موت الصحف .. موت الكتب!

10 ابريل 2016
حياة وموت الصحافة (Getty)
+ الخط -
عندما أعلنت صحيفة ذي إندبندنت البريطانية عن نيتها الشهر الماضي التوقف عن إصدار نسختها الورقية التي استمرت لما يقارب الثلاثين عاما، وتحولها إلى موقع إلكتروني فقط، أشارت صحيفة ذا نيويورك تايمز إلى الجاني وقالت: "الإنترنت يقتل الصحافة"! مقولة تبدو قاسية بعض الشيء ولكنها تكررت من قبل الأوساط العربية لدى شيوع خبر إغلاق جريدة السفير اللبنانية بنسختها المطبوعة بعد 42 عاما على تأسيسها.

على مدى السنوات الماضية تنبأ كثيرون أيضا بموت الكتاب المطبوع، إضافة إلى كل ما له علاقة بالعالم الورقي وعلى رأسه الصحافة الورقية المطبوعة. وفي حين أن التنبؤات استبدلت الكتاب المطبوع بالإلكتروني (وهو محظوظ بهذا الشكل)، إلا أن أنها لم تكن على نفس القدر من التفاؤل في ما يخص الصحافة بكل أشكالها، فبتنا نشهد الحديث عن الموت القريب والتام لها وخاصة بعد بروز الإعلام الرقمي، والإعلام البديل المتمثل في المدونات ووسائل الإعلام الاجتماعي وغيرها. كثر أيضا الجدل حول إمكانية استمرار الصحافيين في هذا العالم الرقمي بالعمل وفق النموذج التقليدي في ما يخص قواعد المهنة والمسؤولية الأخلاقية والتي لا تتوافر في الإعلام البديل، وما هي المبادئ التي تُبنى عليها الصحافة في العالم الرقمي، حيث ينشط فيه أفراد يحملون أسماء وهمية، ولا يخضعون لأي مسؤولية أخلاقية أو قانونية.
هذا كله يدفع لتكرار التساؤل في ما إن كانت الصحافة قد ماتت بالفعل؟ أم أنها تحتضر؟ أم يعاد إنتاجها بصيغة جديدة؟ وربما تكمن بدايات الإجابة على هذه التساؤلات في إعادة تعريف الصحافة، وإعادة مساءلة معنى ومغزى مقولة "موت الصحافة" أو "موت الكتاب". هل الانتقال إلى العالم الآخر، الافتراضي، يعني موتاً، أم حياة جديدة؟

في كتاب "حياة وموت الصحافة الأميركية" يرى المؤلفان روبرت ميكنزي وجون نيكولاس أن قصة "موت الصحافة" ليست جديدة، فعنذ ظهور التلفاز قيل إن المشاهدة ستحل محل القراءة، لكن الحقيقة أن الكلمة المقروءة المحررة لا تزال ذات قيمة تفوق الكلام العادي".

وهي مقولة صحيحة يدعمها الحدث الأبرز الأسبوع الماضي وأقصد "أوراق بنما"، حدث أثبت أن الصحافة بشكلها المتعارف عليه ما زالت موجودة، وما زلنا بحاجة إليها لتمارس سلطتها على الدولة والمجتمع، ولتحلل وتدقق المعلومات وتقدمها للقارئ الراغب بمعرفة المزيد عن العالم. بالإضافة إلى أن التعاون العالمي بين 400 صحافي استقصائي حول العالم شارك في هذا العمل ولمدة عام، يثبت مدى الإيمان الموجود بأهمية العمل الصحافي على نطاق واسع.

إذاً لماذا الخشية من موت الصحافة؟ وإلى متى يرعبنا هذا العالم الرقمي؟ ولماذا لا نبدأ بتبنيه كليا بدلا من مهاجمته؟ الجميع يتصفح شبكة الإنترنت لمشاهدة قصص فيديو ومتابعة مبيعات كيندل وأمازون وتصاعد سوق القارئ الإلكتروني، ولكن لماذا لا تكون هذه ظاهرة أقوى في الصحافة؟ هل نخاف حقا من إمكانية خسارة جمهور معين اعتاد على أسلوبنا القديم، أم خوفنا يكمن في فقدان تلك الحميمية في العلاقة مع الصناعة الورقية فقط؟ أم هو الخوف الغريزي من التغيير؟

مهما كانت الأساليب المستخدمة في تقديم عمل الصحافيين، فإن الحاجة إلى تقارير وأخبار مثبتة أمر حي لا يموت. لذا يجب على المحررين اليوم التوجه إلى الميدان أيضا وليس الاكتفاء بالجلوس في المكاتب، بحيث يتحد عملهم مع التكنولوجيا وأساسيات الصحافة لتُقدم الأخبار بطرق جديدة ومختلفة. فبدلا من نشر مواضيع تتناول ملاحظات الصحافي والمحرر، من الجميل أن نراها مرفقة مع الصورة والفيديو، والرسوم البيانية. كذلك تكمن حاجتنا في التركيز على الصحافة المختصة مثل الصحافة الاستقصائية، الصحافة الثقافية وغيرها، هذا من شأنه أن يساهم في استمرار مجالات صحافية متعددة ولعقود طويلة.

وأخيرا علينا إدراك أننا نعيش في عالم مختلف، نحن نعيش المستقبل، نعيش اليوم الذي طالما تحدثت عنه تقارير ومقالات الصحافة الورقية، لذا علينا تبني هذا المستقبل والترحيب به بدلا من دفنه وتلقي التعازي بموته.




المساهمون