موريتانيا وإيران.. استتباع طائفي وسياسي

14 فبراير 2015

ولد عبد العزيز يرحب بأحمدي نجاد في نواكشوط (سبتمبر/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -

في يناير/كانون الثاني من العام 2009، وبعد شهور على الانقلاب الذي قاده الجنرال ولد محمد عبد العزيز، في أغسطس/آب 2008، عمدت السلطات الموريتانية الجديدة إلى قطع العلاقات مع تل أبيب التي بدأت بفتح مكتب تجاري في نواكشوط عام 1996 قبل أن تتطور إلى سفارة. وكان قطع العلاقات، على الدوام، مطلباً للمعارضة الموريتانية التي رحبت بالخطوة.

بعد سنة من ذلك التاريخ، في 25 يناير/كانون الثاني 2010، كان الجنرال الرئيس محمد ولد عبد العزيز يلبي دعوة لزيارة طهران، هي الأولى لرئيس موريتاني منذ نحو ثلاثة عقود. وحظي باستقبال حار من نظيره أحمدي نجاد، ومن المرشد علي خامئني. وفتحت تلك الزيارة الباب لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، واقترنت بتوقيع اتفاقيات تعاون في شتى المجالات، وتتالت بعدئذ زيارة مسؤولين إيرانيين، رفيعي المستوى إلى نواكشوط، مع إشادتهم بالتطور السريع في علاقات البلدين و"تطابق وجهات نظرهما في كل المجالات". وقد سعت طهران إلى توقيع اتقاقيات مع نواكشوط، مماثلة للتي وقعتها تل أبيب، ابتداء من تمويل مستشفى للأمراض السرطانية، زاره وزير الخارجية آنذاك، منوشهر متقي، وقال خلال زيارته المستشفى: نحن قادمون، مرورا بتوريد مئات من الحافلات وسيارات التاكسي الإيرانية الصنع، وليس انتهاء ببناء ميناء للصيد البحري، وتطوير صيد الأسماك وتعليبها. وزادت عليها اتفاقيات جديدة، وكذلك منح مالية. وكان نجاد قد زار نواكشوط في سبتمبر/أيلول 2011، ووقع في الزيارة مزيداً من الاتفاقيات.

ملء " الفراغ" الذي تركته تل أبيب في بلاد شنقيط أمر حسن. لكن توظيفه سياسياً ومذهبياً هو ما يثير الجدل. واقع الأمر أن النظام الموريتاني كان يشكو، آنذاك، من عزلة إفريقية ودولية، نتيجة الانقلاب الذي قاده ولد عبد العزيز. وقد وجد ضالته في استقبال العون الإيراني، علماً أن طهران نفسها كانت تشكو من العقوبات، وتبحث عن منافذ للالتفاف عليها، وقد وجدت ضالتها في نواكشوط. وانعكس تنامي العلاقات الإيرانية الموريتانية على اقتراب نواكشوط من المحور السوري الإيراني، في بداية الانتفاضة السورية، حيث زار رئيس الوزراء الأغطف دمشق، في يونيو/حزيران 2011، قادما من طهران، حاملاً رسالة تضامن مع القيادة السورية، على أن نواكشوط لم تندفع في هذا الطريق، إذ عملت، بعدئذ، على الالتزام بقرارات جامعة الدول العربية حيال النظام السوري. ويسعى النظام في نواكشوط، حالياً، للموازنة بين علاقاته الإيرانية والعلاقات مع بقية دول العالم الإسلامي، وبالذات دول الخليج التي راقبت تطور العلاقات الموريتانية الإيرانية، منذ بداياتها قبل خمسة أعوام، من دون أن تفعل الكثير لوقف تحول هذا البلد في شمال غرب إفريقيا إلى مركز نفوذ إيراني.

يحسن، في هذا المقام، تكرار التأكيد على حق الدول في تبادل علاقات تعاون مع دول أخرى، ما دام ذلك لا يمس طرفاً ثالثاً، أو لا يمس سيادة البلد المعني القائم بهذه العلاقة، او يعبث بالنسيج الاجتماعي فيه.

في حالة موريتانيا، فليس من قبيل المصادفات، أبداً، أن تبرز ظاهرة جديدة في مجتمع هذا البلد هي التشيع، بالتزامن مع إنشاء العلاقات مع طهران ونموها. يدين ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف موريتاني بالإسلام السني، حسب المذهب المالكي. ولا يشكو هذا البلد من حالة طائفية. وإن كان يشكو من مشكلات أخرى، كالعبودية التي يقع تحت طائلتها زهاء أربعة في المائة من السكان، والفقر الشديد الذي يشكو منه أقل بقليل من نصف عدد السكان.

تتحدث مصادر متطابقة، الآن، عن تحول موريتانيين يناهز عددهم 45 ألفا إلى المذهب الشيعي، في السنوات الست الماضية. رجل الدين اللبناني، محمد قانصو، المقيم في البلد

المجاور السنغال زار موريتانيا يوم 6 فبراير/شباط الجاري، وأجرى سلسلة لقاءات واتصالات بوجوه اجتماعية. وقد سئل إن كانت زيارته تهدف إلى إنشاء حسينية في هذا البلد، فقال لوكالة الأخبار الموريتانية إن هذا الأمر شأن داخلي، وإذا أراد الشيعة في هذا البلد إنشاء مركز ديني لهم، فلهم الحق في ذلك. وفي مقابلة أخرى مع موقع إخباري آخر، سئل إن كان عدد الشيعة في موريتانيا يناهز 45 ألفاً، فقال إنه لا يعرف العدد بالضبط، ولكن حتى لو كان يناهز 450 ألفا فما المشكلة في ذلك؟

لا مشكلة، لو أن مسلمين يتحولون من مذهب إلى آخر، في ظروف طبيعية، تقوم على القناعة والاختيار الذاتي. في لبنان، على سبيل المثال، وعلى اشتداد الاحتقان الطائفي، كان المسلمون يتزوجون من الطائفة الأخرى، ويرتضي أحد الطرفين بعقد القران حسب مذهب شريكه، لغايات عملية، وتسهيلاً للأمور. لكن، أن يقترن التحول إلى مذهب معين بظرف سياسي معين، وبرعاية دولة أخرى، تعتنق هذا المذهب، فذلك أمر يخرج عن حرية المعتقد، ويتصل بنشاط سياسي أيديولوجي لطرف بعينه، هو الطرف الإيراني، كيما يبسط نفوذه عبر تشييع مواطني هذا البلد أو ذاك، ومحاولة إلحاقهم به طائفيا وعقائدياً، وبالتالي سياسياً.

وبما أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتصرف باعتبار أن كل شيعي يتبع لها، وكل وقف أو دار عبادة شيعية تتبع لها، فلنا أن نتصور الطريق الذي تسلكه طهران في المساس بالدول، وشق المجتمعات، وهو أمر لم يفعله الاستعمار القديم الذي لم يؤلف قلوب وجيوب الرازحين تحت استعماره لاعتناق دين، أو طائفة الطرف القائم على الاستعمار. بينما يحتسب الكيان الصهيوني كل يهودي في أي مكان في العالم على أنه يحظى برعاية ومظلة الدولة العبرية التي استولت على فلسطين في العام 1948.

وها هي قضية تحول المعتقد تتحول إلى قضية رأي عام في موريتانيا (وبدرجة أقل في الجزائر أيضاً)، حيث تنشط منظمات وشخصيات، وكذلك وزارة الشؤون الدينية ضد هذه الظاهرة التي نمت في ظروف مريبة، فيما عدد أفرادها كان يبلغ قبل ست سنوات بضع عشرات فقط.