مهرجان الأشرطة المصورة في ليون: لاجئون

12 يونيو 2018
(سعيد علي سعيد/المهرجان)
+ الخط -
بدأت الأشرطة المصورة تخترق كل المجالات، ولم يعد يفلت من فضولها، من الآن فصاعداً، حتى اليومي، وفي قلب هذا اليومي، توجد أزمة المهاجرين. منذ سنوات قليلة، تحقق تراكُمٌ حقيقي من الأشرطة المصورة، أدى إلى أن يرى النور، ما بين 5 و10 يونيو/حزيران الجاري، في مدينة ليون الفرنسية، مهرجان الأشرطة المصورة، الذي حمل عنواناً، ولا أوضح منه: "لاجئون".  

تجدر الإشارة إلى أن الموضوع جرى التطرق إليه في أكتوبر/تشرين الأول 2013، في المتحف الوطني لتاريخ الهجرة، في باريس، من خلال عرض 500 قطعة، تناولت العلاقات ما بين الأشرطة المصورة و"حركة الهجرة" بالمعنى الواسع.

حمل معرض ليون على عاتقه التطرق للطريقة التي تتعامل بها الأشرطة المصورة (الفن التاسع) مع اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا في السنوات الأخيرة.
ومن بين رسّامي الأشرطة المصورة يتميّز زيب Zep، الذي كان سبّاقا (سبتمبر/أيلول 2015) في الاستحواذ على الموضوع السوري، عبر التصدّي للابتذال الإعلامي في تناوله للظاهرة، بسبب الزيادة عن اللزوم من الصُوَر المتلفزة المتشابهة بشكل مأساوي؛ ما جعله ينجز عمله بجرأة غير مسبوقة، ولو أدى الأمر إلى تجاوزات فنية، حيث يضع شخصيته الأثيرة، تيتوف Titeuf، في وضعية صعبة، بمناسبة محكيٍّ قصير ينقل الحرب الدائرة في سورية إلى التراب الأوروبي. يأخذ الرسّام السويسري قلمه في يده ويبدأ في صبّ قنابل على الحيّ، الذي يقيم فيه بطلُهُ الشاب، فيقتُلُ أبوَاه وأصدقاءه ومُدرِّسَته، ثم يرغمه على الهرب نحو حدود ترفض أن تنفتح.
     
والجدير بالذكر أن هذه القصة، التي نشرها في مدونته (التي تستضيفها صحيفة لوموند) أثّرت، بشكل بالغ، على الكثير من القراء. ويفسّر الرسام سر ظهور هذه القصة: "لم تكن لديّ رغبة في التعليق على وضعية اللاجئين، التي تصدّى لها أصحاب الاختصاص والمحللون السياسيون. فقلت في نفسي إنه سيكون من المهمّ إبراز شهادة من الداخل، عبر استخدام شخصية يعرفها الجميع، لأن هذا الشيء سيؤثر علينا بصفة أكبر".

وإذا كان قتلُ الرسام لبطله، حتى بشكل رمزي، وسيلةً قوية جدا من أجل إدانة ما لا يمكن القبول به، فإن الشريط المُصوَّر يمتلك أوراقاً رابحة أخرى للوصول إلى ذلك. ومن بينها اللجوء إلى أسلوب خطّي خاص. وهو ما لجأ إليه الرسام ستيفان- إيف بارّو، في كتاب "ألفا. أبيدجان-غار دي نور" (سيناريو ساندرين بيسورا). فقد اختار الرسام بارّو خطّاً يتميز بكثير من التزعزع، من أجل أن يُظهر، بشكل أفضل، وضعية الاستعجال والهشاشة التي يواجهها بطله البوركينابي، المنخرط في سفر صاخب عبر أفريقيا وأووربا، على أمل العثور على زوجته وابنه، اللذين سافرا قبله بسنوات.

البطل ألفا كوليبالي يمتلك وَجهاً في الألبوم، وعلى الرغم من أنه يظهر فيه على عجل، إلا أنه في نهاية المطاف، يمتلك وَجهاً. وهذا الوجه لا يمتلكه ييتي، الذي يرد في ألبوم "أرض الاستقبال"، الذي أنجزه الإيطالي أليساندرو توتا، وشاركت منظمة أمنستي في نشره. نحن أمام كتلة لا شكل لها، منحتها عينان رمزيتان بعض التعبيريّة. وهي تمثل صورة المُقتَلَع الجذور.
يطرح معرض ليون سؤالا قاسيا: "كيف يمكن رسم-نزع الشخصية عن لاجئين، إن لم يكن عبر هذا الغياب لقسمات الوجه ولهويّة من يرافقه؟".

يجيب فانسان رايموند، مفوّض المعرض: "لدى مُؤلِّفي الأشرطة المصورة القدرة على تغيير شكل إحساسهم عبر الحرية الشكلية اللامحدودة، تقريبا، وعلى خلاف الصحفيين، فهم ليسوا مُرغَمين على الاستجابة لإكراهات الموضوعية الصارمة ولا لما يفرضه اليومي. وبفضل المسافة التي يأخذونها وأيضا الحساسية، يقدّم لنا المصورون وكتّاب السيناريو قراءة أخرى للأحداث، هي أيضا مخبَّأة في مقال أو فيلم وثائقي، ولكنها تحمل روحا إضافية. إنهم يُلغون الحدود، التي تخطّتها الشخوص التي يحكون مصائرها".

     
ويمكن لصناعة صُوَر مرسومة يمكن أن تكون لها قوة الاستشراف والتنبؤ. ففي ألبوم صامت بعنوان: "لا تعليق"، فيه ما فيه من الإدانة لسينيكيّة وجمود حسّ الحقبة المعاصرة، يقدّم إيفان برون طفلَين وصلا إلى الشاطئ الأوروبي ميّتَيْن أمام نظرات سياح لا مبالين، بعد رحلة في قارب يشبه، بقوة، "طوف ميدوزا" لـ"تيودور جيريكو". والغريب أن المؤلَّف صدر سنة 2008، أي قبل 7 سنوات من مأساة أيلان، الطفل السوري الغريق الذي عُثر على جثته في الشاطئ التركي.  

وتناول الأميركي جو ساكو، رائد الشريط المصور- الروبورتاج، مرات عديدة، موضوع المنفى والهجرة القسرية، خلال مقالاته عن الحرب. 

أمّا ليزا مانديل، مرفوقة بعالمة الاجتماع ياسمين بواغا، فقد أقامت خلال سنة في معسكر كاليه، وهي تجربة ولّدت كتاب: "أخبار من الغابة"، وهو عبارة عن يوميات تتدخل فيها السخرية للمساعدة على إدراك وضعية مأساوية ومعقدة.  

ومن حسن الحظ أو من سوئه، لا تتوقف الظروف التي أدت إلى ظهور مثل هذه المؤلفات، ومن هنا تندرج زيارة إدمون بودوان وتروبس إلى وادي "لا رُويا" (الفرنسي) من أجل لقاء النشطاء، وعلى رأسهم سيدريك هيرّو (روبن هود)، الذين يقدمون المساعدة للمهاجرين من أصول إفريقية، الذين يحاولون عبور الحدود الإيطالية الفرنسية.
وكان ثمرة هذه الرحلة مؤلَّف "بشر، لا رُويا نهرٌ" (2018،)، ويحاول هذا المؤلَّف، الحافل بحوارات في عين المكان، تحسيس القارئ، من خلال بورتريهات جذّابة، بالمآسي التي ترافق هؤلاء المهاجرين. 

ويشرح تروبس (جان- مارك تروبي) كيف أن معظم هؤلاء المهاجرين، الذين كانوا تحت وقع الصدمة، وجدوا صعوبة في الكلام، خاصة وأن بعضهم شاهد، قبل أيام فقط، موت أصدقاء له في البحر. لكن مشاهدتهم الرسوم، بشكل مباشر، سحرهم وحرّر ألسنتهم. وأخيرا، يقول تروبس: "منحنا لكل واحد منهم البورتريه الخاص به، بعد أن قمنا بتصويره حتى يتسنى لنا إعادة إنتاجه في المطبعة".
وبالتأكيد سيخرج هذا الفن "الشريط المصور"، من هذا المعرض، عالي الرأس، وهو يؤدي وظيفته النبيلة، في الدفاع عن الإنسان. 

المساهمون