موريتانيا: أزمات مفتوحة تواجه ولاية ولد عبد العزيز الثانية

23 يونيو 2014
أزمات كثيرة تواجه ولد عبد العزيز (سيلو/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

لم يكن فوز الرئيس الموريتاني المنتهية ولايته، محمد ولد عبد العزيز، بولاية رئاسية ثانية، مفاجئاً للمراقبين، بل إن النتائج كانت متوقعة ومحسومة، بعد مقاطعة أحزاب المعارضة الرئيسة للانتخابات، وغياب المرشحين البارزين عن السباق الانتخابي.

وكانت اللجنة المستقلة للانتخابات في موريتانيا، أعلنت حصول عبد العزيز على 81.89 في المائة من أصوات الناخبين، تلاه الناشط الحقوقي بيرام ولد أعبيدي بنسبة 8.67 في المائة، الذي شكّل حصوله على هذه النسبة مفاجأة للمراقبين. وجاء المرشح بيجل ولد هميد في المرتبة الثالثة بنسبة 4.5 في المائة، يليه المرشح ابراهيم مختار صار بنسبة 4.44 في المائة، وأخيراً حصلت المرأة الوحيدة في السباق الرئاسي مريم بنت ملاي ادريس على نسبة بلغت 0.49 في المائة، في الانتخابات التي بلغت نسبة المشاركة فيها 56.46 في المائة.

لكن النسبة التي فاز بها ولد عبد العزيز، تُعتبر مرتفعة مقارنة بانتخابات 2009، التي لم تتجاوز نسبة الأصوات التي حازها 52 في المائة، كما تجاوزت نسبة ما حصل عليه الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي حصل على نسبة 52 في المائة في الجولة الثانية من الانتخابات في 2007.
وتجاوزت نسبة الأصوات التي حاز عليها ولد عبد العزيز، تلك التي كان قد حصل عليها الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، في آخر انتخابات جرت في عهده عام 2003، والتي بلغت 67 في المائة، في انتخابات طبعتها الكثير من الاختلالات وأنواع التزوير والتلاعب.
كما شكّل نجاح المرشح الرئاسي بيرام ولد اعبيدي في الحصول على المرتبة الثانية، مفاجأة للمراقبين، ولعل في ذلك دلالة على وجود تقبل لخطابه الراديكالي في صفوف شريحة الحراطين (الأرقاء السابقين). وهو ما يوحي بعمق الأزمة الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الموريتاني الذي يتميز بتركيبته العرقية المعقدة.

في المقابل، كانت النسبة المتواضعة التي حصل عليها المرشحان ولد هميد وصار، موضع استغراب، إذ لم يشفع للأول خطابه المعتدل و"الوحدوي" تجاه الشرائح الاجتماعية الأخرى. ولم تسعفه لهجته التصالحية مع رجال الأعمال ورؤساء القبائل في تحقيق نسبة معقولة.
كما لم يستطع صار أن يحصل على نتائج جيدة في صفوف شريحته، ولا في مناطق نفوذه التقليدية، كمقاطعتي الميناء والسبخة، اللتيْن فاز فيهما ولد عبد العزيز بنسبة كبيرة يليه المرشح ولد اعبيدي.

وشكّلت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات هاجساً كبيراً عند الأغلبية والمعارضة المقاطِعة. فهذه هي إحدى المرات القليلة التي تتم فيها مقاطعة الانتخابات الرئاسية الموريتانية من قبل طيف واسع من الأحزاب السياسية الموريتانية منذ انتخابات 1997، في عهد ولد الطايع التي قاطعتها المعارضة آنذاك.

وتُعتبر نسبة المشاركة التي أعلنت عنها لجنة الانتخابات الموريتانية، والتي بلغت 56.46 في المائة، نسبة مرتفعة إلى حد ما، وإنْ كانت أقل من نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التي تجاوزت 70 في المائة. وهو ما يؤكد أن مقاطعة المعارضة كان لها تأثير على نسبة الإقبال والمشاركة في هذه الانتخابات.
ومن اللافت أن نسبة المشاركة في العاصمة نواكشوط، ورغم أنها أقل من النسبة العامة، لكنها قريبة منها، ما يعني أن العاصمة لم تشارك بكثافة، وإن كانت لم تقاطع أيضاً.

وقد ثمّن حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، رفض الشعب الموريتاني الانسياق وراء دعوات المقاطعة، معتبراً أن ذلك يعكس "تصميم الموريتانيين على تجديد الطبقة السياسية، وعلى رمي دعوات التفرقة وراء ظهرهم إلى الأبد".

في المقابل، أثارت هذه النتائج حفيظة حملة المرشح ولد اعبيدي، التي تحدثت عن حالات تزوير وتلاعب بإرادة الناخبين.

وقال الناطق الرسمي باسم الحملة، السعد ولد الوليد، إنه حدث "تلاعب في اللائحة الانتخابية من خلال تسجيل الصحراويين في ازويرات وتسجيل الطوارق في منطقة الظهر"، بالإضافة إلى "تلاعب في ترتيب الأرقام في اللائحة الانتخابية الجديدة". وقال إنهم سيتقدمون بطعون إلى المجلس الدستوري للبت فيها.

كما تحدثت مصادر إعلامية عن حالات تزوير في الولايات الداخلية وتصويت جماعي في بعض المكاتب، فضلاً عن التصويت من دون بطاقة هوية وعدم استخدام الحبر اللاصق.

من جهتها، اتهمت حركة 25 فبراير الشبابية، النظام الموريتاني بتزوير الانتخابات بشكل فاضح، والتي وصفتها بـ "الهزلية". وقالت إن نسبة المشاركة الحقيقية لم تتجاوز 30 في المائة.

وفي السياق، أكد الرئيس الموريتاني الأسبق، إعلي ولد محمد فال، أنه لم تعد هناك أي حلول سياسية مع نظام ولد عبد العزيز. وأشار إلى أن "الحل الوحيد هو المجابهة" حتى تُنظم انتخابات رئاسية جديدة تُخرج البلاد من الأزمة السياسية.
واعتبر ولد محمد فال، الذي كان يتحدث عبر إحدى الإذاعات المحلية، أن انتخابات 21 يونيو/حزيران، ستكرس ما أسماه "استمرارية التمرد العسكري الشخصي الذي بدأ عام 2008 ولا يزال مستمراً".
وأشار إلى أن الموريتانيين كانوا يأملون أن تُجرى انتخابات تُمكّن من التوصل إلى "حل سياسي يُدخل البلد في طريق جديد، ولكن ولد عبد العزيز، رفض هذا الحل وذهب وحده في الانتخابات، ما يجعل الشعب الموريتاني وكل السياسيين والطامحين للحلول السياسية يفقدون الأمل في ظل غياب أي آفاق سياسية، وبالتالي فالبلد مرشح لكل احتمال".

وكان رئيس منتدى المعارضة، أعلن في وقت سابق، أن المعارضة ترفض هذه الانتخابات ولن تعترف بنتائجها.

ويواجه الرئيس الموريتاني في ولايته الثانية، تحديات كبيرة وعقبات جمة. فعلى المستوى السياسي، ساهمت الانتخابات الرئاسية في تعقيد الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد بسبب مقاطعة أغلب الأحزاب السياسية الرئيسة، وبقاء أغلب هذه الأحزاب خارج العملية السياسية برمتها، وهو ما يهدد باحتكامها إلى الشارع.

كما يواجه الرئيس في ولايته الجديدة، أزمة اجتماعية خطيرة تتعلق بانتشار الخطاب الفئوي والمطالب الاجتماعية في مجتمع متعدد الأعراق والفئات. وهو ما يستدعي من عبد العزيز التحرك العاجل من أجل ترميم الشروخ الاجتماعية والفوارق الطبقية وتحقيق العدالة الاجتماعية حتى يجنب المجتمع الموريتاني مخاطر الانقسامات الاجتماعية والصراعات الفئوية، والحرب الأهلية.

ويبقى التحدي الاقتصادي أحد أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الموريتاني، فالبلاد تعاني من ارتفاع في معدلات الفقر وتدنٍ في المستوى المعيشي للسكان.
كما تشكل البطالة أحد أكبر المخاطر التي تواجهها موريتانيا، التي تبلغ نسبة الشباب فيها أكثر من 70 في المائة.
ويبقى على الرئيس الموريتاني أن يبرز مدى قدرته على مواجهة هذه التحديات البنيوية، وبقية الأزمات السياسية والاجتماعية المستحكمة، حتى يتسنى لموريتانيا أن تعيش حالة استقرار سياسي وسلام اجتماعي واقتصادي، وحتى تنجو من الأزمات التي تمر بها بلدان مجاورة لها.

المساهمون