يدور جدل في واشنطن حول معادلة محيّرة بخصوص الأزمة الكورية التي شهدت المزيد من التصعيد الخطير في الأيام الأخيرة: الصدام العسكري فيها ممنوع، لكن الحوار بشأنها شبه مقطوع، وكلا الطرفين (الأميركي والكوري) يصبّ الزيت على النار. الخيار المتاح هو إدارة هذا التناقض واحتوائه، غير أن التراشق بعبارات التحدي والإهانة الشخصية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، يهدّد هذا الخيار بالانهيار.
بذلك وصلت لعبة حافة الهاوية إلى خطها الأحمر، وبما رفع من منسوب المخاوف الحقيقية والتحذيرات في صفوف سائر الأوساط الأميركية، التي باتت تخشى من احتمالات الانزلاق إلى تجديد الحرب الكورية التي توقفت باتفاقية الهدنة في صيف 1953 من دون أن يغلق ملفها. بل هناك خشية من اندلاع مواجهة نووية "ولو أن احتمال وقوعها لا يتجاوز 1 أو 2 في المائة"، كما يرى الجنرال المتقاعد باري ماكفري. فإذا كان كلا الطرفين يتهيّب الحرب وعواقبها على الرغم من لغته النارية، إلا أن "أي خطأ في الحساب قد يقود إليها"، كما يقول ماكفري. ذلك أن حالة الاحتقان الراهنة لا تعطي الفرصة للاستدراك.
ولهذا لا يختلف اثنان في واشنطن حول وضع المشكلة في المرتبة الثانية لجهة الخطورة، بعد أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. وثمة من يقول إنها أخطر، نظراً إلى الفارق على مستوى القيادات بين الحالتين. فالتواصل والتعامل البراغماتي بين البيت الأبيض والكرملين في أزمة الصواريخ والذي أدى إلى العثور على مخرج، غير متوفر في الأزمة الحالية. وحده وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، يتابع التواصل غير المباشر مع كوريا، عبر الصين وروسيا. لكن محاولته تعثّرت، فخطابات وتغريدات ترامب خرّبت عليه. بل أعطت كوريا الشمالية مساحة لرفع سقف التحدي من خلال تهديدها بإسقاط طائرات أميركية، رداً على تلويح ترامب بالقضاء على القيادة الكورية والذي اعتبرته هذه الأخيرة بمثابة إعلان الحرب ضدها. وأخذ المراقبون هذا التهديد على محمل الجد، خصوصاً أن لبيونغ يانغ سوابق. ففي إبريل/ نيسان 1969 هاجمت مقاتلة كورية شمالية طائرة استطلاع أميركية فوق بحر اليابان وأسقطتها. الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون آثر عدم الرد. ثم كاد يتكرر الحدث عام 2003 عندما طاردت مقاتلة كورية طائرة استطلاع أميركية فوق المياه الدولية القريبة من كوريا.
في الأيام الأخيرة كشف البنتاغون عن طلعات جوية أميركية حصلت قرابة المياه الإقليمية الكورية الشمالية. رافق ذلك وما زال اقتراب قطع الأسطول السابع من تلك المياه. وضع لا يستبعد مراقبون أن يؤدي إلى احتكاكات وإن بالخطأ بين الطرفين، لا سيما أن كوريا الشمالية مسكونة بهاجس الأمن، ولا تتوانى عن مواجهة ما تعتبره خطراً أو حتى مشروع خطر عليها. وقد ترتفع درجة حساسيتها هذه، حسب متابعين للشأن الكوري، إذا ما تسبّبت العقوبات الأخيرة التي شاركت فيها الصين والتي استهدفت العصب المالي - المصرفي الكوري، بما يؤدي إلى انسداد في التعامل الكوري بالدولار وبالتالي في قنوات التصدير والاستيراد. وفي هذا الإطار، تتحدث معلومات أميركية عن تزايد التوتر والنفور بين بيونغ يانغ وبكين إلى حدّ أن الإعلام الكوري الشمالي الموجّه من الدولة، يتعامل مع مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الشهر المقبل بلغة "غير ودية" خلافاً للعادة.
اقــرأ أيضاً
يضاف إلى هذه المخاطر، ما تواجهه رئاسة ترامب الآن من متاعب وانتكاسات داخلية قد تدفع به إلى المزيد من تصعيد خطابه الخارجي، وبالذات تجاه كوريا الشمالية وإيران. مشروع الرعاية الصحية الذي يراهن عليه، مرشح لفشل جديد وأخير نهاية هذا الأسبوع. مشاريعه الكبيرة الأخرى لا حماسة بل لا تأييد كافياً لها في الكونغرس، بما يزيد من اتساع هوة الخلاف بينه وبين الجمهوريين. هذا بالإضافة إلى المستجدات المتتالية على صعيد التحقيقات حول التدخّل الروسي، كما على صعيد مخالفات أركان إدارته، وآخرها الكشف أن صهر الرئيس، جارد كوشنر، استخدم بريده الإلكتروني الشخصي لبعث رسائل خاصة بعمله في البيت الأبيض.
في ظل كل هذه المعطيات، تُطرح أسئلة كثيرة حول الأزمة المتفاقمة مع كوريا الشمالية: هل تبقى حرب كلام؟ هل ينطوي التصعيد على استدراج إلى مواجهة، أم أنه فقط اختبار قوة؟ وإلى أي مدى؟ إلى حرب أم حوار؟ التوقّعات متنوعة وتراوح بين توزع احتمالات الحرب مناصفة، وبين الوقوع في مأزق نتيجة ضيق الخيارات. الحديث عن أن كل الأوراق على الطاولة بما فيها الورقة العسكرية، ليس من السهل ترجمته. وحتى لو ذهب الزعيم الكوري إلى حد الاستفزاز الميداني، فإن ذلك لا يقلل من عمق المأزق، إذ لو سكت ترامب كما فعل نيكسون سيبدو بعد كل ما قاله ضعيفاً. بينما إذا مضى في الرد الحازم، فإن القدرات الأميركية المتفوقة لا تعفيه من توريط بلاده في حرب مفتوحة. مع ذلك ما يزال هناك اعتقاد بأن كوريا آتية إلى طاولة الحوار في نهاية المطاف، لكن هذه النهاية قد لا تأتي إلا بعد رحلة محفوفة بالمخاطر وربما بكلفة عالية.
اقــرأ أيضاً
بذلك وصلت لعبة حافة الهاوية إلى خطها الأحمر، وبما رفع من منسوب المخاوف الحقيقية والتحذيرات في صفوف سائر الأوساط الأميركية، التي باتت تخشى من احتمالات الانزلاق إلى تجديد الحرب الكورية التي توقفت باتفاقية الهدنة في صيف 1953 من دون أن يغلق ملفها. بل هناك خشية من اندلاع مواجهة نووية "ولو أن احتمال وقوعها لا يتجاوز 1 أو 2 في المائة"، كما يرى الجنرال المتقاعد باري ماكفري. فإذا كان كلا الطرفين يتهيّب الحرب وعواقبها على الرغم من لغته النارية، إلا أن "أي خطأ في الحساب قد يقود إليها"، كما يقول ماكفري. ذلك أن حالة الاحتقان الراهنة لا تعطي الفرصة للاستدراك.
في الأيام الأخيرة كشف البنتاغون عن طلعات جوية أميركية حصلت قرابة المياه الإقليمية الكورية الشمالية. رافق ذلك وما زال اقتراب قطع الأسطول السابع من تلك المياه. وضع لا يستبعد مراقبون أن يؤدي إلى احتكاكات وإن بالخطأ بين الطرفين، لا سيما أن كوريا الشمالية مسكونة بهاجس الأمن، ولا تتوانى عن مواجهة ما تعتبره خطراً أو حتى مشروع خطر عليها. وقد ترتفع درجة حساسيتها هذه، حسب متابعين للشأن الكوري، إذا ما تسبّبت العقوبات الأخيرة التي شاركت فيها الصين والتي استهدفت العصب المالي - المصرفي الكوري، بما يؤدي إلى انسداد في التعامل الكوري بالدولار وبالتالي في قنوات التصدير والاستيراد. وفي هذا الإطار، تتحدث معلومات أميركية عن تزايد التوتر والنفور بين بيونغ يانغ وبكين إلى حدّ أن الإعلام الكوري الشمالي الموجّه من الدولة، يتعامل مع مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الشهر المقبل بلغة "غير ودية" خلافاً للعادة.
يضاف إلى هذه المخاطر، ما تواجهه رئاسة ترامب الآن من متاعب وانتكاسات داخلية قد تدفع به إلى المزيد من تصعيد خطابه الخارجي، وبالذات تجاه كوريا الشمالية وإيران. مشروع الرعاية الصحية الذي يراهن عليه، مرشح لفشل جديد وأخير نهاية هذا الأسبوع. مشاريعه الكبيرة الأخرى لا حماسة بل لا تأييد كافياً لها في الكونغرس، بما يزيد من اتساع هوة الخلاف بينه وبين الجمهوريين. هذا بالإضافة إلى المستجدات المتتالية على صعيد التحقيقات حول التدخّل الروسي، كما على صعيد مخالفات أركان إدارته، وآخرها الكشف أن صهر الرئيس، جارد كوشنر، استخدم بريده الإلكتروني الشخصي لبعث رسائل خاصة بعمله في البيت الأبيض.