مهاباد.. ربيع إيران الكُردي

20 مايو 2015

إعدام نشطاء أكراد شنقا في طهران (17أكتوبر/2007/Getty)

+ الخط -
برهنت ثورات الربيع العربي، خصوصاً بعد أن أدمى حكام البلدان الثائرة شعوبها، وما تمخض عنه رحيل بعضهم من تناحر بأن الأمر يحتاج الى أكثر من الشرارة التي أشعلتها للتقليل من تبعات الحريق، ذلك أن الأنظمة تقدم، في وقت مبكر، على النفخ على تلك الشرارة، فإن لم تنجح في إطفائها فستتمكن من إعادتها إلى الهشيم الاجتماعي الذي انطلقت منه لتحرقه، حتى إذا احترقت هي نفسها معه فيما بعد. وهنا، فإن إقدام الفتاة الكُردية، فريناز خسرواني، على الانتحار في مدينة مهاباد الكُردية (شمال غربي إيران) في ظروف لم تتضح ملابساتها بعد، حيث قيل إن الأمر عائد الى تحرش أو محاولة اغتصاب، تعرضت لها من موظف حكومي إيراني، بالتواطؤ مع صاحب الفندق الذي كانت تعمل فيه، فاضطرت لذلك إلى إلقاء نفسها من الطابق الرابع فيه، للتخلص من العار الذي كان سيلحقها، مثل هذا الأمر المفاجأ قد يكون كافياً في ذلك المكان لإنطلاق احتجاجات اجتماعية، لكن من دون أن تتبلور عنها ثورة ناجحة، فمثل تلك الثورة ستفاجأ أول ما تفاجأ، إن حصلت من قام بها، وذلك بعد عقود طويلة من الاستكانة للظلم والتعايش معه، صحيح أن ثوراتٍ كثيرة قد بدأت بمثل ذلك الحدث، أو حتى أقل منه أهميةً، وأن لا ثورة بيضاء في التاريخ، وأن هناك أكلافاً باهظة دفعت على الدوام. لكن، لا ثورة قامت في مكانٍ ما من بطن الحوت، ونجحت في الخروج منه سليمةً معافاة، من دون أن تأخذ معها بعضاً من صفات المكان.

والحقيقة أن الظروف غير مهيأة حالياً لقيام ثورة كُردية واسعة ومؤثرة وذات نتائج إيجابية سريعة في إيران، الأمر نفسه ينطبق على ثورة قد يقوم بها أي مكون آخر، يفكر في الخروج وحده في ذلك البلد المنغلق على نفسه، إذ يُطبِق على الأوضاع الداخلية الإيرانية، وبقبضة من حديد آيات الله، عبر قوتي الباسيج والحرس الثوري، وقد ظهر ذلك جلياً من القمع الدموي لربيع طهران قبل ست سنوات، والذي استفاد منه النظام كثيراً في إحكام قبضته على الأمور، وتراجع فيه، في المقابل، الطامحون إلى التغيير خطوات عن خط المواجهة، كما أن بين المكونات الإيرانية، من حيث التكوين والانتماء والأهداف، اختلافات حادة، تمنع نهوضها معاً في مواجهة السلطة الشمولية القائمة، أو حتى لحاقها بركب المنطلق منها، وهو شرط لا بد من توفره لتشتيت قوى السلطة وإضعاف تأثيرها، ثم إن طهران، الآن، هي مثل الذئب الجريح الذي تلقى ضربات دامية في أكثر من مكان، لعل آخرها في اليمن الذي أصبح عنواناً لتراجع نفوذها، بعد أن بلغ بهبوط الطائرات الإيرانية المباشر في مطار العاصمة صنعاء أقصى مداه، حيث قطعت عاصفة الحزم شريانها معه، وأخرجتها منه ذليلةً في اللحظة التي تخيلت فيها بأن لا شئ يقف أمام مخططاتها في السيطرة على المنطقة. لكل ذلك، سيقدم النظام الإيراني، كما هو متوقع، على التصرف بوحشية مبالغ بها تجاه الكُرد في مهاباد، إذا ما مضوا في مسعاهم وتطوير احتجاجاتهم، خصوصاً في ظل توقع عدم حصولهم على أي نوع من الدعم، حتى اللفظي منه، من الغرب، بعد الاتفاق النووي مع إيران، وكذلك من المحيط الإقليمي، التصرف بوحشية سيكون كذلك ضد أي مجموعة أُخرى، قد تفكر في الخروج من عباءة الولي الفقيه، حيث سيحاول النظام الإيراني إعادة الاعتبار لنفسه، أمام شعبه أولاً، بعد أن تمرغ في وحول العمليات الخارجية الشاقة والمكلفة وغير الحاسمة، مثلما هو عليه الحال في سورية، وأمام العالم بعد خسارته في الملف النووي، عقب سنوات طويلة من المراوغة. لذلك، سيكون القمع القاسي خياراً مفضلاً له، لاظهار نفسه ممسكاً بزمام الأمور، ولإعادة درس ربيع طهران على مسامع من نسيه من الإيرانيين، وكذلك العالم.

سجّل الكُرد في مهاباد موقفاً ذكّر الحكم الإيراني بحقيقة الانقسام المجتمعي الذي تعانيه إيران وهشاشة الرابط الذي يجمعها. وتبدو الرسالة نفسها واضحة بشكلها السلبي، إذا ما علمنا أن احتجاجات الأحواز، المتواصلة منذ فترة، لا تلقى مشاركةً من المكونات غير العربية فيها. لكن، هناك حقيقةً بات يدركها الجميع، هي أن جمرة القومية الكُردية التي تخيلت إيران أنها أطفأتها قبل سبعين عاماً، عندما اجتاحت قواتها جمهورية مهاباد وأعدمت زعيمها، وبأنها قد حطمت الحلم الكُردي، بعد أن رأى النور فترة قصيرة، لا زالت مشتعلة تحت الرماد.
avata
حسين جلبي

كاتب سوري