يفضح تعامل الحكومة الإسرائيلية مع المهاجرين الأفارقة الذين وصلوا إلى الأراضي المحتلة، العنصرية المعروفة عنها. فبعد الانتهاكات اليومية بحق الفلسطينيين والتمييز ضدهم، يأتي دور الأفارقة
اضطرت الحكومة الإسرائيلية، الأحد، إلى الاعتراف أمام المحكمة العليا، بأنّ محاولات التوصل إلى اتفاق مع حكومة أوغندا لترحيل طالبي اللجوء الأفارقة إليها، قد باءت بالفشل، لكنّها تُجري مفاوضات مع زامبيا بهذا الخصوص، وأدى هذا الاعتراف بالمحكمة إلى إلزام الحكومة بالإفراج عن أكثر من مائتي أفريقي كانوا رهن الاعتقال بانتظار ترحيلهم.
تشكل قضية المهاجرين الأفارقة الذين وصلوا إلى إسرائيل، عبر صحراء سيناء، أحد الملفات الساخنة التي يستخدمها اليمين الإسرائيلي في التحريض عليهم وعلى اليسار في إسرائيل، على حد سواء، متهماً اليسار بأنّه ساهم في إحباط جهود الدولة في ترحيل الأفارقة الذين يهدد تدفقهم طابع الدولة اليهودية. وقد اضطر تحريض اليمين الفاشي في إسرائيل، رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى إعلان تراجعه، الأسبوع الماضي، عن اتفاق رسمي مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قضى بوجوب استيعاب 18 ألف لاجئ أفريقي في إسرائيل، ونقل 16 ألفاً و250 آخرين إلى دول غربية.
تشير معطيات "دائرة السكان والهجرة" التابعة لوزارة الداخلية لحكومة الاحتلال، إلى وجود نحو 39 ألف مهاجر أفريقي في إسرائيل، هم من السودان وإريتريا، لا تعترف حكومة الاحتلال بهم كلاجئين وتعتبرهم متسللين غير شرعيين، فيما تزداد معاناتهم من العنصرية الكبيرة الممارَسة ضدهم، وملاحقتهم الدائمة وزجهم في السجون.
وتشير المعطيات إلى أنّ 1749 طالب لجوء أفريقياً غادروا إلى أوغندا، في السنوات الثلاث الأخيرة. ففي عام 2015، غادر أو أجبر على المغادرة 485 طالب لجوء، وفي عام 2016 غادر 506 طالبي لجوء، وفي عام 2017 غادر 630 شخصاً، أما في السنة الحالية 2018، فغادر 128 شخصاً، وسط محاولات حثيثة لترحيل من بقي، يقف على رأسها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو.
لطالما أثارت قضية المهاجرين الأفارقة، جدلاً كبيراً في إسرائيل، في ظل تنامي العنصرية، ورفض وجود هذه الشريحة بينهم. فمن جهة، كان الجدل داخل أحزاب اليمين نفسها وطاول الائتلاف الحكومي، ومن جهة أخرى بين الحكومة والمؤسسات الحقوقية، التي أكدت مراراً، على مرّ سنوات مضت، الانتهاكات الكبيرة في حق المهاجرين الأفارقة، والتحريض المستمر عليهم، بل وصلت الأمور إلى حد اعتبارهم "خطراً على يهودية الدولة"، وطاول السودانيين منهم التحريض الأكبر، باعتبار أنّ جزءاً كبيراً منهم مسلمون.
رحلة المهاجرين الأفارقة مستمرة منذ سنوات، خصوصاً منذ عام 2005، حين فرّوا من بلدانهم ووصلوا إلى إسرائيل عبر مصر، واستقر عدد كبير منهم في مدينة أم الرشراش (إيلات) في الجنوب، قبل إحكام الحدود الإسرائيلية - المصرية أكثر. كثيراً ما واجه هؤلاء خطر الموت عند تلك الحدود، بإطلاق النار تجاههم. ومع استمرار التضييق عليهم من قبل السكان المحليين في إيلات، بدأوا يتمددون شمالاً إلى تل أبيب، ومع كل تضييق تحركوا شمالاً مرة أخرى إلى أن وصلوا إلى البلدات العربية في الجليل.
مساءلات وتعليمات
خلال هذه السنوات، أقامت حكومة الاحتلال مراكز اعتقال خاصة بطالبي اللجوء، أشهرها "حولوت" في منطقة النقب، ثم معسكر "سهرونيم" الذي زج فيه بعدد كبير منهم، حتى تجاوزت المعتقلات قدرتها الاستيعابية. كذلك، فإنّ منظمات تُعنى بحقوق الإنسان أكدت، في أكثر من مرة خلال توجهها إلى المحاكم، على ظروف الإقامة الصعبة في تلك المعتقلات.
حاولت الحكومة الإسرائيلية، من خلال الزج بطالبي اللجوء في هذه المعتقلات أو تهديدهم بها، الضغط عليهم للرحيل، وكثيراً ما ألبست العديد منهم تهماً جنائية. أما وزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريجف، من حزب الليكود الحاكم، فقد أطلقت عليهم، خلال تظاهرة ضد المهاجرين في تل أبيب عام 2012، وصف "السرطان في جسد الدولة"، مساهمة في شحن المتظاهرين وتحريضهم، فرددوا في حينه "ارحلوا أيها الأفارقة".
في خضم تطورات القضية، أصدر المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندبلت، الأحد، تعليماته إلى دائرة السكان والهجرة، للإفراج عن 204 من طالبي اللجوء، المحتجزين في معسكر الاعتقالات "سهرونيم"، بالرغم من أنّ "المفاوضات مع أوغندا لم تنتهِ بعد". مع هذا، قررت سلطات السجون الإبقاء على 50 آخرين بعد توجيه تهم جنائية لهم.
ولا يأتي قرار المستشار القضائي للحكومة برغبته، لكن في أعقاب قرار قضائي للمحكمة العليا، التي كانت قد أمهلت الحكومة حتى ظهر الإثنين الماضي، للإعلان عن التوصل إلى اتفاق مع "دولة ثالثة" تستوعب طالبي اللجوء، على أن يوافقوا على الرحيل إليها، وإلاّ فسيتم إطلاق سراح المعتقلين. علماً أنّهم اعتقلوا في هذه الحالة بسبب رفضهم التوجه إلى تلك الدولة، والتي لم تجرِ تسميتها، في حين ذكرت وسائل إعلام عبرية أنّها أوغندا.
اقــرأ أيضاً
وجهت رئيسة المحكمة العليا، إستير حيوت، خلال المداولات، انتقادات كثيرة إلى "الدولة" الإسرائيلية، وسألت ممثلة النيابة شوش شموئيل: "لو قمتم بوضع كلّ هؤلاء الناس على متن طائرة وترحيلهم، هل كانوا سيُستقبلون هناك أم لا؟". فردت شموئيل: "بحسب المستشار القضائي للحكومة، هنالك احتمال كبير". عندها قالت القاضية: "إذاً ليس هناك اتفاق. أنتم تزجون الناس في السجن". كما وجّه القاضي حنان ملتسر انتقاداً بدوره على طريقة تعامل الحكومة مع الموضوع، معتبراً أنّ "هذا أمر جديد... اعتقال أشخاص من المرجح إبعادهم. الحرية في هذه الحالة هي مجرد بديل".
لكنّ قرار المحكمة العليا قد لا يعني بالضرورة ضمان الحرية للمهاجرين الأفارقة. ففي نظرة إلى الماضي القريب، نجد أنّ المستشار القضائي لحكومة الاحتلال حدد، في عام 2014، الظروف التي يمكن احتجاز المهاجرين فيها من خلال الاعتقال الإداري، ومنها المسّ بسلامة الجمهور وأمنه. وعلى الرغم من توصية مفوض مراقبة الحدود، المخوّل بإصدار أوامر اعتقال إدارية، بالأخذ بعين الاعتبار خطورة المخالفة وعدم زج المهاجرين في السجن من دون محاكمة إذا لم يكن الأمر خطيراً، واعتماد البدائل، تختصر الشرطة الطريق، وتتجاوز المحاكم في حالات كثيرة، وتزج بهم في السجون بأوامر إدارية.
أظهرت معطيات رسمية أنّه منذ بداية 2016 وحتى مارس/آذار 2017، سجن 223 طالب لجوء بشبهة ارتكاب مخالفات من دون محاكمة، كما جرى الإبقاء على حبس 88 آخرين باعتقال إداري، بالرغم من انتهاء فترة عقوبتهم، ما يعني التنكيل بهم وتجاوز التوصيات وحتى القضاء في هذه الحالات، كما أنّ هذه الأرقام ازدادت منذ نشر المعطيات حتى اليوم.
سبق لمركز حقوق اللاجئين في جامعة تل أبيب، الكشف عن أنّ حكومة الاحتلال "حرمت 311 شخصاً من حقهم في محاكمة عادلة في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، ولم يتلقوا أي استشارات أو تمثيل قانوني ولم يُعرضوا على القضاء". بل إنّ المحكمة الإسرائيلية العليا نفسها سبق لها إصدار قرار، في أغسطس/آب الماضي، يتيح طرد المهاجرين الأفارقة، خصوصاً إلى رواندا وأوغندا، بموجب ما وصف في حينه بأنّه اتفاق سري مع الحكومة. لكنّها ذكرت في قرارها أيضاً أنّه لا يجوز احتجاز من يرفض المغادرة لأكثر من شهرين.
اتفاقات مزعومة
يوم الجمعة الماضي، أعلنت أوغندا أنّها قد تبدي استعداداً لاستيعاب حتى 500 شخص من طالبي اللجوء من أصول سودانية وإريترية، وهي تدرس الأمر بشكل جدي، وفق ما نقلته صحيفة "هآرتس" العبرية. ونقلت الصحيفة عن وزير الدولة للإغاثة والتأهب لمواجهة الكوارث واللاجئين، موسى إيكويرون، قوله إنّ بلاده ستستقبل فقط المهاجرين المهتمين بالوصول إليها، ولن تقبل بأي شخص يُنقل إليها رغماً عن إرادته. واعترف بوجود مفاوضات مع دولة الاحتلال. وكانت أوغندا، في أكثر من مناسبة، قد نفت التوصل إلى أيّ اتفاق بشأن الموافقة على استيعاب عدد من المهاجرين.
في السياق، اتهمت كامبالا تل أبيب بتزييف تأشيرات لدخول المهاجرين إلى أراضيها، وفق ما ذكرته صحيفة "هآرتس"، إلاّ أنّ "دائرة السكان والهجرة" الإسرائيلية نفت تزييف أيّ وثائق.
ليست أوغندا الوحيدة التي أنكرت التوصل إلى اتفاق مع دولة الاحتلال في شأن استقبال المهاجرين، لكنّ رواندا أيضاً فعلت ذلك. فقد عقّب نائب وزير الخارجية الرواندي، أوليفييه نادهوجيرا، على تصريحات نتنياهو في هذا السياق، أنّ بلاده ليس لديها اتفاق مع تل أبيب أبداً "لا كتابة ولا شفوياً، ليجري قبوله أو رفضه".
لكن، حتى تلك الاتفاقات "المزعومة" والتي تحدّث عنها نتنياهو نفسه، قبل إعلان التوصل إلى اتفاقية مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لاقت معارضة كبيرة، حتى من داخل ائتلافه الحكومي، مما دفعه إلى التراجع عن الاتفاقية مع المفوضية بعد ساعات قليلة من إعلانها.
بعد إلغاء الاتفاق، مطلع إبريل/نيسان الجاري، حاول نتنياهو تبرير قراره، من خلال القول: "في الأسابيع الأخيرة، بعد ضغط كبير على رواندا من قبل صندوق إسرائيل الجديد ودول في الاتحاد الأوروبي، انسحبت رواندا من الاتفاقية ورفضت استقبال متسللين وصلوا إسرائيل، بعد إخراجهم بالقوة. في ظل هذا الوضع، قررت أن نسعى جاهدين للتوصل إلى اتفاق جديد، يتيح مع كلّ ذلك استمرار ترحيل المتسللين. في هذه المرحلة، قررت إلغاء الاتفاق، وبعد أن ألتقي الممثلين، سأجلب الاتفاقية لإعادة النظر فيها". وقبل تراجعه، كان مكتب نتنياهو قد أكد، في بيان عممه على وسائل الإعلام، أنّ "إسرائيل والمفوضية توصلتا إلى تفاهمات غير مسبوقة بخصوص قضية المهاجرين غير الشرعيين".
وكان الاتفاق يقضي بنقل نحو 16.250 مهاجراً من بين نحو 37 ألف مهاجر أفريقي، معظمهم من إريتريا والسودان، إلى دول غربية، في حين سيُسمح لآخرين بالبقاء في الأراضي المحتلة، بيد أنّ نتنياهو تراجع تحت ضغط اليمين.
اقــرأ أيضاً
في ظل استمرار التضييق على المهاجرين الأفارقة، وعدم وجود حلّ في الأفق، أو نور في آخر النفق، تستمر معاناتهم، ولو أنّ بعض المؤسسات الفاعلة في مجال حقوق الإنسان، تحاول تحسين ظروفهم، فيما تسعى الحكومة بكل ما أوتيت من قوة إلى ترحيلهم، مهما بلغ الثمن.
اضطرت الحكومة الإسرائيلية، الأحد، إلى الاعتراف أمام المحكمة العليا، بأنّ محاولات التوصل إلى اتفاق مع حكومة أوغندا لترحيل طالبي اللجوء الأفارقة إليها، قد باءت بالفشل، لكنّها تُجري مفاوضات مع زامبيا بهذا الخصوص، وأدى هذا الاعتراف بالمحكمة إلى إلزام الحكومة بالإفراج عن أكثر من مائتي أفريقي كانوا رهن الاعتقال بانتظار ترحيلهم.
تشكل قضية المهاجرين الأفارقة الذين وصلوا إلى إسرائيل، عبر صحراء سيناء، أحد الملفات الساخنة التي يستخدمها اليمين الإسرائيلي في التحريض عليهم وعلى اليسار في إسرائيل، على حد سواء، متهماً اليسار بأنّه ساهم في إحباط جهود الدولة في ترحيل الأفارقة الذين يهدد تدفقهم طابع الدولة اليهودية. وقد اضطر تحريض اليمين الفاشي في إسرائيل، رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى إعلان تراجعه، الأسبوع الماضي، عن اتفاق رسمي مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قضى بوجوب استيعاب 18 ألف لاجئ أفريقي في إسرائيل، ونقل 16 ألفاً و250 آخرين إلى دول غربية.
تشير معطيات "دائرة السكان والهجرة" التابعة لوزارة الداخلية لحكومة الاحتلال، إلى وجود نحو 39 ألف مهاجر أفريقي في إسرائيل، هم من السودان وإريتريا، لا تعترف حكومة الاحتلال بهم كلاجئين وتعتبرهم متسللين غير شرعيين، فيما تزداد معاناتهم من العنصرية الكبيرة الممارَسة ضدهم، وملاحقتهم الدائمة وزجهم في السجون.
وتشير المعطيات إلى أنّ 1749 طالب لجوء أفريقياً غادروا إلى أوغندا، في السنوات الثلاث الأخيرة. ففي عام 2015، غادر أو أجبر على المغادرة 485 طالب لجوء، وفي عام 2016 غادر 506 طالبي لجوء، وفي عام 2017 غادر 630 شخصاً، أما في السنة الحالية 2018، فغادر 128 شخصاً، وسط محاولات حثيثة لترحيل من بقي، يقف على رأسها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو.
لطالما أثارت قضية المهاجرين الأفارقة، جدلاً كبيراً في إسرائيل، في ظل تنامي العنصرية، ورفض وجود هذه الشريحة بينهم. فمن جهة، كان الجدل داخل أحزاب اليمين نفسها وطاول الائتلاف الحكومي، ومن جهة أخرى بين الحكومة والمؤسسات الحقوقية، التي أكدت مراراً، على مرّ سنوات مضت، الانتهاكات الكبيرة في حق المهاجرين الأفارقة، والتحريض المستمر عليهم، بل وصلت الأمور إلى حد اعتبارهم "خطراً على يهودية الدولة"، وطاول السودانيين منهم التحريض الأكبر، باعتبار أنّ جزءاً كبيراً منهم مسلمون.
أنا الآن أبيض، هل ستطردوني؟ (كوبي وولف/ getty) |
رحلة المهاجرين الأفارقة مستمرة منذ سنوات، خصوصاً منذ عام 2005، حين فرّوا من بلدانهم ووصلوا إلى إسرائيل عبر مصر، واستقر عدد كبير منهم في مدينة أم الرشراش (إيلات) في الجنوب، قبل إحكام الحدود الإسرائيلية - المصرية أكثر. كثيراً ما واجه هؤلاء خطر الموت عند تلك الحدود، بإطلاق النار تجاههم. ومع استمرار التضييق عليهم من قبل السكان المحليين في إيلات، بدأوا يتمددون شمالاً إلى تل أبيب، ومع كل تضييق تحركوا شمالاً مرة أخرى إلى أن وصلوا إلى البلدات العربية في الجليل.
مساءلات وتعليمات
خلال هذه السنوات، أقامت حكومة الاحتلال مراكز اعتقال خاصة بطالبي اللجوء، أشهرها "حولوت" في منطقة النقب، ثم معسكر "سهرونيم" الذي زج فيه بعدد كبير منهم، حتى تجاوزت المعتقلات قدرتها الاستيعابية. كذلك، فإنّ منظمات تُعنى بحقوق الإنسان أكدت، في أكثر من مرة خلال توجهها إلى المحاكم، على ظروف الإقامة الصعبة في تلك المعتقلات.
حاولت الحكومة الإسرائيلية، من خلال الزج بطالبي اللجوء في هذه المعتقلات أو تهديدهم بها، الضغط عليهم للرحيل، وكثيراً ما ألبست العديد منهم تهماً جنائية. أما وزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريجف، من حزب الليكود الحاكم، فقد أطلقت عليهم، خلال تظاهرة ضد المهاجرين في تل أبيب عام 2012، وصف "السرطان في جسد الدولة"، مساهمة في شحن المتظاهرين وتحريضهم، فرددوا في حينه "ارحلوا أيها الأفارقة".
في خضم تطورات القضية، أصدر المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندبلت، الأحد، تعليماته إلى دائرة السكان والهجرة، للإفراج عن 204 من طالبي اللجوء، المحتجزين في معسكر الاعتقالات "سهرونيم"، بالرغم من أنّ "المفاوضات مع أوغندا لم تنتهِ بعد". مع هذا، قررت سلطات السجون الإبقاء على 50 آخرين بعد توجيه تهم جنائية لهم.
ولا يأتي قرار المستشار القضائي للحكومة برغبته، لكن في أعقاب قرار قضائي للمحكمة العليا، التي كانت قد أمهلت الحكومة حتى ظهر الإثنين الماضي، للإعلان عن التوصل إلى اتفاق مع "دولة ثالثة" تستوعب طالبي اللجوء، على أن يوافقوا على الرحيل إليها، وإلاّ فسيتم إطلاق سراح المعتقلين. علماً أنّهم اعتقلوا في هذه الحالة بسبب رفضهم التوجه إلى تلك الدولة، والتي لم تجرِ تسميتها، في حين ذكرت وسائل إعلام عبرية أنّها أوغندا.
وجهت رئيسة المحكمة العليا، إستير حيوت، خلال المداولات، انتقادات كثيرة إلى "الدولة" الإسرائيلية، وسألت ممثلة النيابة شوش شموئيل: "لو قمتم بوضع كلّ هؤلاء الناس على متن طائرة وترحيلهم، هل كانوا سيُستقبلون هناك أم لا؟". فردت شموئيل: "بحسب المستشار القضائي للحكومة، هنالك احتمال كبير". عندها قالت القاضية: "إذاً ليس هناك اتفاق. أنتم تزجون الناس في السجن". كما وجّه القاضي حنان ملتسر انتقاداً بدوره على طريقة تعامل الحكومة مع الموضوع، معتبراً أنّ "هذا أمر جديد... اعتقال أشخاص من المرجح إبعادهم. الحرية في هذه الحالة هي مجرد بديل".
لكنّ قرار المحكمة العليا قد لا يعني بالضرورة ضمان الحرية للمهاجرين الأفارقة. ففي نظرة إلى الماضي القريب، نجد أنّ المستشار القضائي لحكومة الاحتلال حدد، في عام 2014، الظروف التي يمكن احتجاز المهاجرين فيها من خلال الاعتقال الإداري، ومنها المسّ بسلامة الجمهور وأمنه. وعلى الرغم من توصية مفوض مراقبة الحدود، المخوّل بإصدار أوامر اعتقال إدارية، بالأخذ بعين الاعتبار خطورة المخالفة وعدم زج المهاجرين في السجن من دون محاكمة إذا لم يكن الأمر خطيراً، واعتماد البدائل، تختصر الشرطة الطريق، وتتجاوز المحاكم في حالات كثيرة، وتزج بهم في السجون بأوامر إدارية.
أظهرت معطيات رسمية أنّه منذ بداية 2016 وحتى مارس/آذار 2017، سجن 223 طالب لجوء بشبهة ارتكاب مخالفات من دون محاكمة، كما جرى الإبقاء على حبس 88 آخرين باعتقال إداري، بالرغم من انتهاء فترة عقوبتهم، ما يعني التنكيل بهم وتجاوز التوصيات وحتى القضاء في هذه الحالات، كما أنّ هذه الأرقام ازدادت منذ نشر المعطيات حتى اليوم.
سبق لمركز حقوق اللاجئين في جامعة تل أبيب، الكشف عن أنّ حكومة الاحتلال "حرمت 311 شخصاً من حقهم في محاكمة عادلة في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، ولم يتلقوا أي استشارات أو تمثيل قانوني ولم يُعرضوا على القضاء". بل إنّ المحكمة الإسرائيلية العليا نفسها سبق لها إصدار قرار، في أغسطس/آب الماضي، يتيح طرد المهاجرين الأفارقة، خصوصاً إلى رواندا وأوغندا، بموجب ما وصف في حينه بأنّه اتفاق سري مع الحكومة. لكنّها ذكرت في قرارها أيضاً أنّه لا يجوز احتجاز من يرفض المغادرة لأكثر من شهرين.
اتفاقات مزعومة
يوم الجمعة الماضي، أعلنت أوغندا أنّها قد تبدي استعداداً لاستيعاب حتى 500 شخص من طالبي اللجوء من أصول سودانية وإريترية، وهي تدرس الأمر بشكل جدي، وفق ما نقلته صحيفة "هآرتس" العبرية. ونقلت الصحيفة عن وزير الدولة للإغاثة والتأهب لمواجهة الكوارث واللاجئين، موسى إيكويرون، قوله إنّ بلاده ستستقبل فقط المهاجرين المهتمين بالوصول إليها، ولن تقبل بأي شخص يُنقل إليها رغماً عن إرادته. واعترف بوجود مفاوضات مع دولة الاحتلال. وكانت أوغندا، في أكثر من مناسبة، قد نفت التوصل إلى أيّ اتفاق بشأن الموافقة على استيعاب عدد من المهاجرين.
عائلة أفريقية في تل أبيب (جاك غويز/ فرانس برس) |
في السياق، اتهمت كامبالا تل أبيب بتزييف تأشيرات لدخول المهاجرين إلى أراضيها، وفق ما ذكرته صحيفة "هآرتس"، إلاّ أنّ "دائرة السكان والهجرة" الإسرائيلية نفت تزييف أيّ وثائق.
ليست أوغندا الوحيدة التي أنكرت التوصل إلى اتفاق مع دولة الاحتلال في شأن استقبال المهاجرين، لكنّ رواندا أيضاً فعلت ذلك. فقد عقّب نائب وزير الخارجية الرواندي، أوليفييه نادهوجيرا، على تصريحات نتنياهو في هذا السياق، أنّ بلاده ليس لديها اتفاق مع تل أبيب أبداً "لا كتابة ولا شفوياً، ليجري قبوله أو رفضه".
لكن، حتى تلك الاتفاقات "المزعومة" والتي تحدّث عنها نتنياهو نفسه، قبل إعلان التوصل إلى اتفاقية مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لاقت معارضة كبيرة، حتى من داخل ائتلافه الحكومي، مما دفعه إلى التراجع عن الاتفاقية مع المفوضية بعد ساعات قليلة من إعلانها.
بعد إلغاء الاتفاق، مطلع إبريل/نيسان الجاري، حاول نتنياهو تبرير قراره، من خلال القول: "في الأسابيع الأخيرة، بعد ضغط كبير على رواندا من قبل صندوق إسرائيل الجديد ودول في الاتحاد الأوروبي، انسحبت رواندا من الاتفاقية ورفضت استقبال متسللين وصلوا إسرائيل، بعد إخراجهم بالقوة. في ظل هذا الوضع، قررت أن نسعى جاهدين للتوصل إلى اتفاق جديد، يتيح مع كلّ ذلك استمرار ترحيل المتسللين. في هذه المرحلة، قررت إلغاء الاتفاق، وبعد أن ألتقي الممثلين، سأجلب الاتفاقية لإعادة النظر فيها". وقبل تراجعه، كان مكتب نتنياهو قد أكد، في بيان عممه على وسائل الإعلام، أنّ "إسرائيل والمفوضية توصلتا إلى تفاهمات غير مسبوقة بخصوص قضية المهاجرين غير الشرعيين".
وكان الاتفاق يقضي بنقل نحو 16.250 مهاجراً من بين نحو 37 ألف مهاجر أفريقي، معظمهم من إريتريا والسودان، إلى دول غربية، في حين سيُسمح لآخرين بالبقاء في الأراضي المحتلة، بيد أنّ نتنياهو تراجع تحت ضغط اليمين.
في ظل استمرار التضييق على المهاجرين الأفارقة، وعدم وجود حلّ في الأفق، أو نور في آخر النفق، تستمر معاناتهم، ولو أنّ بعض المؤسسات الفاعلة في مجال حقوق الإنسان، تحاول تحسين ظروفهم، فيما تسعى الحكومة بكل ما أوتيت من قوة إلى ترحيلهم، مهما بلغ الثمن.