنزرة متحركة، وذات قدرة عالية في المناورة بالحركة والنيران وذات عيارات ثقيلة جدا".

المساهمون